«هيئة الطرق»: مطبات السرعة على الطرق الرئيسية محظورة    هل اقتربت المواجهة بين روسيا و«الناتو»؟    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    الشاعر علي عكور: مؤسف أن يتصدَّر المشهد الأدبي الأقل قيمة !    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أرصدة مشبوهة !    حلول ذكية لأزمة المواقف    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    فعل لا رد فعل    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    خبر سار للهلال بشأن سالم الدوسري    حالة مطرية على مناطق المملكة اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    عسير: إحباط تهريب (26) كغم من مادة الحشيش المخدر و (29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فقه السياسة الشرعية مهم.. وما ينبغي على المسلم تجاه ولاته أهم
البيعة فريضة ربانية وسنة نبوية

البيعة في اللغة: جاء في لسان العرب لابن منظور: «والبيعة: الصفقة على إيجاب البيع، وعلى المبايعة والطاعة، والبيعة: المبايعة والطاعة. وقد تبايعوا على الأمر: كقولك: أصفقوا عليه، وبايعه عليه مبايعة: عاهده، وبايعته من البيع والبيعة جميعاً، والتبايع مثله... هو عبارة عن المعاقدة والمعاهدة، كأن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره..» لسان العرب 8/26
البيعة في الاصطلاح: هي إعطاء المبايع عهده على السمع والطاعة في غير معصية، وفي المنشط والمكره والعسر واليسر وتفويض الأمر إليه بلا نزاع. وقد سمي العهد مبايعة، لأن المتعاهدين يضع كل منهما يده في يد الآخر عند المعاهدة تأكيداً لها، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري.
الإمامة ضرورة: إن الإنسان مدني بطبعه، وذلك لعجزه عن الوفاء بحاجاته الضرورية من غذاء وحماية منفرداً، كما أنه ميال لإشباع غريزته بالفطرة، ولو كان ذلك بالبغي والعدوان، ولو ترك الإنسان لغرائزه لساد قانون الغاب، وحل الخراب، لذا وجب أن يعيش الناس في جماعات، وأن يكون لهم أعراف وقوانين تميز بين الخير والشر والعدل والظلم، وتنظم الحقوق والواجبات، وترتب العواقب على الأعمال والتصرفات، إلا أن هذا أيضاً غير كاف ما لم يعملوا على إيجاد السلطة التي يتحكمون إليها عند الخلاف والمنازعات، ومن هنا وجب أن يكون للناس إمام أياً كان براً أو فاجراً. قال الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لاسراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
وعلى ذلك يرى أهل السنة أن نصب الإمام واجب شرعي لتنظيم حياة الناس والمحافظة على الكليات الخمس، وهي الدين والنفس والعقل والمال والنسل، وقد عقدوا لذلك بابا في كتب العقائد.
ويعد جماهير المسلمين سلطة الإمام ضرورة اجتماعية وأداة من أدوات الأمة في إقامة العدل وحراسة الدين وسياسة الدنيا، كما يعد القائمون على السلطة- من الإمام ومعاونيه- في خدمة الأمة، يحترمون إرادتها، ويعملون بمشورتها.
أدلة وجوب بيعة الناس الإمام: لقد تضافرت الأدلة على وجوب أن يبايع الناس إماماً لهم، يدخلون في طاعته لتتحقق المقاصد الشرعية وتنتظم أمور الجماعة المسلمة، فعن معاوية-رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» المعجم الكبير للطبراني 19/334
وأخرج الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي في مسنديهما وابن حبان في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من مات بغير إمام مات ميته جاهلية» وفي رواية: «من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية» وفي رواية: «من مات وليس عليه طاعة مات ميتة جاهلية» رواه الطبراني.
فهذه الأحاديث ناطقة بأصرح بيان بضرورة أن يكون للناس إمام، وأنه يجب عليهم أن يبايعوه، ويطيعوه، وإلا كانوا كأهل الجاهلية في تركهم الأمور فوضى، كما أن في الإشارة إلى الميتة الجاهلية وعيداً شديداً لكل من تسول له نفسه أن يمتنع من مبايعة الإمام، أو يشق عصا الطاعة.
وجوب الوفاء بالبيعة: إن آيات الكتاب الحكيم شاهدة على وجوب أن يفي المسلم بما قطعه على نفسه من عهود، أو تعاقد عليه من عقود، قال الله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود..} المائدة 1. وقال تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون} النحل 91. وقال تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً} الاسراء 34.
