الشهد في تعزية والديَ مشعل وشهد خطبة الجمعة 6/6/1433ه الحمد لله مقدر الأقدار ، مكور الليل على النهار ، وأشهد ألا إله إلا الله الواحد القهار ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله النبي المختار صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأبرار ، ما تعاقب الليل والنهار... أما بعد : فقد فقدت محافظة الخرج يوم الجمعة الماضية فلذتين من فلذات أكبادها غرقاً في إحدى المستنقعات وهما مشعل وشهد تغمدهما الله بواسع رحمته وتقبلهما في زمرة الشهداء ، وجعلهما ذخراً لوالديهما ، وفرطاً وشفيعاً مجاباً ، اللهم أعظم بهما أجورهما ، وثقل بهما موازينهما ، وألحقهما بصالح سلف المؤمنين ، واجعلهما في كفالة إبراهيم عليه السلام ، وقهما برحمتك عذاب الجحيم ... اللهم وألهم ذويهم الصبر والسلوان وأحسن لهم العزاء وأعظم لهم المثوبة.. آمين . إخوة الإيمان : إن من نعم الله تعالى على هذا الإنسان أن خلقه من العدم ومَنَّ عليه بأن جعل له من نفسه الزوجة وجعل له منها أولادا يكونون له حصنا ، ومعينا على أمور الدنيا وما يعتريه فيها من الضعف ، وهذا من آيات الله ونعمه على هذا المخلوق الضعيف ، قال تعالى : ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ) -سورة النحل:72- وهذا الولد في هذه الحياة الدنيا زينة قال تعالى : ( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً)-سورة الكهف:46- ومن رحمة الله تعالى أن غرس في النفوس حب الولد فهي مجبولة على حبه والتعلق به والشفقة عليه . ولعظم منزلة الولد في النفوس فإنها عند ما تصاب بفقده يعتريها الهم ويعلوها الكرب وتضيق عليها الدنيا ذرعا . لكن النفوس المسلمة التقية لا يهزها المصائب والخطوب مهما عظمت . فيا أيها المصاب : يا من ابتلي بفقد ولده وفلذة كبده : إني معزيك لا إني على ثقة *** من الحياة ولكن سنة الدين فما المعزَّي بباق بعد ميته *** والمعزي ولو عاشا إلى حين ( إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتس ). رواه البخاري ومسلم أيها المسلمون : إن من أعظم المصائب التي تصيب المرء فقد ولده وفلذة كبده ، والابتلاء بفقد الأولاد من أعظم الابتلاء ، كيف لا وهو نار تستعر في الفؤاد وحرقة تضطرم في الأكباد ، ولعظم فقد الولد على النفس فقد عوض الله الصابرين على ذلك بأعظم فضل وأكبر أجر جزاء ما صبروا واحتسبوا في ذات الله تعالى ، فالمصاب بفقده ولده يبنى له بيتا في جنات عدن ، وياله من فضل ذلك الفضل ويالها من منة تلك المنة التي امتن الله بها على هذا العبد المصاب ، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته قبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول قبضتم ثمرة فؤاده فيقولون نعم ، فيقول ماذا قال عبدي ؟ فيقولون حمدك واسترجع . فيقول الله ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد ) رواه الترمذي وحسنه الألباني وبالعطف على هذا الولد الضعيف والرحمة به والشفقة عليه يكون جزاء الله تعالى لك بأن يكون هذا المولود سببا لدخولك الجنة والخلود فيها فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من مسلم يموت له ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم ) رواه البخاري ومسلم وهم سبب لعدم دخول النار فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم ) رواه البخاري ومسلم أيها المسلم : عندما تفقد ولدك وتصبر على فقده يكون عونا لك في موقف الحشر يدافع عنك ويشفع لك عند الله ، ويسقيك في موطن أنت أحوج ما تكون فيه لشربة قليلة من الماء . عن أبي حسان رضي الله عنه قال قلت لأبي هريرة رضي الله عنه إنه قد مات لي ابنان فما أنت محدثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث يطيب أنفسنا عن موتانا قال نعم صغارهم دعاميص الجنة يتلقى أحدهم أباه أو قال أبويه فيأخذ بثوبه أو قال بيده كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا فلا يتناهى أو قال ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة . رواه مسلم وعن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل) رواه أحمد وصححه الألباني أخي المسلم : وعند ما تصاب بفقد ولدك أو غيره من حبيب وصديق فإنه ينبغي لك أن تتذكر: أن كل شي بقضاء الله وقدره وأن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وأن ذلك كله في كتاب ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) . سورة الحديد 22-23 وعليك بالاستعانة بالله والاتكال عليه والرضا بقضائه والتسليم لقدره , والصبر على ما كتب الله وما قدره ، وعدم الجزع والتسخط . وعليك حبس اللسان والجوارح عن اقتراف ما يخالف الصبر ويقدح في كماله . في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال : ( اتقي الله واصبري ) قالت إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت لم أعرفك فقال : ( إنما الصبر الصدمة الأولى ) . ولا تنس: الاسترجاع عند المصيبة: ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) سورة البقرة 156 قال سعيد ابن جبير رحمه الله تعالى لم تعط هذه الكلمات نبيا قبل ولو عرفها يعقوب لما قال يا أسفى على يوسف " تفسير القرطبي 2/177 وتذكر أخي الأجر العظيم لمن يصبر على ما أصابه فالصابرون يبشرون بالمغفرة والرضوان قال تعالى :(إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) سورة هود:11) والصابرون يوفون أجرهم مرتين قال تعالى : (أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) سورة القصص:54) والصابرون فائزون قال تعالى : (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ) سورة المؤمنون:111 والله من الصابرين ينصرهم ويوفقهم ويثبتهم عند المصائب ، ( إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) سورة البقرة:153 والصابر على المصائب يجزيه الله تعالى جراء صبره وما أصابه بأن يكفر عنه السيئات ويحط عنه الخطايا والذنوب . فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ) متفق عليه وتًذًكُرُ موت الحبيب صلى الله عليه وسلم يخفف المصائب ويعزي كل مبتلى . قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب ) صححه الألباني . والدعاء من أنفع الأدوية لكل مصاب قال : صلى الله عليه وسلم: ( ما أصاب عبداً قط هم ولا حزن فقال : اللهم إني عبدك ابن عبدك بن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيّ حكمك , عدل فيّ قضاؤك , أسألك اللهم بكل اسم هم لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت في علم الغيب عندك أو علمته أحداً من خلقك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي , إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحاً) رواه أحمد أيها الأحبة : أبناؤنا أمانة في أعناقنا يجب علينا حفظهم ورعايتهم وتربيتهم التربية الصالحة ، والحرص على كل ما ينفعهم والبعد عما يضرهم في دينهم ودنياهم ، وتبصرتهم بما ينفع ويضر فالأبناء في غالب الأحوال لا يعرفون ما يحول حولهم من مخاطر وأضرار فعلينا تبصرتهم وتوعيتهم ومعرفة مع من يذهبون وأين يذهبون خصوصاً في مثل هذه الظروف ظروف الأمطار والسيول وكل هذا من الواجب و الرعاية الملقاة على الأعناق فعن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كلكم راع ومسؤول عن رعيته ، والإمام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته ، والمرأة في بيت زوجها راعية ومسؤولة عن رعيتها ، والخادم في مال سيده راع ومسؤول عن رعيته ) . قال : وحسبت أن قد قال : ( والرجل راع في مال أبيه ) . رواه البخاري وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . اخوكم ابراهيم الحدادي