أعرف أن الكثير منَا لم يقرأ هذه المجلة، أو يقرأ عنها، لأنها باختصار لا تخاطبه، وإنما صنعها المتطرفون، بلغة أخرى، لمخاطبة شعوب غيرنا، ليوهموهم بثقافتهم. "دابق"، مجلة يصدرها التنظيم المتطرف "داعش" باللغة الإنجليزية، يحاول من خلالها الوصول للمتلقي الغربي، ويكتبها بطريقة احترافية، وهي الامتداد للعمل الإعلامي المنظم للتنظيم، والتي قالت عنها "وكالة الأنباء الفرنسية" - لشدة إتقانها - انها تعتبر Inflight Magazine، أي كمجلات الطائرات، التي توزع مجاناً، وتكتب بلغة جاذبة، معتمدة على لغة الصورة بشكل كبير، ومخاطبة الرجل الغربي بطريقة حضارية أحياناً، ولغة العنف في أحايين أخرى. تم اختيار اسم "دابق" نسبة إلى معركة "مرج دابق"، التي قادها السلطان العثماني سليم الأول ضد المماليك قرب حلب، ومهدت لامتداد سيطرة العثمانيين في بلاد الشام ومصر.. وبنظرة تحليلية لبعض ما جاء في أحد أعدادها وجدنا الآتي: بلغة إنجليزية، تعبر عن حرفية من كتبها، المقدمة تتحدث عن القضية الفلسطينية، مدعمة بصورة من القدس، وهنا تحديداً يجب على القارئ أن يكون حذراً عند سماع مفهوم ك"القضية الفلسطينية"، لأنها ليست القضية التي يعرفها العرب عبر عقود، بنكهة قومية، بل إنها قضية مسوقة بطريقة "داعشية"، مصحوبة بأقوال من الأب المؤسس ل"داعش" أبو مصعب الزرقاوي، مع سرد لبعض الأحاديث والآيات بلغة متطرفة! السؤال هنا، لماذا التركيز على القضية الفلسطينية؟ ولمَ يستهدفون المتلقي الغربي؟ إن "دابق" لم تكتب للقارئ الغربي المعتاد، ولا لأصحاب الخبرة من المنظمين لتلك التنظيمات؛ وإنما تفتش عن المواطنين المتضررين، والذين يعيشون في أحياء فقيرة في المدن الأوروبية والأمريكية، وكذلك أولئك الذين وجدوا في اعتناقهم للأيدولوجية المتطرفة مخرجاً لحياتهم، إما لأسباب مادية أو معنوية.. "دابق" – أيضاً - تخاطب المحاربين السابقين الذين شاركوا في شتي الصراعات، في كل من أفغانستان والبوسنة إلى الشيشان والجزائر. كما أن اللغة، في الوقت نفسه، تستهدف شبان الأقليات والجاليات التي تعاني من العنصرية، وتحتل النسب الكبيرة من البطالة! في ذات العدد، نلحظ إغراقاً كبيراً لمعظم مساحات المجلة بصور من الغنائم التي استولى عليها التنظيم من الجيش العراقي والسوري، والتي من خلالها يحاولون تضخيم الرسالة لقراء "دابق"، وإيهامهم بأن "داعش" دولة قوية، وليس هناك من عدو يستطيع إيقاف توسعها وزحفها، حتى بالآلات الحديثة، بعد أن أصبحت ك"دولة"حقيقية. الصور المرعبة لقتلي من الجنود العراقيين، والتي ترافق صور الغنائم بالمجلة، هي أيضاً "تكتيكات" يستخدمها "داعش" مبكراً، منذ أن كان يسمي تنظيمه "التوحيد والجهاد"، تحت قيادة الزرقاوي في 2004. لا تستغرب عندما تجد صوراً لبناء جسور، ورجالاً يزرعون، وأطباء يداوون، وغيرها، وجميعها تحت راية "داعش السوداء". لأنها تحاول أن تستجيب لأبي بكر ناجي، في كتابه "إدارة التوحش Management of Savagery"، عندما قال إن الجهاديين يخلقون الفوضي من أجل التخلص من الحكام؛ ولكن عندما يسقط الحكام على الجهاديين أن يسيطروا عليها ويظهروا أنفسهم كبديل جاهز للحكومات السابقة، من خلال توفيرهم للأمان لكل السكان المحللين، والخدمات، و"المدارس الشرعية" لتعليمهم الدين الصحيح. حيث تمثل هذه العملية الفهم المشوه من نظرية التحكم في الفوضي التي تخلق بعد الثورات في العلوم السياسية. ..ليس ذلك وحسب، وللحديث زوايا أخرى! والسلام.