عانت المملكة خلال السنوات الأخيرة من كوارث السيول والأمطار؛ مما ألحقت أضراراً بالغة في الممتلكات والمصالح العامة والخاصة، والتي تعود في المقام الأول إلى غياب مشروعات تصريف السيول سابقا وتأخرها. وعلى الرغم من الجهود الحثيثة من قبل الجهات المعنية ودورها في تنفيذ المشروعات الخاصة بتصريف السيول في المملكة، إلا أنّ السؤال دائماً ما يتكرر حول الأسباب التي جعلتنا نبدأ متأخرين في عملية تنفيذ تصريف مشروعات السيول وحول مستوى أدائها، إلى جانب عدم إفادتنا من تجارب الآخرين الناجحة. وأمام هذا المشهد فإننا أمام حاجة ماسة للكشف حول الأسباب التي أدت إلى تأخر مشروعات تصريف السيول في المملكة، وتحديداً في ظل عدم احتسابها سابقاً ضمن الميزانية العامة للدولة، وهو ما يدعونا إلى البحث عن أفضل الحلول الممكنة لمشكلة تصريف السيول في المملكة وتأخرها. أسباب التأخير م.خلف الدلبحي في البداية ذكر "م.خلف بن ذعار الدلبحي" -مدير عام الدراسات والتصاميم بأمانة منطقة الرياض- أنّ مشروعات تصريف السيول تُعتبر من البنية التحتية التي يفضل تنفيذها قبل بناء الأحياء السكنية لضمان حماية الأحياء من المخاطر، لافتاً إلى أنّ مشروعات تصريف السيول حظيت بالأولوية في مشروعات البلديات خلال السنوات الأخيرة، بعد ما تبين أهمية إعطاء مشروعات السيول الأولوية القصوى، مبيّناً أنّ المشروعات تحظى بدعم سمو وزير الشؤون البلدية والقروية، ومتابعة سمو أمير منطقة الرياض، ذاكراً أنّ المشروعات التي تحت التنفيذ حالياً تغطي تقريباً (23%) من مدينة "الرياض"، وما تم تنفيذه سابقاً يغطي تقريباً (27%)، وهذا يعني أنّ نسبة المشروعات الجاري تنفيذها حالياً تقارب ما تم تنفيذه سابقاً. وقال: إنّ الأسباب التي جعلتهم يبدؤون متأخرين في عملية تصريف السيول في المملكة هي ارتفاع تكاليف تنفيذ مشروعات تصريف السيول، مع محدودية ميزانيات البلديات خلال الأعوام السابقة وكثرة المهام الموكلة إليها، كمشروعات تنفيذ الطرق والشوارع والنظافة والرقابة الصحية وغيرها، لافتاً إلى أنّه تم اعتماد مشروعات ضخمة للسيول يستدعي تنفيذها وقتاً حتى تغطى جميع الأحياء السكنية، منوهاً بأنّ النمو العمراني السريع لا يتناسب مع مشروعات تصريف السيول التي لا تغطي كامل النطاق العمراني، إلى جانب قلة الكوادر الفنية والمتخصصين في مجال تصريف السيول، سواءً في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، مع عزوف المهندسين من هذا المجال -خاصةً السعوديين-، بالإضافة إلى تملك الأودية والشعاب والمسايل، ووجود صكوك شرعية عليها، مع تأخر طلب الدراسات المتخصصة لتصريف السيول، حتى صدور القرارات والأوامر السامية، ومنها قرار مجلس الوزراء رقم (151) لعام 1428ه، مؤكّداً أنّ هذا القرار ساهم في معالجة تصريف السيول في الأراضي المراد تخطيطها حديثاً. وأضاف إنّ طبيعة جغرافية وطبوغرافية الموقع تلعب دوراً أساسياً في حجم المشاكل والخسائر حال هطول الأمطار وتحولها إلى سيول، لافتاً إلى أنّ "الرياض" تحتوي على واديين رئيسين: وادي حنيفة، ووادي السلي، وعشرات الأودية والشعاب الفرعية التي تصرف سيولها إلى الواديين، موضحاً أنّ وادي حنيفة عميق وواضح المعالم على الطبيعة؛ مما يسهل المحافظة عليه واحترام مساره الطبيعي، أما وادي السلي منبسط وغير واضح المعالم؛ مما أدى إلى كثرة التعديات عليه وإنشاء المباني في مجراه الطبيعي، قبل تحديد أمانة منطقة الرياض مساره الطبيعي، وإعادة فتح مجرى السيول وتهذيبه، منوهاً بأنّه لا يزال العمل جارياً لاستكمال تصريف مياه السيول في الأحياء الشمالية والشرقية من مدينة الرياض. مشروعات تصريف السيول جاءت متأخرة محدد الأراضي وأوضح "م.