يعدُّ بيت الجمجوم من أبرز البيوت الجداوية التي أنجبت عددًا من الشخصيات البارزة التي كان لها بصمات واضحة في شتّى المجالات على مدى الخمسين عامًا الماضية. وقد تنوّع حضورها الفاعل ليشمل مجالات التجارة، والاقتصاد، والطب، والعلوم، وغيرها من المجالات منذ قدوم الأجداد قبل 100 عام. دأب أبناء هذا البيت الكريم على حب الخير والمبادرة إليه، ودعم العلم انطلاقًا من أهمية الدور الذي يقوم به المعلّم في تربية نشء الأمة. يعود أصل أبناء عبدالعزيز جمجوم في المملكة إلى مصر التي هاجروا إليها من فلسطين أواخر الحكم العثماني، ثم الانتداب البريطاني، والاحتلال الصهيوني، إذ كانوا يتركّزون في الخليل والمجدل، بحسب شهادة إدارة الهجرة واللاجئين في مصر، الذين وفدوا عليها على فترات متقطعة، ولها فروعها في فلسطين، والأردن، ومصر، وتردد أن جزءًا منها نزل بسوريا. والعائلة يمتد نسبها إلى صالح الملقّب جمجوم بن بدر الكشكلي بن الأمير محمد الكشكلي الذي حكم فلسطين في أواخر الحكم العباسي في عهد السلاجقة، وينتسبون إلى الأمير راجح، والكشاكلة ينتمون إلى أبناء الحارث بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف، فهم سادة وأشراف حارثيون وفق شهادة موثّقة من دار الأوقاف في القدس، موجودة في الأردن، وفلسطين في ديوان أبناء الحارث، وهم وفد كبير يضم أكثر من عشرين عائلة، ويزيد منهم (شاهين العجيل أبو شامة الحجازي جمجوم الشيخ درة وغيرهم) ويمكن الاطّلاع عليها عبر الإنترنت وذكر معالي الأستاذ أحمد جمجوم، والذى عمل وزيرًا للتجارة في مذكراته الشخصية، والتي نُشرت في جريدة “المدينة” أن مؤسس الأسرة في مدينة جدة هو جدّه عبدالعزيز جمجوم، وأن جذورها تعود إلى مصر ولم يحدد الى اي القبائل العربية تعود . وأشهر آل جمجوم في الخليل هو محمد خليل جمجوم، شهيد فلسطين حكم عليه الإنجليز بالشنق بعد ثورة البراق، ونفّذ الحكم في 17/6/1930م يوم الثلاثاء الحمراء التي خلّدها إبراهيم طوقان في قصيدة له. وهناك فرع هام ورئيس لآل جمجوم يقيم أفراده في مصر منذ عدة قرون، وقد كان في السابق يتمتع بالثروة والجاه، ويبعثون ببعض المساعدات للفرع الموجود في الحجاز، أمّا اليوم، فقد تغير الوضع، وانعكس الحال. أمّا بالنسبة لسلالة آل الجمجوم فهي ترجع إلى الحارث بن عبدالمطلب من قريش. يعود الشيخ أحمد صلاح جمجوم بالذاكرة إلى الوراء ويشدد على أهمية أن يكون مستوى المعلم فوق العادة. ويقول من تداعي الأفكار المختلفة أقول إن المستوى الخاص للمدرسين لا ينبغي أن يكون عاديًّا، ولعل النقطة المتعلّقة بهذا الأمر هي عدد الطلاب.. فعندما يشرف المدرس على 20 طالبًا يستطيع أن يعطي عناية خاصة لكل طالب من خلال التعرّف على مشكلاته واتجاهاته وعقباته لمعالجتها.. والأمر يختلف إذا كان لدى الأستاذ 50 طالبًا، إذ ستضيع جهوده ولا يستطيع أن يتفهم مشكلات وأبعاد هذا الكم الهائل من الطلاب.. في الماضي كان المجتمع ضيّقًا ومحصورًا للغاية.. إذ كنا -آنذاك- لا نتجاوز 20 طالبًا في مدارس الفلاح.. ولذلك فإنه كانت تربطنا صداقات حميمة.. ولا أقول إن وحدة المدرس لازمة باعتبار أن مراحل التعليم تحتاج إلى طاقات مختلفة من العلم، وإنّما ينبغي وجود المدرس على مستوى علمي وسلوكي وأخلاقي خاص، لأن التلميذ يقلّد أستاذه.. وسلوك الطالب يتوقف على سلوك أستاذه. ويضيف: أود أن أركّز على نقطتين: إحداهما أثارها الدكتور محمد عبده يماني، وتتعلّق بغيرة الناس، وينبغي أن تسجل أن الأستاذ إسحق عزوز له انتماء إلى مدرسته التي تعلّم ودرس فيها. وغيرته لمدرسته لا حدود لها. فقد أقنع الأستاذ إبراهيم الجفالي -يرحمه