كما أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم أكدت ذلك أيما تأكيد، وتنوعت فيها أساليب الوعيد لبيان عظم إثم من لم يف بالبيعة، لما في انخرام الوفاء بها من خطورة على مصالح المسلمين في دينهم ودنياهم، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له..» رواه مسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «من بايع إماماً، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر» رواه ابوداود. وقوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى من أميره شيئاً يكرهه، فليصبر عليه، فإن من فارق الجماعة شبراً، فمات إلا مات ميتة جاهلية». والبيهقي في السنن الكبرى. وقوله: «من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقة». أخرجه الحاكم في المستدرك. وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظمون أمر البيعة ويحذرون من نكثها، فهذا عبدالله بن عمر- لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية- جمع حشمه وولده، فقال: بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني لا أعلم غدراً أعظم من أن يبايع رجل على كتاب الله وسنة رسوله، ثم ينصب له القتال، وإني لا أعلم أحداً منكم خلعه، ولا تابع في الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه» أخرجه البخاري.
حرمة نكث البيعة: إن نكث البيعة على النصرة والجهاد، أوعلى السمع الطاعة كبيرة من كبائر الذنوب، ما لم يصدر من المبايع ما ينافي أصل الإيمان، لأن ذلك نقض للعهد، وقد توعد الله سبحانه من نقض العهد، فقال تعالى: {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً} الفتح. وقال سبحانه: {وما يضل به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون} البقرة 26. وقال تعالى: {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً} النحل 91. وفي صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انه يستعمل عليكم امراء، فتعرفون وتنكرون فمن كره، فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع) قالوا: يا رسول الله الا نقاتلهم؟ قال: «لا ما صلوا.. صحيح مسلم. وفي البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم سترون بعدي أثره وأموراً تنكرونها» قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: «تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم» رواه البخاري.
فهذه الأحاديث قاضية بحرمة نكث البيعة والخروج على طاعة الحاكم بأي شكل من أشكال الخروج. قال الآجري رحمه الله تعالى: «وقد ذكرت من التحذير عن مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله عز وجل عن مذهب الخوارج، ولم ير رأيهم وصبر على جور الأئمة، وحيف الأمراء ولم يخرج عليهم بسيفه وسأل الله العظيم كشف الظلم عنه وعن جميع المسلمين، ودعا للولاة بالصلاح، وحجم معهم وجاهد معهم كل عدو للمسلمين، وصلى خلفهم الجمعة والعيدين، وان أمروه بطاعة، فأمكنته طاعتهم أطاعهم، ولمن لم يمكنه اعتذر إليهم، وان امروه بمعصية لم يطعهم، وإذا دارت بينهم الفتن لزم بيته، وكف لسانه ويده ولم يهو ما هم فيه ولم يهو ما هم فيه، ولم يعن على فتنة، فمن كان هذا وصفه كان على الطريق المستقيم إن شاء الله تعالى» الشريعة للآجري.
وبمثل هذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في منهاج السنة: «المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وان كان فيهم ظلم، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم دون قتال ولا فتنة، فيدع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلاّ كان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزلته» منهاج السنة النبوية.
طرق تنصيب الإمام
قال الإمام أبو بكر الباقلاني: «إنما يصير الإمام إماماً بعقد من يعقد له الامامة من أفاضل المسلمين الذين هم من أهل الحل والعقد والمؤتمنون على هذا الشأن» الملل والنحل.
وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتقل إلى الرفيق الأعلى، ولم يعين خلفاً له من بين أهله أو أصحابه، كما أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يجعل لذلك معينة يلتزمها أصحابه - رضي الله عنهم - والمسلمون من بعدهم في كل عصر، ولكنه - صلى الله عليه - وسلم ترك الأمر للمسلمين، يختارون لأنفسهم وفق ما تمليه عليهم التعاليم القرآنية والنبوية التي أشربتها قلوبهم، من مثل ما يفهم من قوله تعالى {وامرهم شورى بينهم} الشورى 38 وبمثل ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم..» أخرجه عبدالرزاق في مصنفه.
