| قلت لابني المنهمك دوماً أمام جهاز الكمبيوتر: أراك وحدك. كأن لم يكن لك أصدقاء!. قال : إنهم كثر ولله الحمد.. وهم جميعاً في هذا الصندوق الساحر العجيب.. يبادولونني الرسائل والأحاديث المتنوعة. | قلت : كل هذا يحدث دون لقاء، أو معرفة مباشرة مع الاخر؟ قال : نعم. تأملت في هذا العالم المدهش في تقارب نواحيه وأسلوب تعايش أناسه!. عمليات دقيقة تُجرى عبر الشبكة الفضائية. وصفقات تجارية تعقد بواسطة (الانترنت). حتى (الدراسة) .. أصبح هناك ما يسمى ب (التعليم عن بعد)!. | بهذا الأسلوب (الآلي) سيظل إنسان هذا العصر مقيداً بهذه (التقنية) التي تقلل من متعة العواطف الوجدانية المباشرة التي يحتاجها الإنسان في أزماته النفسية. لأن مثل هذه الصداقة (الآلية) لا تمثل في الواقع كل العلاقات الإنسانية التي ينشدها الإنسان من الآخرين، بل ربما تمخضت عن أفكار سلبية تنال من القيم والعادات الاجتماعية. وإذا كان هناك من يحاول فلسفة القضية وادخالها ضمن متطلبات التحضر الاجتماعي فإني أقول له : فرق بين معجب بوردة (طبيعية)، يشمها ويرى فيها معاني الحسن والتفاؤل، وآخر يكتفي بالزهور (الاصطناعية) لتزيين غرفته أو مكتبه! والعلاقة الإنسانية تبنى على المعرفة المباشرة لتكون أكثر فاعلية. | وفي كتابه الموسوم ب (روح العصر الحديث) يظهر (فيردناندتونيس) استياءه من التطوير الحديث الذي أدى الى نشأة المجتمع العام حيث تسود العلاقات الاجتماعية المادية والانتهازية التي حلَّت محل العلاقات العاطفية والروحية والمشاركات الوجدانية. ول (تونيس) هذا نظرية يقول فيها : (عند التحول من الجماعة المحلية الى المجتمع العام، يحدث تحول في العلاقات، من علاقات عاطفية روحية منعمة بالمشاركات الوجدانية الى علاقات اجتماعية تقوم على أسس القانون.. أي علاقات تعاقدية لأن كل فرد لا يعرف الآخر، ومن ثم يسود العلاقات الاجتماعية الشك والحذر، والمنفعة الخاصة). | إذاً : الصداقة الطبيعية تنبع من أحاسيس وجدانية صادقة، وتُعرف من خلال التعامل الإنساني المباشر. وسوى هذا يكشف عن حالة تدل على التكلَّف والتصنَّع!. | يقول الشاعر: فما كل من تهواه يهواك قلبه ولا كل من صافيته لك قد صفا إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة فلا خير في خلِّ يجيء تكلُّفا