وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مترو الرياض    إن لم تكن معي    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البلادتتابع جلسات المؤتمر الدولي الثالث للأوقاف بالمدينة المنورة
نشر في البلاد يوم 05 - 01 - 2010

المدينة المنورة - جازي الشريف - عبد الله القاضي ..
عبرت المشاركات في جلسات المؤتمر الدولي الثالث للاوقاف والذي تنظمه الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة بالتعاون والتنسيق مع وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد عن سرورهن بدعوة الجامعة للعنصر النسائي للمشاركة في تفعيل برامج وفعاليات المؤتمر،وأكدن ان الجامعة وفقت في اختيار المحاور والمكان وطالبن باحياء سنة الوقف عبر عدة وسائل هامة لتطوير اساليبه بما يكفل للمجتمع التراحم والتواد بين أفراده.
وفي هذا الجانب اوضحت الدكتورة سلوى بنت محمد المحمادي استاذ مشارك مساعد بكلية التربية للبينات الاقسام الادبية جامعة أم القرى ان الوقف من خصائص الاسلام ومميزات نظامه العام، وسمات حضارته الرائدة، وهو اعظم النظم الاجتماعية التي اثرت في عمران البلادالاسلامية، كما أنه من اعظم سبل الخير، وأقدمها وطرق البر، وانفعها، وأحد روافد الخير التي حث عليها الاسلام، لبناء المجتمع الانساني على اساس من الحب والعطف والتراحم تقربا الى الله وطلبا للأجر. ويعد الوقف في حقيقته صدقة تطوعية، يبتغى الانسان ثوابها، ويتسم باتساع مجالاته، والمقدرة على تطوير اساليبه بما يكفل للمجتمع التراحم والتواد بين أفراده على مر الاجيال.
وعلى وسائل الاعلام القيام بعمل حملات مكثفة للتوعية بأهيمة الوقف،وحث الاشخاص والهيئات للعمل على احياء سنة الوقف، فغالب الناس اليوم لايعرفون الا الوصية ولا يعرفون الوقف. والاوقاف في المملكة العربية السعودية تحظى باهتمام بالغ من قبل ولاة الأمر فيها حفظهم الله وايدهم فأنشئت وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد عام 1414ه ، التي تتولى شؤون الاوقاف وتنظيم اعمالها بعد ان كانت تلك المهام تابعة لوزارة الحج والاوقاف منذ انشاءها في 1381ه.
وإن تبنى الجامعة الإسلامية لإقامة مؤتمر الاوقاف الثالث في رحابها ماهو الا عودة به الى منبعه فمن طيبة الطيبة عرف الوقف وكان أول وقف.
مسجد قباء الذي اسسه النبي أو ما قدم الى المدينة، ثم المسجد النبي الذي بناه بعد ان استقر به المقام. وإنه ليسعدني ان أتشرف بالمشاركة في هذا المؤتمر في احد محاوره المطروحة للمناقشة، والذي تناولت من خلاله دور الوقف في تحقيق التكافل الاجتماعي، واستفدت ممن خلاله الكثير، واتمنى ان يؤتى هذا المؤتمر الاهداف المرجوة من انعقاده بإذن الله.
وقالت اساتذة العقيدة بمعهد اللغة العربية لغير الناطقين بها د. حياة بنت سعيد با أخضر أحمد الله تعالى ان يسر لي المشاركة في المؤتمر الذي تعرفت عليه عن طريق الصحف، ووفقني سبحانه للكتابة فيه من خلال تخصصي العقيدة ببحث "آثار تهميش الوقف على العقيدة" وهو موضوع لم يطرق بصورة مباشرة.
مشيرة أن تفعيل أهمية الوقف ونشر مكانته في الإسلام واجب على كل من له قدرة علمية ومادية ومجتمعية وذلك من خلال الكتابة المستمرة عن ذلك في كل وسيلة اعلامية متاحة وليس فقط اثناء مناسبة معينة أو موقف محدد اللقاءات والمحاضرات العملية في المؤسسات التعليمية البرامج الاعلامية المتميزة المؤتمرات والندوات ذات الاثر العلمي للتوصيات لنرى واقعا ملموسا وليس فقط مجرد توصيات على الورق وعرض المنجرات الاسلامية للوقف على مر العصور.
