إبان السنوات الأربع الأخيرة، عرف الإرهاب تصعيدا رهيبا على المستوى العالمي. فقد تحول بسرعة من ظاهرة محصورة ببلدان معينة، إلى خطر عام يهدد ويدهم الأمن الإنساني، فقد صار كابوس كل المجتمعات. في هذا السياق ظهر نجوم الإرهاب أمثال «أبو مصعب الزرقاوي» الذي حركه حقده على أردن الخير إلى تنفيذ هجمات إرهابية ثلاث على فنادق نتج عنها وفاة (57) شخصا وجرح المئات من الأبرياء. الحرب بين الأردن و«القاعدة» ليست جديدة ذلك أن القاعدة زورت الحقائق الشرعية ونظرت إلى الجميع على أنهم كفار سواء أكانوا مدنيين أوعسكريين، فنصب تنظيم القاعدة نفسه «وكيلا لله في الأرض» يكفر من يشاء ويمنح من يشاء صكوك الغفران للجنة. ورغم الألم الذي ألم بالأردنيين يجدر أن نلاحظ أنهم توحدوا جميعا على اختلافهم رجلا واحدا في الإصرار على مواجهة الإرهاب ولا يفوتنا أن نؤكد على أن أجهزة الأمن الأردنية نجحت في غالبية الأحيان بإجهاض المخططات الشيطانية في مهدها عشرات المرات . «طريق التطرف» قبل كانون الثاني 2003، لم يكن اسم أبو مصعب الزرقاوي معروفاً للكثيرين، واسمه الحقيقي أحمد فضيل نزال الخلايلة، ولد في منطقة الزرقاء عام 1966، لعائلة فقيرة، ولم يكمل تعليمه، وفي عام 1989، ذهب للقتال في أفغانستان ضد السوفييت، وبقي فيها حتى عام 1994 وعاد بعدها إلى الأردن، ثم اعتقل عام 1995 بتهمة انتمائه لجماعة متطرفة في قضية تنظيم «بيعة الإمام» وهو أول تنظيم إرهابي يظهر على الساحة الأردنية ويرد اسم الزرقاوي ضمن قائمة المتهمين بالتنظيم وقضى في السجن عدة سنوات بتهمة حيازة أسلحة دون ترخيص ثم صدر عفو ملكي عام عن السجناء في البلاد فشمله العفو . وغادر الزرقاوي بعدها مرة أخرى إلى أفغانستان مصطحبا معه زوجته، وشارك في القتال مع طالبان ضد الأمريكيين في نهاية عام 2001ثم انتقل الى الباكستان والتقى أبو محمد المقدسي وتعارفا في معسكرات التدريب التي كانت تقام على الحدود الباكستانية الأفغانية واتفقا على تنفيذ عمل إرهابي في الأردن ولم تكن لديهم في حينه الفكرة واضحة ثم نسب الى الزرقاوي التخطيط لعملية اغتيال الدبلوماسي الأمريكي «فولي». وفي إحدى الهجمات الأمريكية، أذاعت الولاياتالمتحدة خبرا مفاده أن الزرقاوي قد فقد أحد قدميه اثر إصابة شديدة، لكن ذلك لم يكن صحيحا فقد تبين بعدها أنه أصيب بشظايا في خاصرته عولج بعدها وتوجه الزرقاوي عقب ذلك يرافقه (1500) شخص الى العراق مرورا بإيران حيث اعتقل عدد منهم على يد القوات الإيرانية، وفي عام 2002 انتقل إلى منطقة كردستان في العراق، حيث وجد المأوى والحماية من جانب جماعة أنصار الإسلام التي يتزعمها الملا كريكار، وفي أعقاب سقوط بغداد في نيسان 2003، انتقل الزرقاوي إلى وسط العراق. وقبل ستة أسابيع على غزو العراق، وفي 5 شباط 2003، أصبح الزرقاوي شخصية لامعة، عندما جاء ذكره في خطاب وزير الخارجية الأمريكي كولن باول أمام الأممالمتحدة، والذي ربط فيه بين نظام صدام حسين وتنظيم القاعدة. وحتى ذلك