اختتمت قمة مراجعة أهداف الألفية أعمالها بمقر الأممالمتحدةبنيويورك منذ ايام مضت وهي القمة التي تتولى مراجعة مدى التقدم الذي تحقق في انجاز الاهداف الثمانية التي تحددت عام (2008) وجرى وضع جدول زمني (15) عاماً لتحقيقها، اي ان هذه المراجعة تأتي بعد مرور ثلثي المدة ولم يتبق سوى ثلث واحد أو (5) سنوات. لقد كشفت المراجعة بأن الحوار بين الاغنياء والفقراء لم يتمخض عن انجاز ملموس لان التنفيذ كان بطيئاً في تنفيذ اهداف الالفية، وانما تنتهي لقاءات واجتماعات الدول الغنية والفقيرة بكلمات منمقة عن ضرورة الاستماع لصوت الفقراء حول العالم. تاريخياً سبق أن أعلنت الاممالمتحدة ان عام 1996م هو عام القضاء على الفقر ثم جاءت قمة الألفية في عام (2000) لتضع اهدافاً ثمانية للقضاء على الفقر والسؤال ماذا تحقق من تلك الاهداف؟. والاجابة تأتي سريعاً لتؤكد ان البيانات الدولية التي تصدر بشأن مشكلات العالم المعقدة والمتشابكة هي كثيرة.. وكل بيان من البيانات الدولية تحيطها الآمال البراقة والطموحات الواعدة لاقتراب ساعة حل هموم الفقراء.. بمعنى أن سطوة الاغنياء اغتالت طموحات الفقراء. لذلك نرى انه منذ ان أعلنت الأممالمتحدة بجعل عام (1996م) عام القضاء على الفقر وحتى الآن لم يحدث شيء، واصبح الفقراء في كل وادٍ من وديان الاغنياء يهيمون، لقد ادرك الفقراء ان احزانهم مازالت على حالها بل انها اخذت تتضاعف وتتكاثر حلقاتها الجهنمية بغير حل وبدون أمل في العلاج. لقد انطوت الكثير من المناقشات التي دارت في أروقة مؤتمر نيويورك الاخيرة واشار الأمين العام للأمم المتحدة ان البيانات العالمية ما هي الا وسيلة لاخراج مكنون ما في الصدور خاصة صدور الفقراء وان الاعلان عن المؤتمر عن مواعيد مقترحة لاكمال تنفيذ الثمانية الاهداف وانهاء الفقر عالمياً مصيرها كما يحدثنا الواقع المحتم والمقدر سلفاً الى الالقاء في زوايا الاهمال والنسيان في دائرة الصراع بين الذين يملكون والذين لا يملكون.. اي ان سطوة الأغنياء تؤدي الى اغتيال طموحات الفقراء... بمعنى آخر أو بصراحة تامة الفشل الكبير في قضية القضاء على الفقر. ولعل أول الملامح لحالة المشاعر المتناقضة بين اليأس والرجاء والتي استرعت الانتباه في قمة نيويورك الاخيرة هي تلك الثنائية البارزة والتي وان كانت تشكلت في القرن الماضي الا انها كما يبدو اخذت تترسخ اكثر في القرن الجديد.. ثنائية الفقر المدقع والثراء الفاحش، الامل واليأس، والانجازات الكبرى، والمصائب العظمى. ولعلي أكون اكثر صراحة بانها غابة.. يأكل فيها الغني الفقير.. ويستحوذ على موارده الطبيعية وخيراته ويزداد الفقير فقراً وتتسع الفجوة بينه وبين الغني. ان الحوارات التي نقلتها وكالات الانباء العالمية من داخل اروقة المؤتمر الاخير في نيويورك فسرها المحللون بانها تعكس اللامبالاة بمشاكل الفقراء ويمثلها اختلاف الرأي بين اغنياء وفقراء العالم حيث رفض الاغنياء باصرار جاد ومثير لحظة تردد كافة مطالب الفقراء برفع قيمة المساعدات من مستوياتها الراهنة المتدنية . لذلك لا ادري كيف يمكن للامم المتحدة تحقيق الاهداف الثمانية لقمة الالفية (2000)، البيانات الدولية يجب الا تكون بالضرورة وسيلة للتغني بالوعود البراقة بل يجب ان تكون فرصة للمجتمع الدولي تخفيف آلام الفقراء وما يشعرون به من ظلم ومعاناة. ان اجراءات تحقيق الثمانية اهداف تسير في طريق مظلم وليس هناك بصيص من النور.. فالظلام مازال يخيم على الفقراء الذين يمثلون (1/5) سكان العالم ويعيشون تحت خط الفقر، والنور مازال يسطع على الأغنياء الذين يملكون (83%) من ثروة العالم ويستنزفون (1500) مليار دولار سنوياً من جيوب الفقراء. وفي ضوء هذه الفجوة بين الاغنياء والفقراء تأتي قمة الالفية لتعلن عن برنامج الثمانية أهداف للقضاء على الفقر.. وكأنه هدف سهل المنال ويمكن تحقيقه في اطار زمني معين ان لم تدرك انه كان شعاراً موجوداً منذ قيام المنظمة الدولية في عام (1945م) . وفي ضوء هذا الصراع فإن هناك ضرورة للدعوة الى منهج جديد يضمن جدية تنفيذ ما يعلن عنه في بيانات دولية حتى لا تبقى دائماً في عداد الخطب العصماء والكلمات الانشائية الرنانة بغير مضمون وبدون معنى. وتأسيساً على ما سبق فانه لا يمكن ان يدير العام حواراً للطرشان حول الفجوة الواسعة بين الاغنياء والفقراء تحت مظلة براقة لمصطلح (اعلان دولي) الذي يطرح مشكلة الفقر للنقاش والحوار وكأن ذلك هو سيناريو المشهد الاخير في مسلسل مواجهة الفقر والفقراء، وهو سيناريو لا يشهد الا بالعجز الكامل عن المواجهة والاصرار التام على ترك مشكلة الفقر في مسارها الحالي القاتل بالصمت انتظاراً ليوم قريب تحدث فيه عمليات العنف بين الاغنياء والفقراء.