وفي ذلك من التوسعة على المسلمين ما يجعلهم يباشرون أمرهم في تنصيب إمامهم وفق مقتضيات الأحوال المتغيرة في كل زمان ومكان، على ان يكون ذلك داخل الأطر والأسس العامة التي حددها لهم الشرع الحنيف.
ولقد تنوعت طرق انعقاد الامامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث لم تنحصر في نمط واحد، وكأنه ترسخ في الأمة مبدأ الاجتهاد والتنوع في ظل الأطر والثوابت الشرعية، ومن أهم هذه الثوابت مبدأ الشورى. وإليك هذه الطرق كما تم استقراؤها تاريخياً.
أولاً: البيعة.. فلقد انعقدت إمامة أبي بكر - رضي الله عنه - بيعة خاصة من بعض المسلمين الحريصين على مصلحة الأمة والمشفقين عليها من ان ينفرط عقدها، ويذهب أمرها، ثم تبعتها بيعة عامة من كافة المسلمين على السمع والطاعة في غير معصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما انعقدت إمامة علي - رضي الله عنه - ببيعة البدريين له بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، وأعقبها بيعة عامة على نحو ما حصل لأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
قال الخضري: «لما لحق رسول الله صل الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى اجتمع أصحابه من مهاجرين وأنصار في سقيفة بني ساعدة لإقامة خليفة له، وكان الأنصار يريدونها لأنفسهم، لما لهم من نصرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإيوائه بطيبتهم، ولا يرون اختصاص قريش بالخلافة، فلما حجهم أبو بكر - رضي الله عنه - بقوله عليه الصلاة والسلام: (الأئمة من قريش) رواه المقدسي أصاخوا له، وتركوا ما ذهبوا إليه من أحقيتهم بالخلافة» (اتمام الوفاء في سيرة الخلفاء 16.
ثانياً: الاستخلاف: فعندما شعر الصديق بدنو أجله تملكه القلق على أمر الأمة من بعده، فأخذ في استشارة كبار الصحابة وعلمائهم وصلحائهم من المهاجرين والأنصار، فأشاروا عليه بترشيح عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فاستخلفه عليهم.
قال الخضري: «فلما اشتد عليه المرض جمع كبار الصحابة، فاستشارهم في العهد لعمر بن الخطاب، فكلهم قال خيراً، فدعا عثمان بن عفان وأملى عليه: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد به أبو بكر خليفة محمد - صلى الله عليه وسلم - عند آخر عهده بالدنيا، وأول عهده بالآخرة في الحال التي يؤمن فيها الكافر، ويوقن فيها الفاجر، إني استعملت عليكم عمر بن الخطاب، ولم آلكم خيراً، فإن صبر وعدل، فذلك علمي به ورأيي فيه، وان جار وبدل فلا علم لي بالغيب، والخير أردت لكل امرئ ما اكتسب، {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}، ثم أمر بالعهد فقرئ على المسلمين، ثم أطل عليهم، فقال لهم، أترضون من استخلف عليكم، فإني لم استخلف عليكم ذا قرابة، وإني قد استخلفت عليكم عمر، فاسمعوا له وأطيعوا، فإني والله ما ألوت من جهد الرأي، فقالوا سمعنا، وأطعنا، ثم نادي عمر، فقال له: إني استخلفتك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا عمر.. «السابق 50 - 51.
ثالثاً: الاختيار من بين عدة مرشحين يحددهم الإمام السابق: وهذه الطريقة هي التي سلكها عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما طعن. ذكر الخضري في اتمام الوفاء في سيرة الخلفاء: ان بعض المسلمين قال لعمر رضي الله عنه: أوص يا أمير المؤمنين، استخلف. فقال - كما ورد في رواية مسلم - : «أتحمل أمركم حياً وميتاً، لوددت أني أحظى منها بالكفاف، لا علي، ولا لي وان استخلف فقد استخلف من هو خير مني - يعني أبا بكر - وان أترككم، فقد ترككم من هو أفضل مني، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عبدالله بن عمر: فعرفت انه - حين ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير مستخلف، ثم قال عمر: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض، فسمى عليا وعثمان والزبير وسعدا وطلحة وعبدالرحمن بن عوف، وقال: يشهدكم عبدالله بن عمر، وليس له من الأمر شيء».. اتمام الوفاء في سيرة الخلفاء 140.