الدلبحي" أنّه من الضروري أخذ تصريف السيول ضمن مُحددات تخطيط الأراضي وأن تقدم دراسة أولية لتصريف مياه السيول والأمطار للتحقق من المحافظة على مجاري السيول والأودية بالأراضي المراد تخطيطها وعدم اعتماد المخطط بشكله النهائي، إلاّ بعد تقديم دراسة تصريف السيول النهائية وهذا حسب ما جاء بقرار مجلس الوزراء رقم (151) لعام 1428ه، المتضمن التوجيه السامي الكريم بعد الانتشار العمراني داخل الأودية وأحرامها وطلب تقديم الدراسات الهيدرولوجية عند تخطيط الأراضي لضمان تصريف مياه السيول والأمطار ودرء أخطارها. وأضاف أنّ شبكة تصريف مياه السيول والأمطار حسب حجم مياه السيول تتفاوت من أنبوب (قطر400 ملم) إلى عبارة صندوقية بأبعاد تبدأ من (1.4م×1.4م)، وتزداد مساحة المقطع وعدد الفتحات حسب معدلات تدفق السيول، إلى جانب أحواض لتجميع مياه السيول والأمطار، وتخزينها والإفادة منها في ري الأشجار، وكذلك تقليل كميات مياه السيول القادمة إلى الشبكة في الأجزاء الموجودة بعد حوض التجميع، كحوض تخزين مياه السيول والأمطار بمنتزه الأمير سلمان البري شمال مدينة الرياض، وحقن مياه السيول إلى باطن الأرض، والذي لم يتم تنفيذه بمدينة الرياض؛ نظراً للمحافظة على سلامة المياه الجوفية وعدم تلوثها، حيث يوجد مياه سطحية ملوثة، منوهاً بأنّ الحلول الموقتة لتجمعات السيول تكمن في محاولة لتخفيف الضرر عن موقع معين، ونقل السيول إلى موقع آخر، وغالباً تكون محدودة الجدوى، لافتاً إلى أنّ تصريف السيول يجب أن يكون حلاً جذرياً يصرف السيول إلى مصرف طبيعي آمن. استراتيجية ناجحة وبيّن "م.الدلبحي" أنّ الاستراتيجية الناجحة لتصريف السيول بالقرى والمدن تكمن في معالجة تجمعات مياه السيول وإكمال تنفيذ الشبكات؛ لتغطية جميع الأحياء القائمة، وعدم اعتماد المخططات الجديدة إلاّ بعد إعداد دراسة تصريف السيول من قبل مكاتب هندسية متخصصة، بالإضافة إلى تنفيذ أنظمة تصريف السيول بالأحياء الجديدة قبل البناء؛ لتقليل التكاليف وسرعة الإنجاز وعدم تأخير المشروعات وتعثرها، وضمان عدم تعرض الأحياء الجديدة لمخاطر السيول، مشدداً على ضرورة المحافظة على الأودية ومعالجة التعديات عليها وعدم تملكها، وإعداد مخطط إرشادي يوضح مسارات الأودية والشعاب وعروضها، وفق معايير واضحة مع تحديد مسارات الأودية على الطبيعة. وأضاف أنّه من المهم إيقاف الانتشار العمراني داخل الأودية وأحرامها، وزيادة عدد محطات رصد معدلات مياه الأمطار نظراً لقلة عددها مع ضرورة تزويدها بأحدث أجهزة الرصد والتسجيل؛ لأن هذه المعلومات هي الأساس في تصميم قنوات السيول، إضافةً إلى إعداد أدلة هندسية تحتوي على المعايير الفنية الواجب اتباعها لتتوافق مع طبيعة المملكة