هاني صبي من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولد بمتلازمة داون، وأنا أحترم حقا هذه الفئة واعتقد من منظور شخصي لا علاقة له بالطب انهم من اكثر البشر حساسية واجملهم تفاعلا مع البيئة المحيطة، ولعل ما حدث مع هاني يشكل راصدا جيدا لواقع الجوال في وقتنا الراهن، اذ جاء هاني قبل ايام الى السيدة التي ترعاه واخرج من جيبه مبلغا صغيرا من المال وطلب منها مبلغا محددا آخر، فلما سألته لماذا تريد النقود يا هاني قال لها: لكي اشتري موبايلا! ماذا تريد ان تفعل بالموبايل يا هاني ؟ ومتى اصبح هذا الجهاز مطلبا ملحا في حياتك التي اقتصرت دوما على الضروريات والاساسيات غير المعقدة ؟ الحقيقة ان هاني عكس بشكل تلقائي ما يدور في المجتمع، الهاتف الذي اصبح في كل يد، هوس الهواتف، تغيير الهواتف ورنات الهواتف ومسابقات الهواتف .. عكس ما يضج به المجتمع من استخدام هذا الجهاز الصغير الذي اصبح لا يفارق الايدي ولا تفارق نغماته الآذان في كل مكان .. و انا لا انكر على هاني رغبته في اقتناء جوال، فهذا حقه ولكني احاول ان افهم لماذا بلغت سطوة هذا الجهاز الصغير هذا الحد، ولماذا اصبح هذا الجهاز في يد الصغار كاللعبة، والصغار هنا اقصد بهم حتى من هم دون السادسة، هؤلاء الذين صاروا يفهمون تقنية البلوتوث كأنهم رضعوها مع حليب امهاتهم ،لا يكاد يخلو مكان عام ولا خاص من جماعة لا يعرفون بعضهم بعضا لكنهم يتخاطبون بالجوال ويتبادلون رسائل البلوتوث المصورة الجيدة منها والسيئة، في الاسواق وفي الاشارات وفي المستشفيات وفي البيوت المغلقة على اصحابها ايضا. الجوال يسيطر على حياتنا بشكل غير معقول، عبره نتبادل التهاني ونصل الارحام ونشارك في المناسبات، وعبره ايضا نشعر اننا مطاردون لا تحمينا الجدران ولا الابواب المغلقة، رناته اصبحت القاسم المشترك بين كل الناس وفي كل الاماكن، بل حتى المساجد دور العبادة لم تخلُ منه متطفلا مزعجا متخطيا كل الحدود، المشكلة ان هذا الشغف الجمعي بالجوال يغذي تجارة عالمية غربية تحولت الى اخطبوطات عملاقة رأس مالها قطع بلاستيكية ودوائر كهربائية والوان براقة ثم اعلان ملح ورأي عام موجه وسوق استهلاكية عربية ضخمة لا يقل عن خمسين في المائة منها واكثر بلا جدوى ولا فائدة ترجى بل على العكس الضرر القادم منها صحيا أو اخلاقيا اعظم واكبر واعتقد ان اولياء الامور الذين يواجهون طوفاناً من الفتن يتعامل معها اولادنا ينبغي حقا ان يواجهوا ويوجهوا هذه التقنية بشكل يعبر بهم الى بر السلامة بدون عظيم ضرر، وهي مسؤولية كبيرة نسأل الله ان يعيننا عليها واعتقد انه لابد من وجود توجيه مضاد تساهم فيه وسائل الإعلام بمختلف منابرها ووسائلها لكي تحسن مجتمعاتنا استقبال واستعمال التقنيات وما يستجد منها، نحن حقا بحاجة الى فقه التعامل مع التقنيات الحديثة فقد اصبحت لغة عصر اذا لم نحسن الاستفادة منها ضيعتنا. [email protected]