مضيفة ان مدينة انصار الحبيب وكذا مدينة ميلاده مكة كلاهما تمثلان للمسلمين محركا ايمانيا للعلم والعمل وكون الجامعة الاسلامية تقلدت عقد هذا المؤتمر يعني انها تمثل بعدا اسلاميا عالميا وهي هكذا في الواقع فهي قلعة العلم الاسلامي العالمي بما تضمه من مسلمي العالم اجمع فعقدها لهذه المؤتمرات يمثل اعلاما عالميا يتميز بالرحمة والقوة والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة بخلاف العولمة التي تمثل الذوبان القسري في الغير .. فهينئا للجامعة الاسلايمة إبداع انتاجها العملي الذي لا يخفى على الناظر فقد خطت خطوات قوية بارزة شملت الداخل والخارج.
فيما عبرت أ.د. وفاء بنت عبد الله بن سليمان المزروع تاريخ اندلس واوروبا بجامعة القرى عن مشاعر من الشرف غمرتها لمشاركتها في هذه الفعالية، وفي الرحاب الطاهرة بجواز المصطفى صلى الله عليه وسلم وشكرت الجامعة الاسلامية التي تبنت هذا المؤتمر الموسوم بالوقف الاسلامي " اقتصاد وإدارة وبناء حضارة" لتنهض بهدف جليل، إذ تعمل على تسليط الضوء على الانظمة الإسلامية، حيث ان نظام الوقف من أهمها، لما له من دور مؤثر في نهوض المؤسسات الاجتماعية بأعمالها، وقيام حضارة ذات مصادر تمويلية دائمة، تنظلق من الثوابت الإسلامية، وتراعي المتغيرات الحضارية، لتحقق التوازن المنشود بين ادارة الوقف وما يتبناه من خير ونفع عام ، وبين ما يواجهه من مشكلات،مؤكدة ان انعقاد مؤتمر الاوقاف في الرحاب التي قام بها اول وقف في الحضارة الاسلامية لهو دلالة اتجاه حثيث نحو تفعيل دور الاوقاف واحياء اثرها في جميع مجالات التنمية والدعم الاجتماعي ولعلي كمشاركة اقف شاكرة للجامعة الاسلامية التي نتشرف بقبولها لنا نحن ونخبة المشاركات من العنصر النسائي داعية الله ان يحقق هذا المؤتمر العالمي رسالته، فيبث المبادرات الوقفية في كل ارجاء العالم الاسلامي ويقدم من خلالها دعائم تنموية وحضارية دائمة".
من جهة أخرى أكدت الاستاذ المساعد بكلية الشريعة بجامعة ام القرى الدكتورة ابتسام بنت بالقسام عياض القرني . ان الوقف باب عظيم من ابواب العمل الصالح الذي يضمن لصاحبه رصيدا جاريا من الحسنات لا ينقطع بعد مفارقته الدنيا، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ذا مات ابن آدم انقطع عمله إلى من ثلاثة: إلى من صدقةٍ جاريةٍ ، أو علم ينتفع به ، او ولدٍ صالح يدعو له"وتقديم الوقف في الحديث على غيره لهو دلالته في التنبيه على اهميته وضمان استمرار ثوابه، وهو افضل ما يستثمر فيه العبد امواله فهو تجارة رابحة لاتبور وصدقة مستمرة لاتنفذ، وكم من ميت مازالت حسناته حية من بعده، بل إن بعض الناس يحصد من الحسنات بعد موته اضعاف ما ادركه في حياته، لأن نفع وقفه الذي قدمه في حياته يستمر من بعده سنين طويلة، وكلما عمت مساحة الانتفاع زاد الأجر وعظم الثواب.
