أكتب هذه الكلمة كمواطن سعودي بعيداً عن بيانات الشجب والاستنكار الشعبي والحكومي والرسمي للارهاب من أجل رفع الروح المعنوية، الا انها لا تكفي أمام الاساليب الوحشية والممارسات غير الانسانية التي ترتكب ضد الابرياء وتدمير اقتصاديات البلاد. غير ان هناك من الشخصيات على مر التاريخ من ترك بصمة واضحة على أوجه الحياة، ولم تعد الدنيا بعد ظهورهم الى العالم كما كانت من قبل، ولا يقتصر تأثيرهم على الأماكن التي نشأوا وعاشوا فيها سنوات حياتهم بل امتدت الى ابعد من الحدود الضيقة للمكان وعلى مر سنوات الزمان، ولعل موحد شبه الجزيرة العربية الملك عبدالعزيز واحد من هؤلاء أو في مقدمتهم، فهو ليس مجرد ملك وحاكم اختلفت حوله الآراء، واجتهد الناس داخل شبه الجزيرة العربية وخارجها في تقييم شخصه وتجربته، لكننا أمام شخصية هي من وجهة النظر النفسية تتمتع بممزات فريدة جديرة بأن نتأملها رغم مرور الزمن، ومضي السنوات على عهده وظهور أجيال جديدة لم تعرف الرجل ولم تعايش مثلنا تفاصيل تلك الايام أو أحداثها. لذلك ابدي اعجابي دائماً بالملك الموحد لأنه وضع روحه على كفه من أجل توحيد شبه الجزيرة العربية من المنازعات القبلية وانهاء سيطرة النعرات القبلية المتبادلة بين القبائل المتنازعة، ونزع القبيلي من قبيلته كما يقولون وحل محلها المواطنة الصادقة فأرسى قواعد الاستقرار والامن في ربوع شبه الجزيرة العربية، وتلاشت من سمائها الساطعة بنور التحرر ملامح الخوف أو الارهاب القبلي. وبعيداً عن العواطف التي تربطنا بالملك عبدالعزيز وعهده الذي لا تزال بصمات الوحدة ماثلة في وجدان اجيال من السعوديين والعرب وغيرهم ايضاً، فمع التزام الحيدة والبعد عن الميل الشخصي في الحكم على الأمور فاننا ونحن نخطط واعني دول الخليج وايضاً الدول العربية بل والعالم اجمع نؤكد بعض الحقائق فيما يختص بشخصية الملك الموحد نرى في انجازاته الامنية في شبه الجزيرة العربية انصافاً مستحقاً له وهي: كان الملك عبدالعزيز قائداً موحداً وصاحب رسالة ايجابية اسهمت في تغيير وجه الحياة لانه يملك مواصفات الشخصية القيادية المؤثرة. تميز بالاخلاص والتفاني في توحيد شبه الجزيرة العربية واقتلاع روح الفرقة والصراعات المتتالية فبذل الجهد في معارك متتالية بعزيمة لم تعرف الملل بالمتعارف مع قادة دول الخليج انذاك. تمتع بكاريزما (او سحر شخصي) وهي من الاسرار التي يهبها الله، كان ولايزال يعترف الجميع بقدرته على التأثير في الاصدقاء والاعداء وهيبة وجلال احاطت به طوال حياته من رؤساء القبائل والعشائر. كان قوياً بغير افتعال، واتصف بالتمسك بالثوابت والقيم التي ظل يؤمن بها ويدافع عنها من أجل وحدة الامة واستقرارها والبعد بها عن مجال الانزلاق في متاهات وصحراء العداوات (الارهاب بالمعنى الحديث) ولم يستجب للضغوط التي تعرض لها ليتخلى عن قناعاته بقيام أركان نظام موحد آمن. وفي اطار قمة (31) بأبوظبي الاخيرة لقادة مجلس التعاون فقد لاحت لي فكرة من وحي التاريخ وانا اقرأ التاريخ ابدي اعجابي الكبير بالملك عبدالعزيز لانه استطاع القضاء على نوابع الانفصال في شبه الجزيرة العربية، والتي كانت سانحة في أمواج العنف بكل اشكاله من غارات وقطع طرق وسلب للأموال بين القبائل.. وخلال تأملي تصورت لو أمكن لدول مجلس التعاون النظر الى تجربة الملك عبدالعزيز في توحيد شبه الجزيرة العربية بأسلوب جيد لتجفيف منابع الارهاب، اي المناورات القبلية وصراعاتها وقطع للطرق وخلافها مما يشبه الى حد كبير ما هو واقع الآن من صور الارهاب المعاصرة بتعاون الدول الصديقة المجاورة. وانطلاقاً من ذلك فان المواجهة الجماعية للارهاب هي الحل، لأنه ليس هناك احد في العالم يقبل الممارسات الارهابية اياً كان لونها ومصدرها وليس هناك احد يوافق على أن تستمر هذه الممارسات بلا رادع، بل ان الجميع يودون ان تنقشع الى غير رجعة.. وهذا ما حققه الملك عبدالعزيز على تراب شبه الجزيرة العربية بضرب قواعد عدم الاستقرار والمناورات القبلية وقطع الطرق لتغير معالم الحياة في شبه الجزيرة العربية واثر ذلك على من حوله وفي كل أنحاء المعمورة. والحقيقة فقد جاءت الاتفاقية الخليجية لمكافحة الارهاب التي اقرت سابقاً من قبل وزراء الداخلية الخليجيين في اجتماعهم بدولة الكويت أكبر انجاز في ميدان المواجهة الجماعية خليجياً لظاهرة الارهاب.. وقد جاءت مناقشات قمة ابوظبي (31) في دولة الامارات العربية مؤكدة ومساندة، بل ومطالبة بانشاء مركز في الرياض لمتابعة البحوث والدراسات الاستراتيجية لمكافحة ظاهرة الارهاب العدو بلا عنوان. وهكذا أصبح الامر ضرورياً وهاماً لمواجهة تحديات الارهاب الذي ازهق الارواح وسفك الدماء لذلك فالأمة الخليجية كما يرى التاريخ لا يسعها الا الترحيب بموقف خليجي موحد ضد الارهاب، وتنفيذ الاتفاقية التي اقرها وزراء الداخلية الخليجيون سابقاً بدولة الكويت في ضوء استراتيجية موحدة لمكافحة الارهاب تهدف الى محاصرة العناصر الارهابية وتعمل على تسليم وتسلم مرتكبي الجرائم الارهابية فيما بين دول مجلس التعاون الخليجي مما يسد الفجوات والذرائع التي كثيراً ما يستغلها الارهابيون وبذلك نحقق المثل (التاريخ يعيد نفسه). وبطبيعة الحال فإن المملكة قد ظلت على الدوام في مقدمة الدول لمكافحة الارهاب وفق صياغة موضوعية متوازنة، فهي واحدة من الدول التي تواصل تجفيف منابع الارهاب لتأكيد الأمن والاستقرار لمواطنيها، وحماية منجزات التنمية الشاملة في كل أنحاء المملكة. وليس في حكمة وحي من التاريخ الا انها حكمة واجبة لاقامة ثقافة الامل في امكانية محاربة الارهاب بمزيد من الجهد والدأب من خلال تنفيذ الاتفاقية الخليجية لمكافحة الارهاب لكي تسهم في صنع التاريخ في المجال الخليجي في تحقيق الامن والاستقرار وهما العنصران الاساسيان في تقدم شعوبها.