قضية هي من أهم القضايا التي يمر بها كل أحد عاش على هذه البسيطة دائماً ما افكر فيها حيث اشغلت بالي وتزاحمت خواطر كثيرة في نفسي حيالها وترددت كثيراً في الكتابة عنها متعجباً من اصحاب القلم وارباب البيان وكثير من فرسان المنابر واهل التربية والدعوة اذ لم يتطرقوا اليها في كتاباتهم او لم يوسعوها نقاشاً ودراسة وعلاجاً في كلماتهم وخطبهم لما لها من اهمية بالغة وحاجة ماسة الا وهي قضية «السكينة عند نزول المصيبة». ورغبة مني في الادلاء بدلوي حيال هذه القضية احتضنت أناملي قلمي ليسكب بمداد ما يعتلج في نفسي ويستكن في خاطري املاً ان يجد فيها القارئ الفائدة والنفع. أخي القارئ كثيراً ما نلحظ فقدان الاعصاب وارتعاد الفرائص وشرود الهدوء عند نزول المصيبة وحلول خطوبها وبالتالي يحصل ما لا تحمد عقباه وهذا حقيقي ومشاهد في حياتنا وخذ نماذج لذلك: امرأة تفقد ابنها في حادث مروري فتصاب بانهيار عصبي.. أب يسمع خبراً عن ابنته قبض عليها في قضية اخلاقية فيصاب بسكتة قلبية.. شاب يخفق في امتحان فلا يتمالك نفسه فينتحر.. تاجر يخسر في صفقة تجارية فيسلم الروح الى بارئها.. وآخر يضارب في الاسهم فيصدم بضياع ماله او كثير منه فتغزوه امراض العصر من سكر وضغط واكتئاب وقلق.. وفتاة تُكره على الزواج ممن لا تريده فتلتهم من العلاجات ما يفتك بحياتها.. وامرأة يطرق سمعها خبر وفاة زوجها فتبكي بكاءً مراً وتضرب وجهها وتمزق ثيابها ولا تذوق مطعوماً او مشروباً معترضة على قضاء الله وقدره وقد تستمر على هذه الحال أشهراً والصور كثيرة وكثيرة. ترى - أيها القارئ الكريم - ما السبب وراء ذلك كله؟ انه الايمان متى خبا نوره في القلوب وضعف أثره في النفوس وتزعزعت اصول العقيدة في جنباتها فانتظر المزيد والمزيد من صور الخور ومسلسل الاستسلام للصدمات المميتة. اننا نريد الايمان الذي كان في قلب ابراهيم عليه السلام عندما ألقي في النار ولاقاه جبريل بين السماء والارض بعدما رُمي بالمنجنيق قائلاً له: يا ابراهيم ألك حاجة؟ قال: أما منك فلا وأما من الله فبلى حسبنا الله ونعم الوكيل ان التوكل في اسمى صوره وأبهى معانيه.. فأوحى الله الى النار «كوني برداً وسلاماً على ابراهيم» نريد الايمان الذي خالط بشاشة قلب عروة بن الزبير فقال عندما ابتلي بقطع رجله وجاءه خبر وفاة أحد ابنائه اللهم ان كنت اخذت فقد اعطيت.. اعطيتني اربعة اطراف فأخذت واحداً فلك الحمد واعطيتني اربعة اولاد واخذت واحداً فلك الحمد انه الرضا بقضاء الله وقدره. أخي القارئ: اننا وبكل صدق نحتاج للتهيؤ والاستعداد للمصائب والمكروهات فالحياة مطبوعة على كدر والمفاجآت فيها كثيرة وسهام المصائب فيها مشرعة ورماح البلاء معدة مرسلة ولا عجب فنحن في دار ابتلاء وامتحان ونكد واحزان وهموم وغموم ولا تدوم على حال قال سبحانه وتعالى {وتلك الايام نداولها بين الناس} وقال جل شأنه {لقد خلقنا الانسان في كبد} وقال الشاعر: طبعت على كدر وانت تريدها صفواً من الاقذاء والاكدار لكن ديننا عظيم والله رحيم بنا ورسوله صلى الله عليه وسلم رؤوف بنا لم يدعنا طعمة للهموم للتكالب علينا او المصائب تحاصرنا وانما جعل لنا وسائل نقاوم بها ذلك كله استأذنك - أخي القارئ - في تناولها وعرضها عسى أن يكون فيها النفع والفائدة لي ولك. أولى هذه الوسائل: الرضا بقضاء الله وقدره فهي منزلة عظمى ومقام جليل من مقامات اولياء الرحمن فمن رضي بما قسم الله له وما اصابه من ابتلاء كان مطمئن القلب مستقر النفس أملاً بثواب الله. وليتذكر المسلم ان ما صابه من مكروه فإن الذي قدره حكيم عليم يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون} وما