ألاحظ مع الوقت تفضيل كثير من القراء مقالات خفيفة على القلب، خفيفة على العقل، لا تحتاج إلى كثير من الجهد في الخروج بنتيجة أو فائدة سوى التسلية، والترفيه الفكري. وأعتقد أن هذا مردّه تعقد الحياة للفرد سنة بعد أخرى إلى درجة أنه أصبح غير قادر على حشو «مخّه» إلا بالخفيف من الأخبار بعد أن طحنت الحياة الفرد بتروسها، فأصبح وكأنه يدور في ساقية.. وقد تجاوب بعض الكُتّاب لهذا النهج، كما أعطته بعض الصحف حيّزًا لا بأس به من منطلق أن دور الصحافة هو تحقيق رغبة قرائها.. وأن الصحيفة التي لا تتجاوب مع قرائها هي صحيفة تعيش خارج الزمن!! *** ليس عجيبا إذن أن تحظى عدة أغان خفيفة، حتى لا أقول «تافهة»، غنّاها محمود عبدالعزيز في فيلمه المشهور «الكيف» بإقبال شديد، وأن يحتذى بها كثير من المطربين الشباب، ويستنسخوا منها أغاني تعكس كمّ التفاهة الذي أصبح يسود حياتنا اليوم، حيث لا تمر دقائق وأنت تسير في الشارع بسيارتك أو تمشي إلا وتسمع كلمات وألحاناً لما يُسمى أغانٍ ما أنزل الله بها من سلطان. فقد حظيت أغنية اسمها: (يا قفا).. وثانية اسمها: (الكيمي كيما كا) بالصدارة، وانطلقت هذه الأغاني كقنابل غاز مُسيّلة للتفاهة انفجرت وتسرّبت بين الشباب.. واستنشقوها وأخذوا يخرجونها مع كل عطسة لتنتقل عدواها كأنفلونزا الطيور.. يكاكي بها الشباب في كل مكان!! *** نحن إذن في عصر التفاهة.. وتفتيح المُخ، ليس كي نُدخل فيه معلومة مفيدة، أو فلسفة ذات مغزى، بل لتغييب العقل عن الواقع المُعاش.. فقد كان طلب محمود عبدالعزيز لمؤلف الأغاني هو «أنا عايز كلمات خفيفة، كلمات رشيقة، كلمات تافهة.. عاوزين نأكل عيش يابا.. أنا عايز كلام يكيف»؟! وقد وجد مثل هذا الكلام في أغنية «القفا»، أو «يا حلو بانت لبّتك»، التي تقول كلماتها: يا حلو بانت لبتك أول ما دابت قشرتك تحرم عليا محبّتك وراح أتوب عن سكّتك يا حلو بانت يا حلو بانت يا حلو بانت لبّتك القلب منك مليان جفا والصبر من قلبي اتنفى وضاع معاه كل الصفا ضيعته بعندك ...... يا قفااااااااااااااااااااااا آه يا قفا آه يا قفا آه *** وهكذا.. وبعد أن كان الحبيب يركب القطار ويسأله: «يا وبور قللي رايح على فين»، أصبح اليوم يركب الحنطور.. و»يتحنطر»!! الفرق هو أن الفنان محمود عبدالعزيز قال جملته، وغنّى أغنيته في فيلم الكيف، وكان المفروض أنه «حشاش»، وتحت تأثير الكيف، لكن العدوى انتشرت عند كثير من الفنانين الذين أنتجوا - وكان المفروض أنهم «صاحيين» - أغاني مثل «العنب» و»البلح» و»الباذنجان».. وغيرها من الأغاني بحجة أن «الجمهور عايز كده». = فهل فعلا الجمهور عايز كده؟! نافذة صغيرة: (اديني في الهايف وأنا أحبك يا فننس... وأي كلام يا عبدالسلام... وألف من يمأمأ وراك... تبقى محترم تاخد على دماغك وأحسن لك تسيب البلد وتمشي... تلتزم بالفساد أحبك وأعصرك أنزل منك فاسدين صغيرين.. واللي يقولي غير كده أحط صوابعي في عنيه..!) المصري الفصيح. [email protected]