المناخية، والجيولوجية، والطبوغرافية، وتحديثها بصفة دورية، خاصةً مع التغير المناخي العالمي، وزيادة كميات الأمطار السنوية، إلى جانب زيادة أبعاد مصائد جمع مياه السيول والأمطار؛ تحسباً لانسدادها حال جريان السيول وما تحمله من مخلفات، موضحاً أنّ أمانة منطقة الرياض طورت مواصفات مصائد السيول بزيادة أبعادها، حيث كان يستخدم سابقاً مصائد(60سم×60سم) وتم زيادتها إلى (1.20م×1.20م)، وذلك لاستيعاب كميات مياه السيول والأمطار، وضمان عدم انسدادها بمخلفات البناء والأتربة التي تنقلها السيول. وأشار إلى أهمية تحفيز وتشجيع المهندسين السعوديين للعمل في مشروعات تصريف السيول، وتأهيلهم وتدريبهم لاكتساب الخبرة في هذا المجال، وحث الجامعات السعودية على زيادة المواد الدراسية بمجال تصريف السيول، ووضع خطط قصيرة وبعيدة المدى لتصريف السيول، والعمل وفق استراتيجية وزارة الشؤون البلدية والقروية، وكذلك تخصيص الاعتمادات المالية لتنفيذ خطط الوزارة الهادفة إلى إيجاد الحلول الجذرية لمشاكل السيول في كافة مدن وقرى المملكة. أسس ومعايير م.صالح العمرو ولفت "م.صالح بن عبدالرحمن العمرو" -المدير العام للمشروعات والتخطيط بمجموعة العمرو للاستشارات والخدمات الهندسية وأمين عام الهيئة السعودية للمهندسين الأسبق- إلى أنّ دراسة وتصميم مشروعات السيول في المملكة تجري وفق أسس ومعايير محددة وفق ما هو متعارف عليه عالمياً، مؤكّداً على أنّها تبدأ بالدراسات الهيدرولوجية التي تنتهي بتطوير خرائط لمسارات الأودية والشعاب، موضحاً أنّه ووفقاً لمعدلات هطول الأمطار وشدة العواصف المطرية على مدى السنوات الماضية تصل فترة تكرارها إلى مائة عام، كما يدعم هذه الدراسات الهيدرولوجية دراسات طبوغرافية مستفيضة تعتمد على خرائط منتجة من تصوير الأقمار الصناعية، مبيناً أنّه متى ما أخذ في الاعتبار بهذه الدراسات الأسس والمعايير السابقة أمكن تحقيق تنمية عمرانية آمنة وبعيدة عن مخاطر السيول. وأضاف إنّ تصريف مياه السيول غالباً يحكمه تقدير المخاطر التي تنجم عن عدم تنفيذها، وبطبيعة الإنسان ومنذ العصور القديمة قد أدرك المخاطر التي تنتج عن جريان السيول والفيضانات، فشيد المدن والتجمعات السكانية في أماكن تقيه شر حدوثها وتكرارها، بناءً على رصده للحوادث الناجمة عنها عبر تعاقب السنوات، مؤكّداً أنّ ذلك كان نتيجة علم فطري تلقائي تعلمه وتوارثه جيلاً بعد جيل، نتيجة ما قد عصف به من كوارث سجلها التاريخ، وأصبحت علماً يتوارثه الأجيال، فأدرك بتفكيره الفطري ما تعنيه الأودية والشعاب، فاحترمها، مشيراً إلى أنّ هناك قرارات صارمة صادرة من القيادة العليا في المملكة تمنع منعاً باتاً البناء في مجاري الأودية والسيول، ومنع التملك فيها واحترامها، وقد اعتمد هذا التوجه بناء على قواعد شرعية فقهية جاء بها الشرع الحكيم. علوم فطرية وشدد "م.