مشيرة ان الوقف مؤسسة اقتصادية خيرية مهمة، ومورد تمويل متجدد لعب دورا رائعا في بناء حضارتنا الاسلامية، اذ مول الكثير من المؤسسات والمرافق العامة الدينية والصحية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية، وقد ادرك المسلمون هذا الاثر الفاعل للوقف في تنمية المجتمع فضربوا أمثلة رائعة في التناقس والتسابق في ميادين الوقف ابتغاء ثواب الله روضوانه حتى روي انه : " لم يكن أحد من الصحابة ذو مقدرة إلا حبس"، فكان من ثمار ذلك التنافس المحمود في مجالات الوقف هذه الحضارة الرائدة التي تعتبر شاهدا على أهمية الوقف في عمارة الارض.
وساهم الوقف الاسلامي عبر العصور في اشباع حاجات بل و كماليات المجتمع المختلفة، فظهرت انواع مبتكرة متعددة من الاحباس المالية والعينية التي اوقفت على وجوه الخير والبر المختلفة مثل: التعليم، ونشرة الدعوة الى الله، والعلاج، والبنية الاساسية كالوقف على انشاء الطرق والجسور والمياه، ومساعدة الفقراء، ومؤازرة المحتاجين ، وإغاثة الملهوفين ، وفوقفوا على توزيع الخبز المجاني و الحليب، وعلى اكفان الموتى، وجهاز الابكار اليتيمات والفقيرات ، وعلى الحرم المكي والمدني ، وعلى الجامعات والمعاهد العلمية والمدارس وكفالة الطلاب والاساتذة والمكتبات العامة، وعلى المستشفيات والمدن والاحياء الصحية والمعاهد الطبية ومراكز الاطباء وعلى البحث العلمي المرتبط بالمجالات الطبية كالكيمياء والصيدلة والحجر الصحي ، بل وصلت مظلة الوقف الى وقف الاواني المكسورة " في حال كسر الخادم أو الطفل احد الاواني، فيستبدل الآنية المكسورة بآنية جديدة حتى لا يتعرض للتوبيخ أو الضرب أو الطرد في العمل" ورعاية الطيور والحيوانات والاشجار ، وغيرها مما يزخر به تاريخنا الاسلامي المشرق.
مضيفة القرني ان هذا الماضي المشرق يبرز لنا الحاضر المؤلم والذي ظهر فيه تعطل المؤسسة الوقفية عن الكثير من عطائها، فقد اثبتت بعض الدراسات ان الوقف تراجع عن اداء دوره الحضاري، وان الكفاءة الانتاجية للوقف أو المحافظة عليه لم تتحسن،بسبب احجام الشرائح الغنية في المجتمع عن الاسهام في الاوقف التي صب في تنمية المجتمع اعتمادا على دور الدولة في ذلك، فهجرت أو تضاءلت تلك السنة الحميدة " الوقف" ،على الرغم من ان الوقف يعتبر مصدر قوة لكل من المجتمع والدولة ، للمجتمع بما يوفره للمجتمع من قوة مالية متجددة تدعم الاقتصاد الوطني ومؤسسات تلبي حاجاته المختلفة ومصدر قوة للدولة بما يخفف عنها من أعباء القيام بأداء تلك الخدمات مما يعينها على القيام بوظائفها الاساسية من حفظ الأمن وإقامة الحدود وغيرها، فالوقف صيغة مهمة لايجاد التكامل بين الرعاية الحكومية والمبادرة التطوعية، واداة لتوثيق العلاقة بين المجتمع والدولة واذكاء روح التكافل في المجتمع حيث تتضافر جهود الافراد مع الدولة، وهو يمثل بذلك القطاع الاقتصادي الثالث في المجتمع ويقف شامخا مع القطاع الخاص والقطاع الحكومي يساندهما في دفع مسيرة تقدم المجتمعات لذا يجب ان تكون هناك حركة تجديدية لدور الوقف الاسلامي ليعود مؤسسة.