رابعاً: القهر والغلبة: ان انعقاد الامامة بالقهر والغلبة لم يحدث في عهد الخلفاء الراشدين، وإنما حدث بعدهم، فقد خرج عبدالملك بن مروان على عبدالله بن الزبير رضي الله عنه واستولى على البلاد وأهلها، ولقد بايعه الناس طوعاً وكرهاً، فصار إماماً.
قال الشنقيطي: «الرابع ان يتغلب على الناس بسيفه، وينزع الخلافة بالقوة، حتى يستتب له الأمر، وتدين له الناس، لما في الخروج عليه حينئذ من شق عصا المسلمين واراقة دمائهم. قال بعض العلماء ومن هذا القبيل قيام عبدالملك بن مروان على عبدالله بن الزبير وقتله إياه في مكة على يد الحجاج بن يوسف، فاستتب الأمر له كما قاله ابن قدامة في المغني» أضواء البيان.
وقد أجمع العلماء على وجوب طاعة السلطان المتغلب، وقد نقل الاجماع على وجوب طاعة السلطان المتغلب كل من الحافظ بن حجر والنووي وابن قدامة.
يقول الحافظ: «وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء» صحيح البخاري. ويقول الإمام النووي: «أجمع العلماء على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية» شرح صحيح مسلم.
إن هذا التنوع العجيب ليدل دلالة واضحة على سمو النظرية الإسلامية في عقد الإمامة وتنصيب الإمام، مما يجعل ذلك صالحاً لكل زمان ومكان قابلاً لاستيعاب المتغيرات الزمانية والمكانية ملتفاً حول الظروف الطارئة بمرونة منقطعة النظير.
البيعة عند تعدد الأئمة وتفكك أجزاء الأمة: قامت الدولة العباسية على أنقاض الدولة الأموية، ثم لم يلبث الأمر حتى أسس الأمويون دولتهم في الأندلس، ومنذ ذلك التاريخ ظهرت دويلات كثيرة ومتتابعة في أطراف العالم الإسلامي، فلم يكن للمسلمين جميعاً خليفة واحد، يجمعون عليه كلمتهم، ويجتمعون تحت لوائه، ويعطونه بيعتهم، ومن هنا أثيرت التساؤلات حول صحة بيعة هؤلاء الأئمة في مختلف أقطار الدولة الإسلامية.
يقول الصنعاني - رحمه الله - عند قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة..» قوله: «عن الطاعة» أي: طاعة الخليفة الذي وقع الاجتماع عليه، وكان المراد خليفة أي قطر من الأقطار؛ إذ لم يجمع الناس على خليفة واحد في جميع البلاد الإسلامية من أثناء الدولة العباسية، بل استقل أهل كل إقليم بقائم على أمورهم؛ إذا لو حمل الحديث على خليفة اجتمع عليه أهل الإسلام لكان في ذلك تقليلاً لفائدته». سيل السلام.
وقال الشوكاني: «إذا كانت الإمامة الإسلامية مختصة بواحد، والأمور راجعة إليه مربوطة به، كما كان في أيام الصحابة والتابعين وتابعيهم، فحكم الشرع في الثاني الذي جاء بعد ثبوت ولاية الأول أن يقتل إذا لم يتب عن المنازعة، وأما إذا بايع كل واحد منهما جماعة في وقت واحد، فليس أحدهما أولى من الآخر، بل يجب على أهل الحل والعقد أن يختاروا منهما من هو أصلح للمسلمين، ولا تخفى وجوه الترجيح على المتأهلين لذلك. وأما بعد انتشار الإسلام واتساع رقعته وتباعد أطرافه، فمعلوم أنه قد صار كل قطر إلى إمام أو سلطان وفي القطر الآخر كذلك، ولا ينفذ لبعضهم أمر ولا نهي في قطر الآخر أو أقطاره التي رجعت إلى ولايته، فلا بأس بتعدد الأئمة والسلاطين، ويجب لكل واحد منهم بعد البيعة له على أهل القطر الذي تنفذ فيه أوامره ونواهيه، وكذلك صاحب القطر الآخر، فإذا قام من ينازعه في القطر الذي قد ثبت فيه ولايته، وبايعه أهله، كان الحكم فيه أن يقتل إذا لم يتب، ولا تجب على أهل القطر الآخر طاعته، ولا الدخول تحت ولايته.
