الديمقراطية لم تعد جدلاً فكرياً بل مطلباً إنسانياً، ومع اختلاف التفسيرات والتطبيقات تظل هاجس معظم المفكرين والمصلحين وشعوب العالم، والأسئلة المطروحة حول هذا النظام تقول لماذا نجح في بلدان نسب ثقافتها ووعيها دون المتوسط أو المتدني، فيما رسب في أمم ودول لديها مراحل جيدة في التعليم والوعي، ولا نعني في هذا السياق منبت الديمقراطيات الغربية التي أوجدت النموذج واقتبسته أمم أخرى؟ كثير من أصحاب الفقه السياسي والقانوني، وحتى المؤثرين في صناعة القرار في دولهم بمراكز البحوث والدراسات يضعون قوائم للدول والشعوب ذات القابليات لانتهاج الديمقراطيات، والأخرى التي لا تستوعبها، وبرروها بمواريث تاريخية للحكم والديانة والتعديات غير المنسجمة والمتقاتلة أحياناً والخصوصية والقيم التقليدية إلى آخر تلك المعوقات، وقد انصب الحديث على الوطن العربي وبعض الدول الإسلامية، وكيف ظلت في بنائها أبوية من خلال الأسرة والنظام والمجتمع، وجاء الإسلام السياسي ليكون العباءة التي غطت أي عمل من شأنه الذهاب إلى خلق بيئة صالحة لنظام شورى يقارب الديمقراطية ويحاكيها بأساليبها وتشريعاتها.. دول ما بعد الاستعمار والشيوعية في القارات اللاتينية والأفريقية وآسيا وأوروبا الشرقية استطاعت أن تخرج من أسْرها وبدون أثمان كبيرة لتتجه للديمقراطية، وإذا كانت الدول الإسلامية أو أكثريتها عصية على تطبيق تلك الأنظمة لأسباب ترجع إلى بنية الفكر الإسلامي وعقيدته، فالحقيقة أن هناك تطبيقات ناجحة في بعض الدول لاتزال قائمة وتتطور دون المساس بمرتكزاتها، أي أن العيب يعزى للأنظمة وليس للعقائد، لكن هناك تساؤل آخر يقول لماذا تنجح الديمقراطيات في أديان توحيدية غير الإسلام وأتباع أديان وحتى شعوب بلا دين لتأخذ بهذا النهج ولا توجد قابليات عند الأكثرية الإسلامية التي تذهب إلى مبدأ «الحاكمية الإلهية» أو الولي الفقيه، وأن تجارب لتلك الحكومات تحولت من دكتاتورية الدولة إلى دكتاتورية الجماعة، ونموذج الإخوان المسلمين أحد تلك الأسباب الفاشلة، لكن هل النموذجان التونسي والمصري، وهما نتاج انتفاضات الربيع العربي هل يملكان وسائل التطبيق بدون هزات حدثت في العراق والسودان عندما جاءت المحاولات غير ناجحة لتحول الانتخابات إلى دكتاتوريات عسكرية وطائفية؟ نعم هناك تحولات فرضتها (عولمة) الأفكار والثقافات والتمازج بين الشعوب وتطلعاتها من خلال وسائل التواصل الحديثة، لكن حتى تلك الوسائط تحول بعضها إلى اتجاه مضاد حيث تنامى الفكر الإرهابي والدعوات إليه، وعاد رفع الأعلام السوداء ومبايعة الخليفة إلى الواجهة حتى إن ظواهر الجماعات المتطرفة أصبحت عميقة الجذور في وجدان أجيال جديدة ظل رابطها تعميم فلسفة ذلك النظام، وهي عودة جذبت عناصر دولية اختارت أن تجرب تلك الدعوات كمغريات تخرجها من أزماتها دون أن تعرف أو تفهم العقيدة الإسلامية.. نرجع ونقول إن الأسباب عديدة ومعقدة، بعضها موروث والآخر منتج جديد لكن كيف ستتغير الأمور، وهل ستأتي بالسلب أم بالإيجاب، وبواسطة منظمات المجتمع المدني أم ائتلاف أحزاب وجماعات تطرح مشروعها للخروج من المأزق؟ ذلك ما نراه ضبابياً في آفاق مسدودة.. لمراسلة الكاتب: [email protected]