أجمل الوصية النبوية الغالية التي أوصى بها ابن عباس رضي الله عنه وهي للأمة جمعاء «واعلم ان ما اصابك لم يكن ليخطئك وان ما أخطأك لم يكن ليصيبك». ويبلغ الرضا بالعبد مبلغاً عظيماً يجعله يكبر الله تعالى عند المصيبة وينظر الى عظيم تدبيره وتقديره حال الابتلاء فلا يشغله البلاء عن معرفة الله او العلم بأمره وحكمته دخل ابو مسلم الخولاني على أبي الدرداء في اليوم الذي قبض فيه فجعل ابو مسلم يكبر فقال ابو الدرداء: أجل فهكذا فقولوا فإن الله تبارك وتعالى اذا قضى قضاء أحب ان يرضى به. ولقد مرض ابن لعبدالله بن عمر مرضاً شديداً فاشتد ألم أبيه عليه حتى خشي الناس عليه ان مات هذا الابن فلما مات خرج ابن عمر في جنازته وما وجد اشد سروراً منه فسئل في ذلك، فقال: انما كان حزني رحمة له فلما وقع أمر الله رضينا به. أما الوسيلة الثانية: فهي الاسترجاع ذلكم الادب النبوي العظيم والعلاج الايماني الناجع فهو ينزل على القلب السكينة والطمأنينة امرأة عاقل جاءها خبر وفاة ابنها وهي تكرم ضيوفها فلم فرغت منهم سألتهم أفيكم أحد يحفظ شيئاً من كتاب الله أتعزى به في مصابي بابني فتلا عليها أحدهم قوله تعالى {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وإنا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون} فقالت: الله ان هذا الكلام في كتاب الله؟ قالتها ثلاثاً، فقال: الله انه لفي كتاب الله. فاسترجعت وقالت: اللهم اني فعلت ما أمرتني فأنجز لي ما وعدتني. الوسيلة الرابعة: الصبر وهو الوقوف مع البلاء بحسن ادب يقول صلى الله عليه وسلم «انما الصبر عند الصدمة الاولى» والصبر كنز من كنوز الجنة قال تعالى {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}. الوسيلة الخامسة: الاستغفار وذكر الله عز وجل فتأثيره عجيب يقول الله في محكم التنزيل {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}. الوسيلة السادسة: الصلاة ففيها الراحة والسكينة اوصى بها المولى جل شأنه فقال {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة}.. وهي علاج للازمات والمصائب. الوسيلة السابعة: حسن الظن بالله فيظن المسلم ان الله لا يختار له إلا ما هو خير.. والعبد نظره محدود وعلمه قاصر وما يراه اليوم مصيبة وبلية قد يكون غداً منحة وعطية اما قال الله سبحانه {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم} قال ابن مسعود «ان الرجل ليشرف على الامر في التجارة والامارة حتى يرى انه قد قدر عليه ويذكره الله فوق سبع سموات فيقول للملك اذهب فاصرف عن عبدي هذا فإني ان أيسره له ادخله جنهم فيجيء الملك ويعوقه فيصرف عنه فيظل يتطير بجيرانه انه دهاني فلان.. سبقني فلان وما صرفه عنه إلا الله تعالى وكم من عبد أراد أمراً من الامور وتعلق قلبه به وسعى له سعيه ولكن الله حجبه عنه وحزن هو عليه بعد فترة تبين له ان الشر كان فيما اراد وان الله تعالى صرفه عنه وصدق الله {والله يعلم وأنتم لا تعلمون} وما أحسن قول احدى العابدات حين قالت: «لولا مصائب الدنيا لوردنا مفاليس» انه فهم حقيقي ووعي تام بالدين ما احوجنا اليه في هذا الزمن واختم رحلتي معك - أيها القارئ الكريم - بدعاء كان صلى الله عليه وسلم يرددها صباح مساء «اللهم اني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة اللهم اني أسألك العافية في ديني ودنياي واهلي ومالي اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي واعوذ بعظمتك ان اغتال من تحتي». كفانا الله المصائب صغيرها وكبيرها وجعلنا جميعاً ممن يرضون بقضاء الله وقدره.