فاعرف هذا فإنه المناسب للقواعد الشرعية، والمطابق لما تدل عليه الأدلة، ودع عنك ما يقال في مخالفته، فإن الفرق بين ما كانت عليه الولاية الإسلامية في أول الإسلام، وما هي عليه الآن أوضح من شمس النهار، ومن أنكر هذا فهو مباهت، لا يستحق أن يخاطب بالحجة؛ لأنه لا يعقلها... ولكن على كل مسلم في ذلك القطر أن يقبل إمامته بعد وقوع البيعة له، ويطيعه في الطاعة، ويعصيه في المعصية، ولا ينازعه، ولا ينصر من ينازعه، فإن لم يفعل هكذا، خالف ما تواتر من الأدلة، وصار باغياً ذاهب العدالة مخالفاً لما شرعه الله، ووصى به عباده في كتابه من طاعة أولي الأمر ومخالفاً لما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إيجاب الطاعة وتحريم المخالفة». السيل الجرار المتدفق على حدائق الازهار 4/481.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى: «الإمام هو ولي الأمر الأعلى في الدولة، ولا يشترط أن يكون إماماً عاماً للمسلمين؛ لأن الإمامة العامة انقرضت من أزمنة متطاولة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اسمعوا وأطيعوا ولو تأمر عليكم عبد حبشي» رواه البخاري. فإذا تأمر إنسان على جهة ما صار بمنزلة الإمام العام، وصار قوله نافذاً، وأمره مطاعاً..» الشرح الممتع 8/12.
صور المبايعة: الذي يقلب صفحات التاريخ من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اخر خلافة العثمانيين يجد أن للبيعة صوراً كثيرة أهمها:
أولاً: المبايعة بالمصافحة والكلام: وهذه أكثر الصور حدوثاً في التاريخ الإسلامي، ومن أمثلة ذلك بيعة الرضوان، والتي قال فيها رب العالمين: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم} الفتح 10.
ثانياً: المبايعة بالكلام فقط: وهذه الصورة تحدث عادة في مبايعة النساء، ومن به عاهة، لا تمكنه من المصافحة كالمجذوم، فعن يعلي بن عطاء عن رجل من آل الشريد يقال له عمرو عن أبيه قال كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: «ارجع فقد بايعتك» رواه النسائي 4/429.
ثالثاً: المبايعة بالكتابة: وأصرح مثال مأثور في هذا المبايعة ما كتبه النجاشي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: «بسم الله الرحمن الرحيم».
إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من النجاشي.
سلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته من الله الذي لا إله إلا هو الذي هداني للإسلام.
أما بعد: فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى..» إلى إن قال: «وقد بايعتك، وبايعت ابن عمك وأصحابك، وأسلمت على يديه لله رب العالمين» الثقات لابن حيان 2/9.
من يأخذ البيعة؟ البيعة يأخذها الإمام في عاصمة الدولة، أو يأخذها من ينيبه، حيث أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعة لنفسه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية: {لا يشركن بالله شيئا}، قالت: «وما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة إلا امرأة يملكها»، رواه البخاري 6. كما أخذ الخلفاء لأنفسهم في المدينة، وأخذها عمالهم لهم في الأمصار المختلفة.
وإن ما تم في بلادنا بعد وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - من إجراءات البيعة لهو موافق أبين موافقة للشريعة الإسلامية ولما كان عليه المسلمون الأوائل حينما كانوا يبايعون الخلفاء، فقد بايع أهل الحل والعقد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - يحفظه الله -، ثم تتابع الناس يبايعونه على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وقد أخذ البيعة عنه في سائر المناطق نوابه الكرام من الأمراء في مظهر مشرف بهر كل من يتابع الشأن السعودي آنذاك، حيث انتقل الملك انتقالة رائعة، أسعدت الأصدقاء، وأرغمت أنوف الحاقدين المروجين للأراجيف الذين يتربصون ببلادنا العزيزة الدوائر.
