كتبنا كثيراً، وطالبنا مراراً، بأهمية توحيد الرؤى والاتفاق على خطط واستراتيجيات تحدد توجهاتنا وتطلعاتنا المستقبلية فيما يتعلق بأمورنا الاقتصادية والتنموية. انتقدنا كثيراً التشتت الحاصل، حيث تتنازع شؤوننا الاقتصادية، وبرامجنا التنموية أكثر من جهة، والنتيجة تعثر في المشروعات، وتعطل في الخطط، وإحباط للمسؤول، وخيبة أمل واحتجاج واعتراض من المواطن، استشهدنا في ذلك كثيراً بتجارب الدول التي سبقتنا في مساراتها التنموية وقيامها بإنشاء مجالس موحدة تشرف وتتابع مثل هذه الأمور. يبدو أننا في الطريق لتحقيق طموحات الكثير من المهتمين والمختصين الذين نادوا وينادون بهذا التوجه، حينما صدر الأمر الكريم بإنشاء مجلسين أحدهما يعنى بالشؤون الاقتصادية والتنموية والثاني بالشؤون السياسية والأمنية بعد أن تم إلغاء العديد من المجالس والهيئات التي كانت تتقاسم الكثير من الأعمال والاختصاصات. الأجمل بعد صدور ذلك الأمر، هو ما صدر من مجلس الوزراء في اجتماعه يوم الاثنين الماضي حول تنظيم هذين المجلسين، حيث جاء في ما يتعلق بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، قيام المجلس بتحديد التوجهات والرؤى والأهداف ذات الصلة بالشؤون الاقتصادية والتنمية ومراجعة الاستراتيجيات والخطط الاقتصادية والتنموية اللازمة لذلك ومتابعة تنفيذها والتنسيق بينها. والأهم أن المجلس أيضا أقرّ أن ينشأ للمجلس سكرتارية (أو أكثر) تابعة للأمانة العامة لمجلس الوزراء تضم عدداً من المستشارين والمتخصصين في المجالات الداخلة في اختصاصاته، وينشأ لكل مجلس "مكتب لإدارة المشروعات" يكون مقره الأمانة العامة لمجلس الوزراء وتكون مهمته التحقق من التزام الجهات المعنية بتنفيذ الاستراتيجيات والخطط والأوامر والقرارات والأهداف والرؤى ذات الصلة باختصاصات المجلس، ومتابعة المشروعات التي تباشر تلك الجهات تنفيذها. يعني أنه سيصبح لدينا رؤى موحدة واستراتيجيات واضحة، تتفق عليها كل الجهات الممثلة في المجلس والمهتمة بشؤوننا الاقتصادية والتنموية، ولن يتوقف الأمر هنا، حيث سيكون هناك إدارات مختصة ومكاتب لإدارات المشروعات والبرامج ومتابعة تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه. التحدي الذي يواجه مثل هذه القرارات هو القدرة على تطبيقها على أرض الواقع، إذ هي قرارات رائعة من الناحية النظرية لكن الأهم القدرة على إيجاد البنية الإدارية داخل أمانة مجلس الوزراء، من حيث الهياكل والموظفين، القادرة على القيام بمتطلبات تنفيذ هذه الطموحات الكبيرة، بحيث تكون أمانة ذلك المجلس هي المحرك لكافة الجهات الحكومية ذات العلاقة بعمل المجلس متابعة ومساءلة، دون الاكتفاء فقط والانتظار لتنفيذ ما يردها من تلك الأجهزة.