وعن دور الجامعة في استضافتها للمؤتمر قالت القرني إن للجامعة الاسلامية بالمدينة دور متميز في استضافة فعاليات المؤتمر الدولي الثالث للاوقاف تحت عنوان " الوقف الاسلامي اقتصاد ، وادارة ، وبناء حضارة" وتنظيمه بالتهاون والتنسيق مع وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد امتداداً لدور الجامعة الاسلامية في نشر العلم الشرعي المؤصل المبنى على هدي الكتاب والسنة وفق منهج السلف الصالح - رحمهم الله -، واسجل هنا كلمة شكر صادقة للجامعة الاسلامية على جهودهم المتواصلة وادائهم المتميز من حيث الاعداد والتنظيم والاستخدام الامثل للتنقية الحديثة في التواصل والاعداد والتنسيق بكفاءات وطنية مخلصة بل كان موظفو الجامعة يتواصلون مع الباحثين حتى في اوقات الاجازة الرسيمة والشكر موصول للجان العاملة في المؤتمر على مابذلوه من جهد ووقت، كما أثمن جهود معالي مدير الجامعة الاسلامية ورئيس اللجنتين التحضيرية والعلمية أ.د. محمد بن علي العقلا - حفظه الله - ، في رعاية هذا المؤتمر، واسأل الله ان يبارك في جهودهم ويسدد خطاهم لما يحب ويرضى.
كما أشكر وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد التي عنيت بالوقف وعقدت له المؤتمرات والندوات ، لاثراء قضاياه وبرامجه وعلى دعمها هذا المؤتمر الوقفي الثالث.
مشيرة القرني ان اختيار المدينة المنورة وجامعتها العريقة حاضنة لهذا المؤتمر اختيارا موفقا للغاية، فبذور الوقف الاولى في المجتمع الاسلامي احتضنته المدينة المنورة التي درج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة وابناء المهاجرين والانصار، وفي المدينة كان تأسيس قواعد الوقف وارساء اسسه.
واختيار المدينة المنورة حاضنة لهذا المؤتمر يثير في النفس الذكريات والنماذج والمآثر التاريخية الحية للوقف واظن أن بعضها مازال شاهدا على هذه السنة النبوية العظيمة.
فالمدينة المنورة شهدت اول الاوقاف في العهد الاسلامي كما نص على ذلك ابن كثير - وهي أموال مخيريق- وكانت سبعة بساتين جعلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم - اوقافا بالمدينة مستقلة يساهم في المشروعات الوقفية التي تعالج المرض والفقر والبطالة والجهل وغيرها من المشاكل التي تعيق تنمية الامة.
ولكي يعود الوقف الى دوره الفاعل في تنمية المجتمع لابد أولا من الاهتمام العلمي به ومن ثم استنهاض الهمم لتفعيله واقعا معاشا، وهذا ما صنعه علماؤنا عبر التاريخ فبذل الفقهاء جهودا عظيمة في تأصيل نظام الوقف وتأسيس استقلاليته في صورة مؤسسة مستقلة ذات شخصية اعتبارية بما يكفل للوقف الاستقرار والاستمرار وحفظ حرمته من الضياع أو السلب، ولتسهيل عملية استثمار اموال الاوقاف وتنميتها،وتعظيم عوائدها، وامتدادا لهذه الجهود جاءت عناية المؤسسات العلمية المعاصرة وعلى رأسها الجامعة الاسلامية الرائدة بالمدينة المنورة وعناية وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد للارتقاء بدور الوقف الحضاري ليعود الى سابق عهود ازدهاره، ومع انتشار الوعي مؤخرا بأهمية الوقف بزغت بعض النماذج الوقفية المشرقة كما هو الشأن في الكراسي العلمية المدعومة وبعض القاعات العلمية في بعض الجامعات كان ذلك ثمرة من ثمار المؤتمرات والندوات الوقفية ومنها هذا المؤتمر الوقفي الثالث.