مقتضيات عقد البيعة: إن عقد البيعة للإمام يقتضي أن يلتزم الإمام والرعية بعض الواجبات بإزاء بعض الحقوق، وذلك على النحو التالي:
أولاً: واجبات الرعية «حقوق الإمام»:
1- السمع والطاعة: فإنه لا معنى للولاية والإمامة بغير السمع والطاعة؛ لذلك أمر الله تعالى بطاعة أولي الأمر صراحة، فقال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}، النساء - 59. وقد فسر العلماء قوله تعالى: {وأولي الأمر منكم} بأنهم العلماء والأمراء؛ لأن هاتين الطائفتين هما رؤوس الناس، إذا صلحوا صلح الناس، وإذا فسدوا فسد الناس؛ لذا أكد النبي - صلى الله عليه وسلم - على طاعة الأمراء، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني»، رواه البخاري 3/1080، وعن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «على المرء السمع والطاعة، فيما أحب، وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة» رواه مسلم 3/1469.
2- الاحترام والتوقير والإجلال: فقد مضت السنة المطهرة على تأسيس احترام الولاة والسلاطين وتوقيرهم، وعدّ ذلك من إجلال الله تعالى. فعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط»، سنن البيهقي 8/163.
3- التعاون والنصيحة والنصرة: فذلك واجب على جميع المسلمين فيما بينهم، وهو من حقوق الولاة والسلاطين والملوك على الرعية قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}، المائدة -2. وفي صحيح مسلم عن تميم الداري - رضي الله عنه - ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدين النصيحة» قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»، رواه مسلم 1/74، وقال: «ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن: اخلاص العمل لله، والنصيحة لولاة المسلمين ولزوم جماعتهم» رواه الحاكم في المستدرك.
4- عدم السعي في خلعه وإن فسق أو ابتدع:
يقول الشنقيطي: «والتحقيق الذي لا شك فيه انه لا يجوز القيام لخلعه إلا إذا ارتكب كفراً بواحاً عليه من الله برهان»، ثم ساق بعض الأحاديث الدالة على هذا، ومنها ما أخرجه الشيخان عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: «إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان»، وفي صحيح مسلم عن عوف بن مالك قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «.. ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله، فليكره ما يأتي، ولا ينزعن يداً من طاعة»، وفيه أيضاً من حديث أم سلمة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «سيكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع». وقالوا: يا رسول الله: أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا، ما صلوا»... لأضواء البيان في ايضاح القرآن 1/31.
وجاء في النصيحة الولدية لأبي الوليد الباجي - رحمه الله - قوله:
«وإياكما والتعرض للخلاف لهم والقيام عليهم، فإن هذا فيه العطب العاجل والخزي الآجل، ولو ظفرتما في خلافكما، ونفذتما فيما حاولتما، لكان ذلك سبب هلاككما؛ لما تكسبانه من المآثم؛ وتحدثان على الناس من الحواث والعظائم، ثم من سعيتما له، ووثقتما به، لا يقدم شيئا على إهلاككما والراحة منكما، فإنه لا يأمن أن تحدثا عليه ما أحدثتما له، وتنهضان بغيره، كما نهضتما به»، النصيحة الوالدية للياجي 1/31.
وقوله: «فالتزاما الطاعة وملازمة الجماعة، فإن السلطان الجائر الظالم أرفق بالناس من الفتنة وانطلاق الأيدي والألسنة»، النصيحة الوالدية 1/31.
5- الدعاء له سواء كان براً أو فاجراً:
إن الدعاء للإمام من سنة السلف الكرام، فيستحب الدعاء له بالنصر والتأييد؛ لأن في صلاحه صلاحاً المسلمين، قال أحمد وغيره: لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها للإمام؛ وكان أبو موسى الأشعري يدعو في خطبته لعمر بن الخطاب رضي الله عنه»، وجاء في حاشية البجيرمي:
«ويسن الدعاء لأئمة المسلمين وولاة أمورهم بالصلاح والإعانة على الحق والقيام بالعدل»، حاشية البجيرمي 1/389، وقال صاحب غاية البيان: «ويستحب بالاتفاق الدعاء لأئمة المسلمين وولاة أمورهم بالصلاح والإعانة على الحق والقيام بالعدل ونحو ذلك ولجيوش الإسلام»، لغاية البيان 1/126.
ويستحب الدعاء له سواء كان براً أو فاجراً، قال ابن المنير: «فلا يتخيل في إمام أو سلطان فاجر إذا حمى بيضة الإسلام إن مطروح النفع في الدين لفجوره، فيجوز الخروج عليه وخلعه؛ لأن الله تعالى قد يؤيد به دينه، وفجوره على نفسه، فيجب الصبر عليه وطاعته في غير إثم، ومنه جوزوا الدعاء للسلطان بالنصر والتأييد مع فجوره».