الوقت لم يكن أحد خارج الأردن يعرف الزرقاوي الذي أصبحت الولاياتالمتحدة، تعتبره ثاني أخطر رجل في العالم، بعد أسامة بن لادن، ورصدت مكافأة قدرها 25 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تفيد في القبض عليه، وهي نفس المكافأة التي رصدت من قبل لأسامة بن لادن، بما يشير إلى أن الولاياتالمتحدة أصبحت تضع الزرقاوي على قدم المساواة مع بن لادن في قائمة أهمّ المطلوبين لأمريكا. في الآونة الأخيرة نشر على أحد مواقع الانترنت بياناً منسوباً للزرقاوي يعلن فيه انضواء تنظيمه المسمى جماعة «التوحيد والجهاد» تحت قيادة تنظيم القاعدة، وفي نفس الوقت اعتُبر الزرقاوي أحد مصادر تشويه سمعة الإسلام، وخلط أوراق اللعبة في العراق، من خلال ما تقوم به جماعة «التوحيد والجهاد» من أعمال خطف وقتل للرهائن، وبث مشاهد الذبح على وسائل الإعلام عبر شرائط فيديو، على نحو أثار استياء وغضب الكثيرين. لقد أصبح الزرقاوي وجماعته منذ مطلع عام 2004 محل اهتمام القوى الكبرى، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة، باعتباره القائد الإقليمي لتنظيم القاعدة، وكان على الزرقاوي أن يحافظ على دوره الإرهابي، لذلك أعلن مسئوليته عن قطع رأس بيرج وأرمسترونج الأمريكيين في أيار الماضي، وجاك هينسلي في سبتمبر وكين بيجلي البريطانيين في أكتوبر. والزرقاوي رغم زعمه الزائف بأنه يقاوم الاحتلال إلا أنه لا يحظى بقاعدة شعبية في العراق، فمعظم أفراد المقاومة العراقيين، وهيئة العلماء يرفضون ما يقوم به من عمليات اختطاف وقتل للرهائن المدنيين ورجال الشرطة العراقية واستهداف للشيعة. «عبقرية الشر» وأبو مصعب الزرقاوي هو أب لأربعة أطفال وهو أول «عبقرية شريرة» ولدت في رحم التطرف الإسلامي فهو أشد تطرفا ممن سبقه حتى من أسامة بن لادن. ويكاد ينسى بسبب دخول الزرقاوي على الخط وهو الأكثر تطرفا وعنفا رغم أن شخصيته كانت مجهولة تماما قبل أعوام خلت . إذ انه حتى عام 2003، لم نكن نسمع إلا القليل النادر عن أبي مصعب الزرقاوي . شخص مجهول تحول في ظرف قياسي إلى أشهر إرهابي في العالم. يتمتع بسيرة ذاتية تكتنفها الألغاز والغموض من كل حدب وصوب، حتى صار من الصعب التمييز بين الحقيقة و الخيال في شخصيته. وقد تمكن الزرقاوي انطلاقا من شبكته الإرهابية في العراق من ممارسة نشاطاته في الشرق الأوسط «...» ليواصل بعدها مع شبكته تنظيم عمليات إرهابية ضد دول كثيرة مثل فرنسا، بريطانيا، اسبانيا، ايطاليا، ألمانيا و روسيا.ودول عربية من بينها الأردن وسورية استطاع خلالها بناء علاقات قوية مع أحد أطباء الأسنان يدعى «أبو الغيداء السوري» الذي كان له دور في التنسيق والتخطيط في التحاق الشيخ أبو أنس الشامي الأردني بتنظيم القاعدة في العراق إذ أصبح فيما بعد رئيس الهيئة الشرعية في التنظيم . فتشكل ثالوث شيطاني بين «ابو محمد المقدسي وأبو أنس الشامي والزرقاوي» فخططوا معا لتنفيذ عمليات إرهابية في العراق والأردن بغض النظر عن طبيعة الضحايا . هكذا تحول الزرقاوي من واحد من الصغار المغمورين، إلى نجم الإرهاب الدولي في يوم وليلة. ثم ما لبث الأمر أن تأكد بعد بضعة أسابيع قليلة، حين ذكر جورج بوش الابن شخصيا اسم الزرقاوي، واصفا إياه بالرجل الأخطر على كوكب الأرض، بعد أسامة بن لادن. «سجل اجرامي» في عام (2000) نسب للزرقاوي التخطيط لشن هجوم «إرهابي» في احتفال الأردن بالألفية، حيث استهدف الهجوم فندق راديسون ساس في عمان ومواقع أميركية وإسرائيلية ومسيحية أخرى، وأحبطت المحاولة قبل تنفيذها، لكنه هرب قبل القبض عليه إلى أفغانستان حيث أشرف على معسكر لتدريب مقاتلي القاعدة، كما تخصص في الأسلحة الكيماوية والبيولوجية. وفي عام 2001 حكم عليه غيابيا بخمس عشرة سنة لتورطه في ما سمي «العمليات الإرهابية» في الأردن.وفي تشرين الأول 2001 الأول من العام نفسه فر الزرقاوي إلى إيران بعد أن فقدت طالبان سيطرتها على أفغانستان، ومن هناك جند فلسطينيين اثنين وأردنيا دخلوا تركيا وكان من المفترض أن يذهبوا إلى إسرائيل للقيام بهجمات بالقنابل هناك.وفي (15) شباط 2002: ألقي القبض على الثلاثة الذين أرسلهم الزرقاوي في تركيا. وفي تشرين الأول 2002 خطط لاغتيال لورانس فولي المسؤول الأميركي في وكالة التنمية الدولية بعمان، وبعد بعض الاعتقالات التي تمت لمنفذي الاغتيال في ديسمبر «كانون الأول» 2002 ربط الزرقاوي بالتخطيط للاغتيال بتوفيره الأسلحة اللازمة. وفي بداية 2003 عاد إلى معسكر أنصار الإسلام في شمالي العراق، وقام شخص آخر تدرب في هذا المعسكر بالتخطيط لهجمات كيميائية باستخدام سموم مختلفة في بريطانيا وفرنسا وجورجيا والشيشان.وقد قبضت السلطات البريطانية في حينه على بعض «الإرهابيين» في بريطانيا بتهمة التخطيط لوضع الريسين السام في أغذية الجيش، فتم الربط مرة أخرى بين «الإرهابيين» والزرقاوي. وفي عام 2003 قامت مجموعة الزرقاوي بتفجير السفارة الأردنية في بغداد مما أدى الى مقتل أحد عشر شخصا وجرح 53 فردا من بينهم أردنيون فضلا عن قيام تنظيمه بتفجير مبنى الأممالمتحدة في بغداد مما أدى الى مقتل العديد من الموظفين كما قام بقتل واختطاف عدد من السائقين الأردنيين وتنفيذ عشرات العمليات الارهابية ضد فئات مختلفة من العراقيين بينهم رجال دين أمثال محمد باقر الحكيم . وفي الوقت الذي حاولت فيه القاعدة توجيه ضربة قاسية للأردن في عام 2003 عبر مخطط استهدف مبنى المخابرات العامة بواسطة تنظيم «كتائب التوحيد» الذي ترأسه عزمي الجيوسي تمكنت الأجهزة الأمنية من إحباط المخطط في مهده وقد ذكرت في حينه بأنه لو قدر لهذا المخطط التنفيذ لذهب بعشرات الاآلاف من الأردنيين لأن التنظيم كان يعتزم تنفيذ هجوم إرهابي بمواد كيماوية شديدة الانفجار. لكن المنطق الأعمى للقاعدة دفعها في آب من العام الحالي الى تنفيذ هجوم إرهابي بصواريخ الكاتيوشا على مدينة العقبة جنوب البلاد أدى الى استشهاد جندي وإصابة آخر وقد تمكن القتلة من الهروب الى العراق فيما ألقي القبض على واحد منهم .