كان الوقف في السابق يركز على وقوف العقارات من الدور وغيرها لانها هي الثروة المهمة في حياتهم ،اما الثروة المهمة اليوم في حياة الناس فلا تتمثل في الاراضي الزراعية والعقارات من مساكن ونحوها فقط، بل اصبحت اليوم تظهر في صورة الارصدة والودائع النقدية ووسائل النقل المختلفة، والشركات والمؤسسات ، والاسهم السندات وبعض المهن وغيرها، فكيف يمكن اخراج صيغ وقفية شرعية حديثة تستوعب هذه الانماط من الثروات المتعددة وبما يخدم النفع والصالح العام ويحقق التنمية للمجتمعات المسلمة؟
سواء من حيث ما يوقف : فمثلا لا يقتصر على وقف الاعيان ولمنقولات بل تتسع الدائرة لتشمل وقف منافع الاعيان ، ووقف منافع المنقولات ، ووقف النقود ، ووقف الملكية الفكرية وبراءات الاختراع، ووقف الاعلام والنشر ، ووقف الخبرات والمهن والحرف. ويتسع نطاق الوقف ليشمل الوقف الدائم والوقف المؤقت والوقف الفردي والوقف الجماعي والمؤسسي.
أو من حيث المجالات الموقوف عليها: لتشمل المجالات التعليمية والدينية والبيئية والامنية و التكنولوجية والصحية والبحثية ووقف الاقمار الصناعية والمتعددة الاغراض والتي تخدم الدين وتنتفع بها الامة والاجيال وغيرها من المجالات ، او دمج الاوقاف الخيرية والعامة الصغيرة التي تتحد في جهة المصرف او الجهة المنفق عليها.
كما ينبغي العمل على التاصيل الشرعي لمناشط الوقف في جميع المجالات، ووضع الخطط والسياسات الشرعية والادارية والتنظيمية للمشاريع الوقفية التي تراعي فيها حاجات الامة باستقطاب خبراء في الشريعة والاقتصاد والاجتماع والتخطيط والادارة لابتكار صيغ وقفية جديدة مبنية على اسس علمية تستمر آثارها عقودا طويلة، ثم تقديم وعرض هذه المشاريع الوقفية المدروسة للاثرياء والموسورين ، وهذا يحتاج مراكز علمية تستند في دراساتها على الرصد الاحصائي والمسح الميداني لاحتياجات المجتمع والدراسات الاستشرافية للمستقبل ، وكما تحتاج الى وسائل اعلام داعمة تقوم بتسويق هذه المشاريع من خلال برامج وحملات اعلانية لتشجيع التنافس بين اهل الخير وصناع المعروف في المساهمة في هذه المشاريع.
وعلى وسائل الاعلام مسؤولية عظيمة في نشر ثقافة الوقف واهميته واحكامه باستضافة واستكتاب العلماء الراسخين.
كما على الجامعات مسؤولية عظيمة في تقديم مادة الوقف غضة طرية لطلابها لتأصيل هذه السنة العظيمة في نفوسهم بوضعها ضمن مفردات مقرر الثقافة الاسلامية والذي يدرس كمتطلب جامعي لجميع طلاب الجامعات.
وتوسيع الجمعيات والجهات والمؤسسات التي تتبنى الوقف، واقامة مناشط وبرامج وحملات تعريفية بالوقف وفضله في المدارس والجامعات والمخيمات الصيفية، واقامة معرض بعنوان :" كن واقفا" على غرار معرض "كن داعياً" المعروف، أو مصاحباً له.
كما شهدت المدينة وقف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين اصاب أرضا بخيبر فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأمره فيها فقال : " يا رسول الله إني اصبت ارضا بخيبر لم اصب مالا فقط هو انفس عندي منه فما تأمرني به؟" قال : " إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها"قال : فتصدق بها عمر أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولايورث ولايوهب، قال : فتصدق عمر في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وبن السبيل والضيف لاجناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقا غير متمول فيه".
كما شهدت المدينة وقف عثمان - رضي الله عنه - لبئر رومة ، وغيرها الكثير من اوقاف الصحابة - ضروان الله عليهم -.
فاجتمع عبق المكان " مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم" مع عبق البر والخير "الوقف"، مع ماحظي به المؤتمر من اهتمام ولاة أمر البلاد - وفقهم الله -، لما لهم منا الاهتمام البالغ بتفعيل دور الوقف واستعادة منزلته الرفيعة في مهبط الوحي أرض الحرمين الشريفين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.