6 - الصبر عليه وإن جار أو ظلم:
ففي صحيح مسلم عن حذيفة بن اليمان، قلت يا رسول الله: إنا كنا بشر، فجاء الله بخير، فنحن فيه. فهل من وراء هذا الخير شر؟. قال: «نعم». قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: «نعم». قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: «نعم». قلت: كيف؟ قال: «يكون بعدي أئمة، لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال، قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس». قال: قلت: كيف أصنع - يا رسول الله - إن أدركت ذلك؟ قال: «تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع، وأطع»، صحيح مسلم 3/1476.
ويقول الإمام الباجي ناصحاً ولديه: «فإن رابكما أمر ممن وليّ عليكما، أو وصلت منه أذية إليكما، فاصبرا، وانقبضا، وتحيلا لصرف ذلك عنكما بالاستترال والاحتمال والإجمال، وإلا فاخرجا عن بلده إلى أن تصلح لكما جهته، وتعود إلى الإحسان إليكما نيته، وإياكما وكثرة التظلم منه والتعرض لذكره بقبيح يؤثر عنه، فإن ذلك لا يزيده إلا حنقاً وبغضة فيكما ورضا بإضراره بكما» السابق 1/31.
7 - الاعتزال في الفتنة: ففي صحيح البخاري عن حذيفة بن اليمان قال إنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: «نعم». قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: «نعم وفيه دخن» قلت: وما دخنه؟ قال: «قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر». قلت: «فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: «نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها» قلت يا رسول الله صفهم لنا. فقال: «هم من جلدتنا ويتكلمون بألستنا». قلت: فما تأمرني إن أدكرني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم». قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام. قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك» رواه البخاري 3/1319
ويقول أبو الوليد الباجي لولديه: «وإن رأيتما أحداً قد خالف من وُلِّي عليه، أو قام على من أنسد أمره إليه، فلا ترضيا فعله، وانقبضا منه، وأغلقا على أنفسكما الأبواب، واقطعا بينكما وبينه الأسباب، حتى تنجلي الفتنة، وتنقضي المحنة». السابق 1/33
8 - عدم السعي في إهانته أو إذلاله: ففي سنن البيهقي: كان عبدالله بن عامر يخطب الناس، عليه ثياب رقاق، مرجل شعره، قال: فصلى يوماً، ثم دخل، قال: وأبو بكرة جالس إلى جنب المنبر، فقال: مرداس أبو بلال: ألا ترون إلى أمير الناس وسيدهم، يلبس الرقاق، ويتشبه بالفساق؟ فسمعه أبو بكرة، فقال لابنه الأصلع: ادع لي أبا بلال، فدعاه له، فقال أبو بكرة: أما أني قد سمعت مقالتك للأمير آنفاً، وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من أكرم سلطان الله، أكرمه الله، ومن أهان سلطان الله، أهانه الله». سنن البيهقي 8/163
وفيه أيضاً: أن عياض بن غنم الأشعري وقع على صاحب دار، حين فتحت، فأتاه هشام بن حكيم، فأغلظ له القول، ومكث هشام ليالي، فأتاهم هشام، يعتذر إليه، وقال له: يا عياض، ألم تعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة أشد الناس عذاباً للناس في الدنيا»، فقال له عياض: يا هشام، إنا قد سمعنا الذي سمعت، ورأينا الذي رأيت، وصحبنا من صحبت، أو لم تسمع يا هشام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من كانت عنده نصيحة لذي سلطان، فلا يكلمه بها علانية، وليأخذ بيده، فليخل به فإن قبلها قبلها، وإلا كان قد أدى الذي عليه والذي له، وإنك يا هشام لأنت الجريء أن تجترئ على سلطان الله، فهلا خشيت أن يقتلك سلطان الله فتكون قتيل سلطان الله؟ سنن البيهقي 8/164. في مصنف عبدالرزاق عن حذيفة قال: «ما مشى قوم إلى سلطان الله في الأرض ليذلوه إلا أذلهم الله قبل أن يموتوا»، مصنف عبدالزراق 11/344. وفيه عن أبي قلابة أن أبا الدرداء - رضي الله عنه - قال: «كيف أنتم إذا لعنتكم أمراؤكم علانية ولعنتموهم سراً فهنالك تهلكون» السابق 11/344.
