عاد الخليفة. بشّرنا تنظيم "داعش" بذلك في مجلّته الجديدة. وأصبحت "دولة الخلافة الإسلامية" أمراً واقعاً ومفروضاً. إذ أصبح لها خريطة وحدود وخليفة وإصدارات صحافيّة، اليكم التفاصيل عبر "العربي الجديد" اللندنية: أصدر "داعش" العدد الأول من مجلة "دابق" (DABIQ) مطلع الشهر الحالي، باللغات الإنكليزية والفرنسية والهولندية والروسية، بحسب حسابات التنظيم على وسائل التواصل الاجتماعي، معتمدة التقويم الهجري في صفحاتها. فالعدد الأول هو عن شهر رمضان من العام 1435. يعود الاسم إلى منطقة "دابق" في حلب، شمالي سورية. ويشرح "داعش" سبب اعتماد الاسم في المجلة، إذ إنّها "منطقة حصول الملاحم". والمعروف أنّ "دابق" هي منطقة حصول "معركة مرج دابق"، التي انتصر فيها العثمانيون بقيادة السلطان سليم الأول على المماليك في 18 آب/أغسطس من العام 1516. وقد أدت المعركة إلى سيطرة العثمانيين لأربعة قرون على المنطقة، تحت عنوان "الخلافة الإسلامية". تتبع "داعش" نهج العثمانيين إذاً، وكأنّ كل الأمر حلقة من مسلسل "حريم السلطان" الذي يُصوّر الدولة العثمانية على أنها دولة العدالة والأمان. تتألف "دابق" من 50 صفحة، وينتجها "مركز الحياة الإعلامي"، التابع للتنظيم. استعمل "داعش" خريطة "دولة الخلافة"، أي المناطق التي تقع تحت سيطرة التنظيم في سورية والعراق، كخلفية لصفحة الغلاف. معيار "البساطة" في التصميم واضح: ألوان مريحة، اسم المجلة ثم رقم وعنوان العدد، وثلاثة عناوين فرعية. اختار التنظيم تصميماً وعناوين أشبه بالتمهيد لفيلم سينمائي ضخم. كذلك اختار التنظيم عنوان "عودة الخلافة" للعدد الأول. وحملت موادّ العدد ترجمةً للعنوان، فبعد التمهيد، نُشر موضوع عن "إعلان الخلافة"، وتقارير وأخبار من "دولة الخلافة"، و"دولة الخلافة في كلمات الأعداء"، وقصة من الهجرة الى الخلافة. وتضمّنت المجلة مواضيع عن الجهاد والجماعة والهجرة والمنهج. ويأتي نشر المجلة بلغات اكاديمية أجنبيّة ليطرح علامات استفهام حول الجمهور الذي تتوجه له، فعلى ما يبدو فإن القراء المستهدفين هم الغربيون أكثر من العرب. إضافة إلى ذلك، استعمل التنظيم عبارات "الخلافة، الولاية، السمع، الطاعة، ملّة"، وغيرها من العبارات "الإسلامية" مع ذكر المعنى باللغة الإنكليزية. وذلك في وقت نشرت فيه حسابات على وسائل التواصل أنباءً عن اعتزام التنظيم إصدار صحيفة ورقية باللغتين العربية والإنكليزية بعنوان "الخلافة 2". استعمل المصمّمون الصور بطريقة ذكية. إذ أنها تُظهر "مواطني الدولة" سعداء بإعلان الخلافة. وابتعد التنظيم هذه المرة عن نشر صور تُظهر جنوداً تابعين له يُعدمون مواطنين. لكنّ هذا لم يمنعه من اللجوء إلى صور جثث أطفال وراشدين، مع فارق أن من قتل هؤلاء هو "نظام الرافضين في العراق"، و"النظام النُصيري السوري". تناولت الصحافة العالميّة موضوع إطلاق المجلة. واعتبرت "وكالة الصحافة الفرنسية" أن "دابق" تُشبه إلى حدّ كبير مجلة "إنسباير" (Inspire) التي أطلقها تنظيم "القاعدة" في السابق. ونقلت الوكالة عن مدير "مركز الدراسات حول التشدد في لندن"، بيتر نومن، قوله إن "الهدف من المجلة ليس تعبئة الشباب المسلم في الدول الغربية على القيام بهجمات بل حثّهم على الذهاب الى سورية". واعتبر نومن أن "رجلاً غربياً قام بالتصميم"، مستنداً إلى استعمال صورة لقطيع من الخراف وفي مقدّمتهم كلب، في تقرير عن الإمامة. وقال نومن: "يُعتبر الكلب نجساً لدى الإسلام وفي كثير من الدول العربية". ورأى المدير السابق لمكافحة الإرهاب في بريطانيا، ريتشارد باريت، أنّ "دابق" تهدف قبل كل شيء إلى إظهار "داعش" على أنه تنظيم حقيقي ومصدر ثقة. ورجّح باريت أن تلقى "دابق" نجاحاً كبيراً. على وسائل التواصل الاجتماعي، لم يكن التفاعل حول "دابق" كبيراً، بل اقتصر على عدد من الأشخاص أغلبهم من الأجانب. وقام موقع "تويتر" بإقفال حساب "مركز الحياة الإعلامي" على الموقع بعد حملة تبليغات عنه. "داعش تنتصر" هكذا عنونت صحيفة "فورين بوليسي" الأميركية في مقال تتحدث فيه عن استعمال التنظيم لوسائل التواصل الاجتماعي، وتفوّقه في اللعبة الإعلامية حتى على الحكومة الأميركية. "داعش" تعرف قواعد اللعبة جيداً إذاً. تقوم بكل ما يُمكن لتُسيطر على المشهد، والفضاء الإلكتروني أفضل وسيلة لذلك. تُرسل لنا "داعش" صوراً لمجازر تقوم بها، وتُخبرنا عن سعادة "مواطني الدولة". تُصدر مجلة بتقنية وجودة عالية، وتُعلن أنها بصدد إصدار صحيفة ورقية. تُخبرنا بكل هذا أنها "مسيطرة". المشهد على الأرض مختلف بعض الشيء، لكن "داعش" تربح، إعلامياً.