في سرادق العزاء يجتمع الناس لتقديم العزاء في قريب أو صديق ويجد البعض فرصة في الحديث عن أسعار الأراضي وعرض ما لديهم وفي صعود وهبوط أسعار الأسهم والبعض يتحدث عن الدوري والفريق الفلاني والمنتخب وينسى هؤلاء أنفسهم انهم في عزاء المتوفى فلان لقد انتهى الأمر دفن الميت وإن أدرنا إلى هموم الدنيا وصفقات الأراضي وهذه مساحتها كذا متر وعلى شارعين وهذه تجارية وهذه استثمارية وأعطى لها تصريح عشرة أدوار وهذه العمارة وتلك .. الخ. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا .. اللهم لا تجعلنا من الغافلين - كل يوم يقال مات فلان مات فلان ولابد من يوم يقال فيه مات عمر هذا قول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. إن الحرص على الدنيا والانكباب عليها والاعراض عن الآخرة هو داء طول الأمل واعراضه الكسل عن الطاعة والتسويف بالتوبة والرغبة في الدنيا ونسيان الآخرة والقسوة في القلب وعدم تذكر الموت وعدم تذكر القبر والثواب والعقاب واهوال يوم القيامة. قال تعالى (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون) الحجر 3 وقال تعالى (فطال عليهم الامد فقست قلوبهم) الحديد 16 وقال سيد الخلق أجمعين (لايزال قلب الكبير شابا في اثنتين في حب الدنيا وطول الأمل) رواه البخاري ومسلم. وقال سيد الخلق أجمعين (يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنتان حب المال وطول العمر) صدق سيدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، ان قصر الأمل والزهد في الاماني كان سببا في صلاح جيل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، ان العجيب أن تفنى الاعمار وتنقضي الامال وكل يوم له أمل وكل شهر له أمل وكل سنة لها أمل وهكذا يحيا صاحب الآمال في رحلة لا نهاية لها. ونسأل ما الذي جناه أهل الآمال الطوال هل ادركوا أمانيهم هل حصلوا على احلامهم وهل دام ما ادركوه لقد ادركتهم المنية بغتة فرحلوا عن الدنيا ولم يأخذوا معهم شيئاً ولم يتبعهم الا عملهم إن الإنسان يفتح عينيه كل صباح على آمال كبيرة وينسى انه مهما سعى لتحقيقها فلن يدرك منها الا ما كتبه له الله وأن الاجل لبالمرصاد فقد يأخذ الإنسان قبل تحقيق آماله. قال الفضيل بن عياض رحمه الله ان الشقاء طول الأمل وأن النعيم قصر الأمل. وقال الإمام ابن القيم رحمه الله ان الدنيا من أولها إلى آخرها لا تساوي غم ساعة فكيف بغم العمر. وكان ابن عمر رضي الله عنه يقول إذا امسيت فلا تنتظر الصباح واذا أصبحت فلا تنتظر المساء. وقال نصر بن محمد السمرقندي رحمه الله من قصر أمله اكرمه الله تعالى بأربع يقويه على طاعته ويقل همه ويجعله راضياً بالقليل وينور قلبه ومن طال امله عاقبه الله تعالى بأربع تكاسل عن الطاعات وتكثر همومه في الدنيا ويصير حريصاً على جمع المال ويقسو قلبه. فياسادة ياكرام ها هي السنين تمر والاعمار تنقضي وما من يوم يمر علينا الا وهو يحمل بين ثناياه دروساً كثيرة وعبراً كثيرة فعلينا أن نتعظ ونتذكر دائماً قول سيد الأولين والآخرين (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.