وفيه أيضاً أن المسور بن مخرمة وفد على معاوية قال فلما دخلت عليه - حسبت أنه قال - سلمت عليه، ثم قال: ما فعل طعنك على الأئمة يا مسور؟ قال: قلت: ارفضنا من هذا، أو أسن فيما قدمنا له. قال: لتكلمن بذات نفسك. قال: فلم أدع شيئاً أعيبه به إلا أخبرته به. قال: لا أبرأ من الذنوب، فهل لك ذنوب تخاف أن تهلك إن لم يغفرها الله لك؟ قال: قلت نعم. قال: فما يجعلك أحق بأن ترجو المغفرة مني؟ فوالله لما آلي من الإصلاح بين الناس وإقامة الحدود والجهاد في سبيل الله والأمور العظام التي تحصيها أكثر مما تلي، وإني لعلى دين يقبل الله فيه الحسنات ويعفو فيه عن السيئات، والله - مع ذلك - ما كنت لأخير بين الله وغيره إلا اخترت الله على ما سواه. قال: ففكرت حين قال لي ما قال، فوجدته قد خصمني. فكان إذا ذكره بعد ذلك دعا له بخير. السابق 11/345
ثانياً: حقوق الرعية (واجبات الإمام):
1 - إقامة الدين ونصر الشريعة وإشاعة العدل والقسط: ففي ظل الإمام العادل الناصر للشريعة يستطيع الخلق أن يعبدوا ربهم، وأن يطمئنوا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم وذراريهم، قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} الذاريات 56. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «المقصود الواجب بالولايات إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرانا مبينا، ولم ينفعهم ما نعموا من الدنيا وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم».
2 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهذا من تمام إقامة الدين، قال شيخ الإسلام: «وولي الأمر إنما نصب؛ ليأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر، هذا هو مقصود الولاية..»
3 - تدبير أمور الرعية والرفق بهم: فعلى الحاكم أن يباشر بنفسه شؤون رعيته، وأن يتفقد أحوالهم، وأن يرفق بهم، قال القاضي أبو يعلى في سياق واجبات الإمام: «.. أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور، وتصفح الأحوال، ليهتم بسياسة الأمة وحراسة الملة، ولا يعول على التفويض تشاغلا بلذة أو عبادة، فقد يخون الأمين، ويغش الناصح..»، وقال صلى الله عليه وسلم: «من ولي من أمر أمتي شيئاً، فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فارفق بهم فارفق به» رواه مسلم 3/1458.
4 - استيفاء الحقوق المالية وتصريفها في مصارفها الشرعية: ومن ذلك جمع الزكاة والجزية والخراج والعشور والغنائم والفيء وتصريفها في المصارف الشرعية التي حددها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
وأخيراً، فإن المسلمين اليوم لفي أمس الحاجة إلى تعلم فقه السياسة الشرعية، وما ينبغي عليهم تجاه من ولاه الله تعالى عليهم، وأن يتأدب في ذلك بأدب الإسلام، حتى يتم لهم الاجتماع على ما يرضي الله تبارك وتعالى من التعاون على البر والتقوى ومدافعة الإثم والعدوان، للمحافظة على استقرار المجتمعات المسلمة وسلامتها من كل مكروه، ومن كل فتنة يريد أعداء الإسلام أن يورطوهم فيها.
وينبغي على كل مسلم أن يتعلم قبل أن يتكلم، وأن يتفقه في دين الله تعالي، وأن لا يتبع كل ناعق مخرب، يبغي الفساد في الأرض، فإن الله لا يحب المفسدين، كما أنه سبحانه لا يهدي كيد الخائنين، وليعلم كل أمرئ يرجو الله والدار الآخرة أنه مؤاخذ بما يتكلم به، مرهون بما كسبت يمينه، فليقدم لنفسه خيراً، من قبل أن يعرض على الله تعالى فلا يرى إلا ما قدم، والله أسأل أن يحفظ على هذه الأمة أمنها، وأن يقيها شر أعدائها، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير، وهو نعم المولى ونعم النصير.
٭ رئيس المحكمة الجزئية بالرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.