أوصى الدكتور علي الزميع الوزير السابق للأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت بالتريث والدراسة المستفيضة لتأسيس مؤسسة وقف صحي فعال. وقد تحدث في الورقة التي قدمها في المؤتمر الدولي لاقتصاديات الصحة والوقف الصحي الذي انعقد بالرياض عن أهمية دور الوقف في تنمية المجتمع الإسلامي وتطرق لاعتبارات أهمها ازدياد الحاجة في العصر الحالي إلى تنشيط التفاعل والتكامل بين المبادرات الحكومية والأهلية وجمعها حول أهداف تنموية مشتركة، وإسهام الوقف الكبير في استكمال البناء المؤسسي للمجتمع من خلال تأكيد دور القطاع الأهلي التطوعي وهو القطاع الثالث المكمل للقطاعين الحكومي والخاص، والحاجة إلى إعادة التوازن الفكري المفقود في حياة البشر بين القيم الروحية والمادية وضرورة إتاحة الفرصة لكافة القوى المجتمعية للمشاركة الإيجابية في بناء حاضر المجتمع ومستقبله في إطار من القيم التنموية للإسلام، وتمتع الصيغة التنموية الوقفية بميزة شمول التغطية لكافة جوانب حياة البشر في مختلف المجالات العقائدية والتعبدية والحياتية. وذكر الزميع أن من المقومات الرئيسية لنجاح مشروع الوقف الصحي هو أن يكون لدى القائمين على تأسيسه فكرة واضحة عنه وعن طبيعته وأهدافه، وهي بالدرجة الأولى تتركز في إنشاء مؤسسة وقفية للرعاية الصحية بالتنسيق مع الجهات الرسمية والدينية والمجتمعية يكون هدفها الرئيسي قيادة جهود القطاع الأهلي في مجال تنمية وتقديم الخدمات الصحية والعلاجية في مختلف البلاد عن طريق شبكة من الفروع التابعة لها بالإضافة إلى شبكة أخرى من المؤسسات الأهلية التي تعمل تحت مظلتها من خلال نظام حق الامتياز Franchise System . وذكر أن التحدي الرئيسي لهذا المشروع لا يكمن في جانبه الطبي أو الوقفي بل هو في الأساس نابع من كونه يتصدى لعملية إيجاد واقع وثقافة جديدين في المجتمع يقومان على قيم دينية ومجتمعية وتنموية ويهدفان بالأساس إلى تفعيل جهود المجتمع المدني في مجال تقديم الخدمات وفي العمليات التنموية وإقامة علاقات من نوع جديد مع الأجهزة الحكومية تساند هذه المشاريع المجتمعية من ناحية وتنسقها مع السياسة العامة التنموية للدولة، ومن ضمن التحديات التي يجب التعامل معها بكل جد واهتمام لمعالجتها والتخفيف من آثارها عدم وجود إطار تشريعي لعمليات تأسيس وتنظيم مؤسسات الوقف الصحي فهناك مسائل قانونية وإدارية متعلقة بتأسيس وتنظيم وإدارة المشروع مثل عدم وضوح الجهة الرسمية التي تصرح لإنشاء مؤسسة الوقف فهل هي وزارة الأوقاف أو الشئون الاجتماعية أم الصحة؟ وما هي حدود اختصاص كل من هذه الجهات في شأن الإشراف عليها. وسيواجه الوقف الصحي التحديات المالية فالمؤسسات الوقفية ستواجه بمسئوليات ضخمة من حيث الحجم والانتشار والنوعية التخصصية، وهناك التخوف من التغيير حيث يتوقع أن يلاقي المشروع بعض ردود الفعل الرافضة في المجتمع ومن مظاهر مقاومة التغيير التشويش على المشروع وأهدافه والمبادرين به والانفعال في رفض عملية التغيير والنقد اللاذع العنيف لما يأتي به المشروع وإطلاق التسميات المثيرة على ما كل ما يتعلق بالمشروع مع إظهار خيبة الأمل والإعراب عن فقدان الثقة فيه وفي القائمين عليه. وأمام هذا السلوك المتوقع لا بد من معالجة مقاومة المجتمع للمشروع وما سيأتي به من جديد، وذلك من خلال عدد من وسائل المعالجة أهمها بلورة رؤية واضحة عن المشروع والإعداد الجيد له والطرح المستمر للفكرة على جميع أوساط الرأي العام والتحلي بالمرونة وسعة الصدر في مواجهة المقاومين والإنصات إلى آراء الناس بعناية، والتعامل مع مشاعرهم وتوقع المفاجآت وقبول الإنجاز حتى ولو كان جزئيا. ولنجاح مشروع الوقف فإنه من الواجب التعامل المبكر لمعالجة التحديات المتوقعة خصوصا ما