بعد أسابيع طويلة من التجاذب بين أركان الحكم في لبنان والحسابات الانتخابية التي تولاها اختصاصيون تم توظيفهم من قبل وزارة الداخلية لإقرار تقسيم للدوائر الانتخابية بشكل يؤمن فوز عدد كبير من المرشحين الموالين أو على الأقل يقلل من خسائر قوى الموالاة ولوائحها الانتخابية، خرج قانون الانتخابات النيابية إلى العلن ولو بشكل غير رسمي حيث توافق أركان الدولة على اعتماد تقسيم انتخابي على أساس الدوائر الصغرى باعتماد الأقضية في معظم المناطق اللبنانية بما يلبي ظاهرياً مطلب قوى وشخصيات المعارضة التي طالبت بهذا الأمر سواء على لسان البطريرك المسيحي نصرالله صفير أو رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط وعدد آخر من المعارضين البارزين. لكن الفخ الحقيقي في القانون الجديد بنظر المعارضين اللبنانيين تم نصبه من قبل السلطة عبر التقسيم الانتخابي المقترح للعاصمة بيروت والذي يهدف إلى إضعاف رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري بجعل بيروت ثلاث دوائر يغلب عليها طابع الأحادية الطائفية ولا تتمتع بمواصفات التوازن والتنوع عبر جعل العاصمة ثلاث دوائر: واحدة مسيحية صرف وثانية فيها غلبة للناخبين الشيعة والأرمن وثالثة تتمتع بأكثرية من الطائفة السنية مما يؤدي حكماً إلى تشتيت الكتلة الناخبة المؤيدة للحريري وحصر فعاليتها في دائرة واحدة وبالتالي إضعاف التمثيل السياسي لرئيس الحكومة السابق إذا وافق على هذا التقسيم أو دفعه إلى صراع مع المعارضة وصدام معها وتحديداً مع الوسط المسيحي الذي طالما طالب بمبدأ صحة التمثيل واشتكى من التجارب الانتخابية السابقة التي أقصت الصوت المسيحي عن التأثير في اختيار الناخبين عبر اعتماد الدوائر الانتخابية الكبرى والذي يعتبر أن الدائرة المسيحية في بيروت تؤمن له هذا المطلب. الفخ الذي ينصبه القانون المقترح برأي المعارضة اللبنانية يهدف إلى تحقيق مطلب المعارضة ظاهرياً باعتماد الدوائر الصغرى ونقل الصراع إلى صفوف المعارضين عبر استثناء بيروت بتقسيمها بشكل مخالف لقانون الانتخابات الذي اعتمد منذ العام 1960 وحتى العام 1972 والذي يشكل مرجعية القانون المقترح من وزارة الداخلية وهو يهدف إما إلى دفع الحريري إلى الاشتباك مع المعارضين المسيحيين أو إلى إعادة حساباته وعدم الانضمام جدياُ إلى المعارضة والبقاء بعيداً عن حركتها لضمان مصالحه الانتخابية حيث تضمن له السلطة عبر غلبتها النيابية التي لا تزال حاسمة في المجلس النيابي الحالي إعادة النظر بتقسيمات العاصمة بيروت إذا ما لبى الحريري شروطها بالابتعاد عن المعارضة وتطعيم لوائحه في بيروت بمرشحين مؤيدين لسوريا من فريق الموالاة بما يرفع من عدد مقاعد النواب الموالين في المجلس النيابي القادم. المعارضة اللبنانية تنبهت بشكل سريع للقانون المفخخ حيث سارع رئيس اللقاء الديمقراطي النيابي وليد جنبلاط إلى إعلان تضامن المعارضة مجتمعة مع الحريري ورفع حدة موقفه السياسي حيث أبلغ وسائل الإعلام بعد لقائه مع الأخير أن أي تلاعب في بيروت هو تلاعب في الجبل والمناطق الأخرى محذراً السلطة من استعمال المقص في بيروت مما سيقود المعارضة إلى رفع الأمر إلى مجلس الأمن الدولي في إشارة من جنبلاط هي الأولى من نوعها إلى الشرعية الدولية في الصراع الداخلي اللبناني فيما كان عدد من المعارضين المسيحيين يعتمدون معياراً واضحاً للموقف من القانون الانتخابي القادم بالتوافق على اعتبار أي استهداف لأي معارض وللحريري تحديداً هو استهداف للمعارضة مجتمعة ورفضه بالتالي مع تحديد أشكال الاعتراض لاحقاً بالتوافق مع الحريري بدءاً من الاحتجاج السياسي وصولاً إلى الاحتجاج الشعبي. موقف التضامن مع الحريري يهدف إلى تأكيد وحدة المعارضة وقطع الطريق على محاولات شق صفوف المعارضين ومواجهة القانون الانتخابي في مجلس النواب بشكل موحد تمهيداً للمعركة الانتخابية وهو ما قد تستغله السلطة كمبرر للعودة إلى طرح تقسيمات انتخابية أخرى مما يجعل الحديث عن قانون انتخابي واضح المعالم ونهائي سابقا لأوانه حتى اللحظة رغم أرجحية اعتماد القضاء دائرة انتخابية.