الله- ليتبرع لمدارس مكةالمكرمة بقطعة أرض سبق وأن اشتراها في المنطقة المشهورة بساحة إسلام، والتي سبق وأن أُقيم عليها ملعب للكرة آنذاك.. والشيخ إسحق منذ ذلك الوقت يجمع للفلاح، وبكتمان شديد من خلال علاقاته الشخصية. ولا يريد أن يعلم أحد بذلك.. وهو يبني الآن صرحًا ضخمًا يضم مدارس متكاملة “ابتدائي، إعدادي، ثانوي”.. وهذه الشخصية أنشأتها مدارس الفلاح.. ونحن حاليًا نحتاج إلى مثل هذا الشخص، إذ لا يقوم المجتمع إذا لم يكن هناك رجال على هذا المستوى يتفانون في خدمة هذه الأمة على أساس دينهم وعقيدتهم. مسؤولية المواطن ويتطرق الشيخ أحمد جمجوم إلى جانب آخر من تجربته: ويقول الشيخ محمد علي زينل الذي قدم من الهند ذات مرة، أقام له الشيخ سالم بن محفوظ حفلاً بهذه المناسبة.. فلمّا حضر ألقى كلمة يقول فيها.. إنه لم يعمل شيئًا يُذكر يستحق هذا التقدير.. وقال لهم اعذروني أن أزوركم في منازلكم فردًا فردًا ردًّا على حضوركم لهذا الحفل.. وفي ثاني يوم زارنا ونحن في جلسة الشيخ أسعد جمجوم في حارتنا القديمة.. وأضاف: “الحقيقة هذه أخلاق نادرة اليوم” فنحن حاليًّا لا نلتقي إلاّ في مناسبات.. ولي اقتراح أخير. أرجو من الشيخ أحمد يوسف زينل رئيس مجلس إدارة الفلاح أن يطلب، وأن يعمل بين القائمين في المدارس ليجمعوا أبناء الفلاح في حفل سنوي حتّى تستمر في أداء رسالتها، وهذا لا يتنافى أبدًا مع كل ما تقوم به الدولة من عناية ورعاية، وما تقدّمه من أموال لدعم التعليم، وينبغي من المواطنين دعم هذا الصرح ليواصل دوره في الحركة التعليمية بالمملكة، ونحن نهتم بتنشئة الابن ليكون مسلمًا صالحًا. مثال على الوفاء أمّا الأستاذ عبدالمجيد شبكشي وتأكيدًا لما ذكره الأستاذ أحمد صلاح جمجوم قال: هناك طرق استقيتها من كتاب “أعلام الحجاز” للأستاذ محمد علي مغربي يقول فيها: إن الشيخ عبدالرؤوف جمجوم الذي كان يعتبر الساعد الأيمن للحاج محمد علي زينل وأخيه الشيخ محمد صالح في تأسيس مدارس الفلاح، وفي مواكبة مسيرتها حتّى وصلت إلى ما هي عليه حاليًا ترك في وصيته أن مَن تزوّج من آل جمجوم ينبغي أن يدفع 50 جنيهًا، وهي “تكاليف الزواج” تُدفع لمدارس الفلاح.. بالإضافة إلى 30 جنيهًا تُدفع لمدارس الفلاح إذا مات أحد من عائلة الجمجوم. وقد اطّلعتُ في وصية الشيخ عبدالرؤوف جمجوم الذي كان صديقًا حميمًا للشيخ محمد علي زينل، وأحد الرجال الذين ساعدوه في تأسيس الفلاح إنه عندما أسس محمد علي زينل المدرسة، وسافر إلى الهند كان بعض التجار يساهمون باشتراكات نقدية، ومنهم الحاج محمود زاهد خال محمد علي زينل، الذي كان يتبرع بمبلغ شهري معيّن للفلاح. هذا ما سمعته، أو قرأته في وصية الشيخ عبدالرؤوف جمجوم. وقد يكون هناك بعض الأشخاص الذين أرادوا أن يشجّعوا مدرسة الفلاح في بدايتها، فكانوا يساهمون بهذه التبرعات التي تعهدوا بها. إلاّ أنه بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى توقفت هذه التبرعات. وذكر الشيخ عبدالرؤوف جمجوم هذا في وصيته، فقد انقطعت البضائع عن الوصول إلى المملكة، وبدأ محمد علي زينل يرسل إليه البضائع بالكوتة (بصورة محدودة)؛ ولأنها كانت لا تكفي، فقد اضطر عبدالرؤوف جمجوم أن يدفع ما عنده كي يستمر الانفاق على الفلاح بدلاً من إيقاف الدراسة فيها خلال فترة الحرب التي لم يكن يتوفر أثناءها المال اللازم، وقد استدان كثيرًا من أجل اتمام هذه المهمة واستمرار الدراسة بالفلاح. وقد دفع الحاج محمد علي زينل كل ديون الجمجوم، وسددها، وعوّضه عن كل المصاريف التي أنفقها على مدارس الفلاح خلال فترة الحرب. وكان محمد علي زينل يحظى بحب وتقدير الملك