العمرو" على أنّ خطط مواجهة كوارث السيول والفيضانات لا تحتاج عصاً سحرية أو خبرات عالمية، فطبيعتها التي جبل الإنسان على معايشتها لا تحتاج إلى جهد، بل هي من العلوم الفطرية التي اعتمدها الإنسان من معايشته لها، فكل ما في الأمر هو احترام مسارات الأودية والشعاب، واعتبار هذا الأمر جانباً هاماً يجب عدم الاقتراب منها على مر العصور، إلاّ ما دعت الحاجة الملحة إلى تغييره بناءً على مصالح عامة عليا، لافتاً إلى أننا نشاهد في كثير من مدن العالم قنوات تصريف مياه السيول تخترق المدن بمساراتها الطبيعية بشكل جميل أضفى على هذه المدن طبيعة خلابة، وأصبحت تحكي جزءًا من تاريخها عبر العصور، دون تدخل السكان في مساراتها في جميع العقود التي هي عمر هذه المدن، مؤكّداً على أنّ ما نحتاج أن نرسخه في أذهاننا هو تبني واحترام القرارات التي تؤكّد احترام أحرام الأودية والشعاب، ومنع التملك فيها باعتبارها حقا مشاعاً لجميع السكان، وأن يحترمها المخططون ومسؤولو البنية التحتية. وأضاف أنّ التعامل مع مشروعات تصريف مياه السيول ومعالجة قضايا كوارث السيول ما زال يحتاج إلى العديد من الخطوات التطويرية، كالاهتمام بالمراصد الخاصة في الأمطار، وزيادة المحطات، والاهتمام بالرصد التاريخي، ووضع هذه النتائج أمام الباحثين والمصممين، وذلك بإتاحة الحصول عليها من خلال مواقع الجهات المسؤولة عنها، بدلاً من السعي في إجراءات طويلة من المكاتبات للحصول على المعلومات المطلوبة، بالإضافة إلى زيادة الاهتمام في الاستشعار عن بعد، ومعالجة صور الأقمار الصناعية، وإتاحة الحصول عليها والإفادة من تجارب الآخرين، مشدداً على أهمية توطين تقنيات الرصد المناخي، إلى جانب إنشاء مركز وطني موحد للمعلومات المناخية، تشترك فيه جميع الجهات الفاعلة في هذه القضايا بجميع المراحل، بدءًا من التنبؤ، والتخطيط، ومباشرة المهام، وانتهاءً إلى إعادة التأهيل للمناطق المنكوبة. تجارب ناجحة أحمد الدايل ونوّه "أحمد الدايل" -باحث اقتصادي- بأنّ من يسافر إلى مدن أوروبية أو أمريكية أو آسيوية يرى بعينيه كيف أنّ بعض تلك المدن تهطل عليها الأمطار بصفه شبه يومية، إلاّ أنّه لا يرى أي تجمعات للمياه في الشوارع؛ لأنّ كل دول العالم انتهت منذ أزمان طويلة من حل مشكلة تصريف مياه الأمطار والسيول، مستدركاً: "لكن المسؤولون لدينا لا يريدون مواكبة الدول المتقدمة في إنشاء بنية تحتية لحل كل مشاكلنا، ولعل أهمها تصريف مياه الأمطار والسيول، بالإضافة لمشكلة الصرف الصحي الأزلية منذ نشأة المدن"، مشدداً على أنّ هناك مئات الدراسات في مكاتبهم ولكنهم لا يريدون الإفادة من التقدم في التقنية لتنفيذ الحلول بأقصى سرعة ممكنة، لتجنب حدوث الأضرار منها. وأضاف أنّ من الحلول فكرة حفر أنفاق كبرى داخل خطوط المدينة التحتية، من خلال التصاميم الحديثة لتصريف المياه، منوهاً بأنّ التجربة نجحت في مدينة "بانكوك" على امتداد قرابة (11) كيلو متراً تحت خطوطها الأرضية، وبعمق يصل إلى (45) متراً تقريباً، إلى جانب النفق الذكي في "كوالالمبور"، وسمي بذلك لكون ثنائي الغرض، فهو يستخدم كوسيلة مواصلات للسيارات لحل مشكلة الازدحام، لكنه يغلق في حال نزول الأمطار؛ ليعمل كمجمع للمياه التي تصب فيه عبر منافذ موصولة من أماكن مختلفة، وعلى أطراف النفق خزانات تجميع، يفرغ فيها النفق المياه ليتم استخدامها في أغراض أخرى، لافتاً إلى أنّ اليابان تملك أفضل شبكة عالمية لتصريف مياه الأمطار والسيول؛ لذا بالإمكان الإفادة من تجربتهم ونقل التقنية. هيئة متابعة واقترح "الدايل" إنشاء هيئة مستقلة تتولى مسؤولية تنفيذ ومتابعة مشروعات تصريف مياه الأمطار والسيول داخل المدن وخارجها، خصوصاً مع كثرتها وقلة إمكانات أمانات المدن على المتابعة، أو أن تسند مسؤولية تصريف مياه الأمطار والسيول لوزارة المياه والكهرباء؛ لأنّها هي الوزارة المختصة، إلى جانب فصل ميزانية البنية التحتية عن ميزانية الصيانة والتشغيل في الأمانات، ووقف البناء في مجاري السيول، سواءً للمخططات القائمة أو المشروعات المستقبلية، وإيجاد حلول عملية لتحويل السيول عن المناطق السكنية ومعالجتها هندسياً، أو نزع ملكيات العقارات المتواجدة في مجاري السيول وتعويض المواطنين عنها، إلى جانب وضع خطط للطوارئ وبرامج منظمة لمواجهة الكوارث، وإعلام وتثقيف المواطنين والمقيمين بكيفية مواجهة الكوارث الطبيعية، وكيفية مشاركتهم فيها، وتفويض مديري التعليم والجامعات في المناطق باتخاذ القرارات المنظمة لعمليات الكوارث، مشدداً على أهمية محاسبة المسؤولين في القطاعات الحكومية والأهلية على أي تقصير وإهمال، وإعلان العقوبات للجمهور، والاستعانة بالشركات والتجارب الأجنبية الناجحة. التنمية العمرانية سبقت البنية التحتية..! شدد «م. صالح بن عبدالرحمن العمرو» على أنّ التنمية العمرانية المتسارعة في المملكة شهدت منذ ما يزيد على أربعة عقود ازدياداً واسعاً في مساحات المدن واتساعها، موضحاً أنّ تسارعها كان بمثابة علامة استفهام كبيرة حيرت المخططين الاستراتيجيين، وأصبحت الخدمات العامة والبنية التحتية متخلفة عن اللحاق بها، ناهيك عن أنّه من المفترض أن تسبق بها وهو المتعارف عليه عالمياً، ومن ذلك مشروعات تصريف مياه السيول، مبيّناً أنّ مشروعات تصريف السيول أعطت أمام هذا الزحف العمراني المتسارع أولويات متدنية، ويدعم ذلك عدم الاهتمام بهذا النوع من المشروعات ما ينادي به البعض من عدم جدواها نتيجة قلة هطول الأمطار في المملكة على مدار العام؛ بحكم طبيعتها الصحراوية الجافة. وأضاف أنّ من الأسباب الرئيسة التي أدت إلى عدم الاهتمام بمشروعات تصريف السيول هي عدم الربط بين اعتماد المخططات السكنية للتنمية العمرانية والدراسات «الهيدرولوجية»، خاصةً بعد كارثة سيول مدينة جدة التي ذهب ضحيتها ما يزيد على ألف نسمة، إلى جانب العديد من الخسائر في الممتلكات، منوهاً بأنّه أصبح لزاماً في الوقت الحالي لاعتماد أي مخططات سكنية جديدة أن يتم بعد دراسة هيدرولوجية تأخذ في الاعتبار احترام الأودية والشعاب، والابتعاد عنها، وتحديد مساراتها بدقة وقوة تدفقها، واحترام أحرامها، وهو ما لم يتم أخذه في الاعتبار من السابق!. وأشار إلى أنّ العقاريين كانوا يقدمون مقترحاتهم التخطيطية للاعتماد دون الأخذ في الاعتبار جانب الدراسات الهيدرولوجية، وكان ذلك بسبب الضغط الذي تواجهه متطلبات التنمية العمرانية، مبيّناً أنّ طبيعة جغرافية المملكة قليلة الأمطار، إلاّ أنّ طبيعة الأمطار في المناطق الصحراوية تأتي على شكل فيضانات لحظية يصعب التنبؤ بها، وينتج عنها -وحسب طبيعة شدتها- آثار مدمرة أحياناً، وهذا عكس المناطق من العالم ذات الطبيعة المناخية الثابت التنبؤ بها، وذات مسار مطري يكاد يكون معروفاً لدى عامة الناس، فضلاً عن المتخصصين في علوم البيئة والمناخ. الأمطار كشفت العيوب والأخطاء..! لفت «أحمد الدايل» إلى أنّ الأمطار الأخيرة كشفت عن عدد من الأخطاء في مشروعات تصريف السيول، إضافةً إلى ضعف مشروعات «سفلتة» الطرقات، والأساليب الخاطئة المتبعة في ردم الحفريات؛ مما أدى إلى طفح المجاري في العديد من الشوارع الرئيسة والفرعية، وإغلاق الطرق، مبيّناً أنّ سيولجدة كانت إنذاراً لباقي المناطق ولساكنيها، وقبل ذلك وأهم للمسؤولين عنها، حيث إنّه بعد سيولجدة وما خلفته سادت حالة من التأهب والطوارئ في جميع المدن، وتم الإعلان عن برامج الصيانة، وتم تنظيف مجاري السيول، والإعلان عن برامج الاستعداد، ولكن مع مضي الوقت وعند أول اختبار انكشف الستار. وقال إنّ من أبرز العيوب التي كشفتها السيول وكانت سبباً في زيادة حدة الخسائر أنّ (52%) من أحياء العاصمة تخلو من شبكات تصريف السيول، ونسبة (26%) من أحيائها تحت التنفيذ، كذلك توقف الصرف على البنية التحتية لتصريف السيول والأمطار (17) عاماً (1401-1416ه)، وبالتالي لم تكن هناك أي اعتمادات لمشروعات تصريف السيول والأمطار، فيما كانت الاعتمادات التي أقرت من عام (1418-1430ه) غير كافية، لافتاً إلى أنّ المبالغ المعتمدة الحالية غير كافية لتوفير شبكة متكاملة، وما هو معتمد من أموال لا يمثل سوى (15%) من احتياجات البنية التحتية لتصريف السيول في مناطق المملكة. وأضاف أنّ (29) مدينة مهددة بمياه الأمطار، حيث إنّ مشروعات تصريف مياه الأمطار لا تغطي سوى (50%) في المدن الرئيسة و(10%) في المحافظات -حسب ما تشير الدراسات والتقارير-، موضحاً أنّه الأمطار التي هطلت على المملكة موسمية وبمعدلها الطبيعي -حسب ما بينه خبراء الأرصاد-، وعلى الرغم من ذلك، إلاّ أنّها كشفت عن فشل شبكات تصريف السيول في مدن المملكة وانعدامها في البعض، وبدا واضحاً أنّ تعليق الدراسة لم يكن لسوء الأحوال الجوية وإنما لسوء البنية التحتية، مبيّناً أنّه و-حسب إفادة الاتحاد العربي لعلوم الفضاء- فإن الأمطار التي عمت مناطق المملكة تعتبر طبيعية جداً، ولكن البنية التحتية السيئة جعلت الأمر يبدو كارثياً، حيث إنّ عدم وجود شبكة تصريف -خاصة الجسور- جعلت المركبات تعلق في بحر من المياه. وأشار إلى أنّ من أبرز العيوب التي كشفتها السيول مشكلة ارتفاع منسوب المياه الأرضية في مناطق المملكة، حيث نمت مدن المملكة خلال العقدين الماضيين نمواً عمرانياً وسكانياً هائلاً، واكبه ارتفاع في معدل استهلاك المياه؛ مما زاد كميات المياه المجلوبة إلى المدينة، ونظراً لوجود مكونات «جيولوجية» و»هيدروجيولوجية» شبه سطحية ذات نفاذية منخفضة تعوق انتقال المياه من الطبقات العليا إلى الطبقات السفلى والعميقة، وعدم اكتمال شبكات الصرف في المناطق المختلفة؛ أدى ذلك إلى ارتفاع منسوب المياه الأرضية وظهورها على سطح الأرض في بعض مناطق المدينة، وبالتالي حدوث مشكلات بيئية وصحية وهندسية عديدة، إلى جانب عدم الاستعداد المسبق، خاصةً بالتنظيف والصيانة الدورية لمجاري السيول والأنفاق، التي سدت فوهات التصريف بها، مبيناً أنّ مياه الأمطار عند وصولها إلى الأرض تتجه إلى المسار المنخفض والأنفاق، ويصعب رفعها إلى أعلى بواسطة المضخات الحالية في أسفل النفق، إلاّ بتدخل وتضافر الجهود بإيجاد مضخات أخرى خارجية.