يمكن وصف السير شيرارد كوبر - كولز السفير البريطاني بأنه عاشق الصحراء.. فهو ينتهز أي فرصة تسنح له لكي ينطلق إلى ربوع صحراء الربع الخالي.. فمنذ توليه منصبه سفيراً لبلاده في المملكة في اكتوبر منذ عام 2003 قام وزوجته السيدة بارجيت بزيارتين إلى الربع الخالي.. ولحبه الشديد للصحراء قام بتلكما الرحلتين في فترات متقاربة جدا.. على الرغم من مشاغله الكثيرة. السفير (ابو هنري).. كما يحب أن يُطلق عليه يعمل بجهد.. كبير لتعزيز العلاقات بين البلدين.. وقد شهد له العديد بما قام ويقوم به في هذا المجال.. ففي بداية العام الجاري عقد مؤتمر مهم في لندن تحت مسمى تحديات بين مملكتين.. خلال ذلك المؤتمر والذي ضم عددا كبيرا من المسؤولين ورجال الأعمال قام السفير شيرارد بجهد كبير في إنجاح ذلك المؤتمر والذي استغرق ثلاثة أيام وقد انتهى بنتائج إيجابية عديدة ومن المقرر ان يعقد نفس المؤتمر لقاءه الثاني في المملكة في أوائل العام القادم.. عقرب صفراء سامة وجدت في الصحراء ولا شك بأن لشخصية وديناميكية (ابو هنري) الدور الكبير في تقريب العلاقات التاريخية والوطيدة بين البلدين. رحلة السفير الأخيرة إلى الربع الخالي ضمت السفيرين المعتمدين لدى المملكة: السفير الدنماركي والسفير الهولندي وعدد اًمن المسؤولين واستغرقت الرحلة خمسة ايام وبلغت مسافتها 1500كم حيث سلك نفس طريق عبدالله فيلبي. السفير أبوهنري.. يتأكد من ربط الأمتعة السير ابوهنري خص «الرياض» بانطباعاته عن تلك الرحلة وفيما يلي نص كلمته: [b] عبر صحراء الربع الخالي [/b] بقلم السفير البريطاني السير شيرارد كوبر - كولز (أبو هنري) ليست هناك طريقة أفضل لقضاء عطلة العيد بالنسبة إلى مجموعة من الأجانب تعيش في الرياض سوى عبور صحراء الربع الخالي. وهذا ما حدث، ففي الأيام التي تلت عطلة عيد الفطر في هذا العام قمت انا ومجموعة من الأشخاص بقيادة المقدم روبرت نايت، من البعثة العسكرية البريطانية إلى الحرس الوطني، بعبور صحراء الربع الخالي، وكان من ضمن المجموعة التي عبرت الصحراء كل من السفير الدانمركي والسفير الهولندي والعميد سايمون نابر من الحرس الوطني والمهندس الكندي بول آرتشر بالاضافة إلى عوائلهم وأصدقائهم وفريق من أفراد الحماية الشخصية. التزلج على الرمال كانت خطة المقدم نايت تقضي بأن أتبع الطريق الذي سلكه عبدالله فيلبي أول مرة في يناير 1932 وهو على ظهر جمل، بيد أنني توجهت هذه المرة وبسيارات الجيب إلى الخرج أولا ثم إلى حرض، ومنها جنوبا، في العمق حيث الأراضي التي ترعى فيها إبل قبيلة مري، وتوجهت إلى الآبار المهجورة عند بئر فضال وطويرفة، ومن ثم اتجهت شرقا إلى الحفرة النيزكية عند وبر التي اصبحت الآن مليئة بالرمال، ومن ثم اتجهت إلى الشمال الشرقي إلى موقع ارامكو السعودية المهجور منذ مدة طويلة عند عبيلة حيث وجدت هيكل الطائرة الخفيفة الذي لا يزال ملقى بالقرب من مهبط الطائرات، وبعد ذلك اتجهت شمالا مرة أخرى إلى ندقان ومنها إلى حرض مرة أخرى .. واستغرقت رحلة الذهاب والعودة خمسة ايام قطعت خلالها 1500 كلم تقريبا. كانت الأوقات التي قضيتها في التخطيط للرحلة واختيار الطريق الذي سوف اسلكه وتجميع نقاط تحديد المواقع الجغرافية، وتقرير من سيكون مسؤولا وعن أية وجبة، وتفقد السيارات والمعدات بحذافيرها من أسرة المعسكر إلى دلات القهوة من أكثر الأوقات مرحاص، والأهم من كل هذا كان التأكد من أن لدى كل شخص ما يكفيه من الوقود والماء بالاضافة الى جهاز هاتف الثريا. عندما يكون المرء في الصحراء يكمن التحدي في تقدير افضل السبل للدنو من التضاريس المفاجئة والمتباينة التي تعترض المرء، فهناك سهول من الحصى، تليها عروق صغيرة غادرة، ثم العروق العالية التي تأسر الألباب، تليها عروق أكثر انخفاضا وانحدارا ثم رمال ثم مساحة من العشب والنبات، مناطق ترى فيها قطعاناً كبيرة من الابل تتحرك برشاقة عبر الصحراء وهي ترعى، وأماكن أخرى خالية من مظاهر الحياة تماما، وتوجد في المنظر الصحراوي كل تدرجات الألوان: الأصفر والبرتقالي والبنى والرمادي لتصل في بعض الأحيان إلى مساحة صغيرة خضراء. والشمس والقمر يسيطران على كافة جوانب الحياة في الصحراء، ويالروعة المنظر قبل الفجر عندما يضيء الجزء الشرقي من السماء تدريجيا وتسمع شدو الطيور قادماً من مكان مجهول، ثم تشرق الشمس مسرعة الخطى وحالما تتحول الى شمس قوية عند منتصف النهار حيث لا يمكن أن ترى أي ظل على الأرض، ويصبح شق الطريق عبر العروق أكثر صعوبة من أي وقت حيث يغدو تقدير المسافات امراً شبه مستحيل، ويتجلى جمال الشمس عند الغروب حيث تخيم السكينة في المساء وتعود البرودة ويضيء القمر والنجوم في كبد السماء. السفير أبو هنري يعد وجبة الإفطار لكن ربما كانت أروع لحظة هي سماع الأذان الأول ينادي إلى الصلاة ويشق سكون الفجر وعندها يولّي أصدقاؤنا والحراس وجوههم شطر مكةالمكرمة لأداء أول صلاة من الصلوات الخمس انها بداية مثالية ليوم طويل وحافل بالاثارة. وليس هناك من مكان أفضل للهروب من ضغوط الحياة المدنية الحديثة والشعور بالاسترخاء سوى الصحراء العربية بجمالها الأخاذ وهدوئها حيث لا يقطع أحد صفو خلوتك.