بعد شهر على «صدمة» سقوط الموصل بيد «داعش» وما تلاها من توسع على مستوى رقعة سيطرته العسكرية، لا يزال التنظيم المتشدد يفاجئ العالم بجاهزيته وعلى اكثر من صعيد. آخر الانجازات إعلامي ويحمل اسم «دابق»: مجلة دورية تصدر باللغتين الإنكليزية والعربية وبنسختين ورقية والكترونية، تسعى وبشكل أساسي لتجنيد مقاتلين من العالم الغربي في شكل خاص. «دابق» التي استمدت اسمها من منطقة دابق في ريف حلب والتي بحسب تعريف المجلة ذكرت في حديث منقول عن ابي هريرة بكونها ستشهد احد المعارك «الملحمية» بين المسلمين و»الصليبينط لا تقل إبهاراً عن داعش نفسها. تبدو «دابق» وكأنها في موقع المنافسة مع كبريات المؤسسات العالمية. غلافها الخارجي الذي لا يخلو من ابعاد «هوليوودية» يصلح لأن يعتمد كغلاف لعدد خاص حول «عودة الخلافة» من قبل مجلة تايم او فورن بوليسي. تبويب المواضيع، في الظاهر ومن حيث العناوين على الأقل يبدو مهنياً وايضاً مستوحياً النماذج الغربية. فالمجلة تعد ب «تقارير» اخبارية وتحقيقات مطولة (فيتشر) وأخرى تاريخية وتحليلية فضلاً عن الأخبار السريعة من إرجاء «الدولة». في صفحاتها الأولى صورة لمقاتلين لا نرى وجوههم يقفون في مواجهة النيران ويذكرون بجنود المارينز أكثر مما يذكرون بمقاتلي «داعش». وتعلن المجلة عن خطتها بالتركيز على مواضيع «التوحيد، والمنهج، والهجرة والجهاد والجماعة». اخراج الصفحات، من حيث الخط وتوزيع المواضيع، والألوان والصور، يمتد على صفحاتها الخمسين وهو من دون شك، عالي الجودة ويتجاوز من حيث الشكل كل ما قدمه اعلام المعارضة السورية، بشقيه الرسمي (ائتلاف ومجلس وطني، ومجلس عسكري) والمدني (ناشطين). فعلى مدى السنتين الماضيتن صدرت عشرات المنشورات من مجلات وصحف ومواقع الكترونية اخبارية تابعة للمعارضة بتمويل دولي ولكن اي منها لا ينافس مجلة «داعش» من حيث الشكل على الأقل. اما في المضمون، فعلى رغم مما تحمله «دابق» من مؤشرات مهمة حول طبيعة التنظيم واولوياته، الا انها لا تقدم اي عمل يمت للصحافة بصلة. فأغلب المواد وعلى رغم تقديمها بألوان واطر تخاطب بشكل خاص شريحة الشباب الباحث عن «الجهاد» اينما وجد، وهي تشبه بذلك ما نجده على مئات الصفحات «الجهادية» المنتشرة على الانترنت. فضلاً عن التشويق الواضح، تعتمد «دابق» مخاطبة الغرائز من جهة والنزعات «الثورية» من جهة اخرى. فاختيار الصور العنيفة لمقاتلين سنة وشيعة قتلوا، عنونت ب «سني قتل على يد الصفويين» و «رافضي قتله السنة». يقابلها معلومات وصور عن «السعادة التي عمت شوارع الأمة عند اعلان الخلافة»، ومقاطع من خطبة «امير المؤمنين» التي يتحدث فيها عن الأمة التي جمعت «العرب وغير العرب، الأبيض والأسود». عنف بعض الصور يقابله ايضاً، مواد بصرية هادئة تكاد تكون شاعرية، تتحدث «عن القيم التي تسعى الخلافة الى تحقيقها ومن ضمنها اعادة توزيع الثروات». صدور المجلة بلغات مختلفة وبنسخة ورقية تم توزيعها بمناطق نفوذ «داعش» في سورية، دليل على الامكانات الهائلة التي يتمتع بها التنظيم، وعلى اهمية واستراتيجية الحرب الإعلامية التي يقودها. ف «دابق»، ليست المنتج الوحيد الصادر عن «الحياة ميديا سنتر»، وهي الجناح الإعلامي ل «الدولة»، ولن تكون الأخيرة. فالتقرير الأسبوعي الذي لا يقل جودة تقنية عن «دابق» صار في عدده الرابع، فيما أعلنت المجلة عن مشروع اطلاق شقيقة لها، شهرية، تحمل عنوان خلافة وتتخصص بنشر «فكر» الخلافة. المعركة الإعلامية لن تنتهي عند هذه الحدود، فحضور داعش على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي اكثر من ساحق، وهي واحدة من اكثر المجموعات انتشاراً وتوسعاً بحسب تحقيق مطول نشرته مجلة اتلانتيك الأميركية. المعركة لا تنتهي عند هذا الحد، فعلى الأنترنت ايضاً بيع لبضائع ترويجية من قبعات، و «تي شيرت» وحتى العاب تأتي مع ملصقات مجانية للأصغر سناً. الانطباع الذي يُخلفه فيك تقليب صفحات «دابق» يتمثل في شعورك بأن «داعش» جاهزة لمهمات تتعدى الموصل والرقة. * صحافية في تلفزيون العربية