يتعلق بالإطار التشريعي لذلك فإن من المقومات المحورية القيام في مرحلة التأسيس بدراسة مستفيضة للتحديات الكبيرة التي تواجهه ووضع إطار تشريعي لعمليات تأسيس وتنظيم مثل هذه المؤسسات وذلك من خلال التعاون مع مختلف الجهات الرسمية المختصة الدينية والوقفية والصحية. والاهتمام بصحة التخطيط والبناء المؤسسي وتنظيم إدارة العمل في المؤسسة الوقفية على جانبيه المالي والاستثماري والجانب التشغيلي للخدمات وشبكة المرافق المؤسسات التي تقدم من خلال خدماتها للجمهور. واقترح د. الزميع أن تشمل الخطوات التمهيدية لإنشاء المشروع تنظيم ندوة يشارك فيها خبراء ومفكرون واختصاصيون ومسئولون لمناقشة فكرة المشروع وطرح الأفكار المتعلقة بكافة جوانبه التنفيذية، وتكليف أحد بيوت الخبرة بإجراء الدراسات اللازمة لإنشاء المشروع بمختلف مجالاتها التخصصية والقانونية والتنظيمية والإدارية والاقتصادية والمالية، وإيجاد الأداة القانونية المنشأة للمشروع وصندوقه الوقفي والتي تسمح ببداية عملية إيقاف الأموال والعقارات والمؤسسات الطبية التي تقرر الحكومة وغيرها من المؤسسات والأفراد إيقافها على المؤسسة وأغراضها. ويجب توفير هيكل مؤسسي لمكونات المشروع يضمن له تحقيق أغراضه والنجاح في تحقيق رسالته، وتتوافر في الأسس الهامة وهي وجود مجلس أعلى لإدارة المشروع يوفر المرجعية الاستراتيجية التي ينطلق منها العمل ويتخذ القرارات والسياسات العليا ويراقب تنفيذها من قبل أجهزة المشروع ومرافقه وإيجاد لجنة شرعية تابعة مباشرة للإدارة العليا للمشروع تقدم الاستشارات الشرعية في مجالات الاستثمار وأنشطة الخدمات التي يقدمها المشروع، وفصل إدارة الاستثمار عن باقي أجهزة المشروع وضمان استقلاليتها ودرجة الاحتراف التخصصي في بنيانها، وإيجاد إدارة لقطاع تقديم الخدمات الصحية في المشروع سواء أكان ذلك من خلال المستشفيات والمراكز والمرافق التابعة للمشروع أم عن طريق المؤسسات الأخرى في القطاع الخاص أو القطاع الأهلي والمرتبطة بالمشروع تحت نظام الامتياز. ويجب العمل على جذب المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني للمشاركة في إنجاح المشروع وذلك من خلال إعادة إحياء مفهوم دور الوقف في حياة المجتمع ودعوة جميع الأفراد والمؤسسات لوقف أموالهم ودعوة جميع الأفراد للتطوع بالعمل في المشروع. ولتعبئة الموارد المالية والبشرية وإعداد الكوادر القيادية المناسبة فإنه يجب تكوين المحفظة الوقفية للمشروع من أموال تقدمها الدولة وغيرها من المحسنين والترويج للمشروع لدى المتبرعين وتوفير كوادر قيادية وإدارة استثمارية ومالية محترفة وعالية الكفاءة لتحقيق أعلى معدلات الريع الممكنة منها وتكوين هيئة طبية وتمريضية وخدمية وإدارية متخصصة وعلى أعلى مستوى تستطيع أن تؤمن مستوى عالياً من الكفاءة لخدمات المشروع وفق معايير الجودة العالمية وفتح الباب للمتطوعين للمساهمة كل بحسب قدراته واختصاصاته ومهاراته في سد ما تحتاج إليه مرافق المشروع من خبرات وجهود بشرية. ومن المهم أيضا تكوين ثقافة داخلية عصرية تتمتع بالمرونة والبعد عن البيروقراطية وبناء علاقات متميزة مع الجهات الأخرى وبالأخص في القطاع الخاص والقدرة على التعامل مع الرأي العام وتمكين المؤسسات الأخرى من الانضمام للمشروع بنظام Franchise System نظام حق الامتياز والتي تتركز فكرته في وجود نظام تتعاقد بموجبه إدارة المشروع مع كل من المؤسسات الأهلية والجمعيات والمبرات الخيرية الراغبة في العمل تحت مظلتها وفق أنظمتهما في مختلف أنحاء المملكة. وهو ما يجعل هذه المؤسسات أكثر قدرة على إنجاز أهدافها من خلال المساهمة في تقديم الخدمات التي يرعاها المشروع والتمتع بكل الامتيازات والخدمات وألوان الدعم التي توفرها الدولة للمؤسسة.