النظام السياسي البريطاني يعد من أعرق وأقوى الديموقراطيات بالعالم، ولا تزال الدولة لاعباً سياسياً في الأزمات العالمية ومنطقتنا بالذات، حتى ان الخطوات التي تقدم عليها أمريكا غالباً ما يكون للندن حضور ثابت في استشارتها باعتبارها مصدراً هاماً للتاريخ السياسي العالمي؛ سلامه وحروبه وتناقضاته، ومعنا في المملكة شكلت صداقتنا معها إرثاً طويلاً لا تتطابق فيه الأفكار، ولكنها لا تتحارب أو تسمح بسحب السفراء أو القطيعة حتى في أصعب الأمور.. الأيام الماضية طرح في البرلمان البريطاني (مجلس العموم) انتقادات للمملكة وتساؤلات لماذا ينكس العلم في «وايتهول» حداداً على الملك عبدالله، وفيما يشبه المحاكمة لرئيس الوزراء «ديفيد كمرون» الذي رد بأن معلومات استخبارية وردت من المملكة العربية السعودية، أنقذت المئات في بريطانيا، ونحن لا نربط هذه الحوارات بما يناقضها، فهي دولة مؤسسات تطرح الآراء بحرية تامة حتى ما يخص الشأن الداخلي، والسعودية لم تطلب أن ينكس العلم أو يعلن الحزن حين جاء بمبادرة من الحكومة البريطانية، لكنها إشارة لتطابق المصالح، وليس بالضرورة توافق السياسات.. فالمملكة لها نظامها ونهجها وليس من المنطق تطبيق فلسفة الحكم في بريطنيا على السعودية لاختلافات في طبيعة المجتمع ومكوناته ومعتقداته تماماً كما هي علاقات دول تشابه النظام البريطاني ببلدان مثل الصين ودول أخرى لا تأخذ بنفس فلسفة الحكم والأنظمة في أوروبا، ومع ذلك نجد أن جملة غايات تجدد تلك العلاقات، وحتى في أوروبا نفسها لا نجد أن تلك الأنظمة نسخة واحدة، أو يوجد تجانس بين شعوبها، رغم وحدتها وبرلمانها.. قد لا يكون مهماً ما طرح في البرلمان البريطاني لولا أنه حدث في مناسبة انتقال ملك إلى جوار ربه كان نموذجاً للرجل الحازم والصادق في سياسة بلده، ليخلفه آخر آخذ بنفس الأهداف لبلده وتميز علاقاتها الدولية بالواقعية حتى لو تعارضت الأفكار، ولذلك فحاجة البلدين لتخطي هوامش المواقف للتركيز على الاستراتيجيات طويلة المدى، هدف التقت عليه معظم السياسات في التعاون في ضبط إيقاع الأوضاع الساخنة في المنطقة والبحث عن استقرارها، وأيضاً مكافحة الإرهاب الذي أثمر في أكثر من موقف فائدته للبلدين والعالم أجمع، إضافة إلى أن الحجم التجاري والاقتصادي والاستفادة من كفاءتها العلمية والثقافية والعسكرية وغيرها، رسخت مبدأ المشاركة كحاجة أساسية للبلدين، ولا نظن أن علاقات دامت لما يصل لسبعين عاماً مضت يمكن أن تقف، أو تتدهور لمجرد خلاف بالأفكار والسلوكيات، بل إن بريطانيا محسودة في هذا التميز بواقعيتها واستطاعتها المحافظة على أصدقائها.. بعيداً عن المبالغة بالتوصيف أو الارتهان إلى مصادر القوة لكل بلد وحاجته للآخر، فالأدوار الإيجابية تصنع وقت الأزمات وغيرها، إذا كانت المصارحة هي الأساس نعدّ تعاملنا بحس المسؤولية ولا نزال طالما توجد أسس لهذه المصالح.. بريطانيا عاصرت وعملت مع المملكة منذ تأسيسها وإلى اليوم، وكأي روابط تحكمها فترات خلافات وتتغير إلى حسمها بالتوافق والتراضي، فإن احترام هذه المواقف سهّل مهمات البلدين حتى في أقسى الظروف، ومنطق اليوم غير الأمس، ومع ذلك هناك جامع مشترك يجعلهما على صلة بتعزيز دور كل منهما والإبقاء على التعاون سارياً وفعالاً وخاصة في منطقة تعصف بها كل الرياح. لمراسلة الكاتب: [email protected]