لقد رحل لملاقاة ربه الشيخ "أحمد يوسف زينل علي رضا" يوم الخميس الماضي الذي ترفع الأعمال فيه إلى الله، في هذا الشهر الحرام من شهر ذي الحجة، والذي تعظم فيها الحسنات، وقد دفن يوم الجمعة أحب الأيَّام إلى الله في مقبرة أمنا حواء عن عمر يناهز المائة عام. وقد كتبت الصحف عن مسيرته وإنجازاته فيما يتعلق بإشرافه على مدارس الفلاح أول مدرسة نظامية في الجزيرة العربية وعن ريادته في العصامية والتجارة كأول سجل تجاري في المملكة. وله من الأبناء محمد وعبدالله وهشام وخالد ويوسف ومريم. منهم من شغل منصب وزير التجارة وعضو مجلس الشورى، ومنهم من ساهم في تأسيس مدارس دار الفكر، بالإضافة إلى أعمالهم التجارية والخيرية. وورث محبة الناس وحب الخير من أبوه الشيخ يوسف، ولا بد أن أذكر سيرة أجداده الذين ورث منهم حب العلم. فجده الحاج زينل كان له أخت واحدة، ومن الإخوان عبدالله وحسين وأكبر. الحاج زينل هو من أسس ابنه "محمد علي" مدارس الفلاح بجدة 1905م والتي علّمت أجيالا وأجيالا من المفكرين والأدباء ورجال الدولة المرموقين. أما الحاج عبدالله علي رضا فكان محافظًا لجدة، وهو من سلم مفتاح جدة إلى الملك عبدالعزيز -رحمه الله- للحفاظ على أمن واستقرار هذه المدينة التاريخية. أما الحاج حسين بالنسبة لي فهو الجد الأكبر لجدي فهم أخواله، وقد تبدو علاقة تمتد لأكثر من جيل من الأجداد لكنها ما ميزت الشيخ أحمد من وصله للأرحام، وهذه من ضمن المزايا العظيمة النادرة اليوم. وامتثاله لقول الله عن الأرحام في الحديث القدسي: "أنا الله وأنا الرحمن، خلقت الرَّحِم، وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته". ولقد كان عميد الأسرة ممن وصل رحمه صغيرًا وكبيرًا قريبًا وبعيدًا وكان يتعمد زيارتهم فردًا فردًا في كل رمضان، فكان فرح والدي به إذا جاء في زيارتنا فجأة، وحسرته إذا جاء في زيارتنا ولم نكن في المنزل. فقد كان الأب الحنون والحكيم لجميع الأهل والأرحام وأبناء مدينة جدة والبلد جمعاء. عاش قرابة قرنٍ لم يكل من العطاء لكل من حوله، وحب الخير وإصلاح ذات البين ومساعدة الفقراء والمساكين والمستضعفين. صُلِّي عليه صلاة الغائب بعد صلاة الجمعة في عدة مساجد في جدة ومكة، بل وصلَّى عليه في الولاياتالمتحدة -تحديدًا في مدينة بوسطن- فوق ال200 طالب ممن كان له الأثر في تعليمهم. أما أئمة المساجد في جدة ومكة فقد كانوا خريجين مدارس الفلاح ومن المتأثرين لفراقه، والذين وفّوا له الجميل. أقول لأبنائه وأحفاده ما قاله سيّدنا الخضر -عليه السلام- لموسى عن اليتيمين في المدينة "وكان أبوهما صالحا"، فقد ترك لكم كنزًا من الذكريات والسيرة المشرفة، فأسأل الله لكم البركة والتوفيق في إكمال مسيرة رجل كان فخرًا للبلد جمعاء. يقول والدي بحزن وأسى: "صنفان من الناس يعيشون في الأرض: صنف يعيش ويموت، وصنف يعيش وعندما يموت يكون قد أثرى نوعية حياة الآخرين". وقد أثرى -رحمه الله- حياة أجيال وأجيال. أسأل الله له الفردوس الأعلى، وأن يجمعنا معه ومع من سبقنا من أجدادنا وآبائنا وأحبائنا، وأن يرحم جميع موتانا وموتى المسلمين.