عبدالعزيز، والملك سعود، والملك فيصل -يرحمهم الله- فقد كانوا يقدرونه، ويحترمون مواقفه، ومكانته الرفيعة بين الناس قاطبة، سواء كانت لدى الحكومة أو المواطنين. وكلنا يذكر أن الملك عبدالعزيز كرّم مؤسسة الفلاح ومدارس الفلاح بزيارته لمدرسة الفلاح بجدة ثاني يوم وصوله إلى جدة، وكان -يرحمه الله- يحرص على أن نزوره كلّما حضر إلى جدة حتى أننا عندما تأخّرنا عليه مرة لظروف الاختبارات سأل عنّا، وعندما التقينا به خطب فينا (بعد أن علم أننا لم نستطع الاستعداد للقائه بالملابس اللائقة) قائلاً: (إنني لا يهمني إلاّ العلم أولاً، ولا تهمني ملابسكم بمثل ما يهمني علمكم). وكلمة جلالته هذه -يرحمه الله- أبلغ دليل على تقديره لمؤسس الفلاح، ولكل أبنائها، واعتزازه بمدارس الفلاح، والدور الذي قامت به في سبيل العلم ومسيرة التعليم بالمملكة. والأستاذ الشبكشي يروي جانبًا آخر عن الشيخ محمد صالح جمجوم، والدور البارز الذي لعبه في مسيرة مدرسة الفلاح، ويذكر واقعة تاريخية تؤكد حرص الشيخ جمجوم على سمعة المدرسة فيقول: لا يفوتني وأنا أستعيد هذه الذكريات أن أشير إلى ما كان للشيخ محمد صالح جمجوم من دور بارز في حياة المدرسة، فقد كان يتفقدها ما بين يوم وآخر بحكم وكالته عن مؤسسها الحاج محمد علي زينل، كما كان بارًّا بها وبأساتذتها وطلابها، فهو لا يبخل على هؤلاء وأولئك بعونه الذي كان يقدمه للجميع سواء كان هذا العون أدبيًّا أم ماديًّا. ويضيف: ولن أنسى له موقفًا لا يدل على أُبوة حانية فحسب، ولكنه يعكس مدى حرصه على سمعة المدرسة وكرامة طلابها. فقد حدث أن اعتدى أحد الطلبة على زميل له خارج المدرسة، وفي يوم العطلة الأسبوعية انهال عليه ضربًا، فلم يسعْ المعتدى عليه إلاّ أن يشكوه إلى الشرطة حيث سجنت المعتدي، وما أن علم الشيخ محمد صالح جمجوم بذلك حتى انتقل إلى منزل المعتدى عليه وتوجّه إليه وإلى كبير أسرته برجاء التنازل عن دعواه ليتسنى للشرطة إطلاق سراح زميله، ومن ثم تقوم إدارة المدرسة بتأديبه وكانت للشيخ محمد صالح جمجوم مكانة اجتماعية كبيرة استجاب معها المعتدى عليه وأسرته لطلبه وأطلق المعتدي ليتولى مدير المدرسة مجازاته. وقد كان الشيخ الجمجوم -رحمه الله- من القلائل الذين عاونوا المرحوم الحاج محمد علي زينل في تأسيس مدارس الفلاح والإشراف عليها طيلة حياته ومن ثم تولى هذه المهمة من بعده المرحوم الشيخ أحمد محمد صالح باعشن كما تولاها من بعده الشيخ احمد يوسف زينل. واستكمالاً للذكريات حول المرحوم الشيخ محمد صالح جمجوم يقول الأستاذ شبكشي: وعلى الرغم من المهام الكبيرة التي كان يقوم بها الشيخ محمد صالح جمجوم كمشرف على مدارس الفلاح ومسؤول عنها ثم كمدير للأوقاف في جدة، فقد كان يقوم الى جانب ما اشرنا اليه بواجب اجتماعي وانساني نبيل فيكفل امناء الصناديق في الاجهزة الحكومية. صور العطاء وممّا يذكر له بالحمد أنه كان يستضيف عددًا كبيرًا من الشناقطة ممّن كانوا يصلون الى جدة في طريقهم للحج أو للعمرة، أو الزيارة، كما كان -رحمه الله- يسعى لدى مختلف الاجهزة في قضاء حوائجهم. وكثيرا ما كنت استقبله أثناء عملي في الشرطة وهو يحمل أوراق هذا الوافد أو ذاك ممّن يستعينون به في قضاء حوائجهم. وكم شاهدته عند زيارته لمدرسة الفلاح، وهو يحنو على الصغير قبل الكبير في أُبوة نابضة بالحب الذي يفيض به قلبه، وهو الحب الذي شمل كل مَن اتّصل به أو تعرّف عليه -رحمه الله تعالى-، وأجزل له المثوبة جزاء ما قدّم للآخرين من عون كريم، وهو السمة البارزة التي كان يتيمز بها، والصلة الوثيقة التي كانت تربطه بمجتمعه وتجعل منه عنوانًا للخير في أروع صورة، وأكرمها عطاء.