كان عدة رجال في رجل واحد ، فهو الشغوف بالعلم ، الحريص على رعاية الفقراء مهما كلفه ذلك من صعوبات وكلفة مالية . أرسل بعض الطلاب النابهين إلى الدراسة في الهند وتكفل بمساعدة أسرهم على المعيشة سواء في جدة أو مكة . انطلق براتب لايزيد على 10 روبيات ليصنع امبراطورية تجارية واسعة في تجارة اللؤلؤ والألماس والأحجار الكريمة مستفيدا من فطنته وذكائه وإجادته للعديد من اللغات . انه محمد على زينل أحد الأعمدة الرئيسة في بيت زينل التجاري الذى أخذ على عاتقه نشر العلم بالتوسع في إقامة مدارس الفلاح في العديد من العواصم العربية حتى وصل إلى الهند. ولد الحاج محمد علي زينل في مدينة جدة عام 1301ه ونشأ في بيئة تغلب عليها المحافظة والتمسك بأهداب الدين والفضيلة . ورغم أن البعض قد يصف الاسرة بانها ارستقراطية ، لكن شخصية محمد علي منذ طفولته كانت موهوبة فهي ترفض الارستقراطية والدعة وتميل إلى العمل في صمت ونكران الذات وكانت ترفض بل وتستنكر الفخفخة وتضطرم بين جنبيها نوازع المبادرة إلى مساعدة الناس ورفع مستواهم عن الجهل والتخلف والسذاجة. ولهذا أعد نفسه منذ صباه للدراسة والاغتراف من العلم والثقافة بعد أن تزود وهو طفل بالقراءة والكتابة والقرآن الكريم ومبادئ الفقه وتطبيق ما لقنه ابواه ومعلموه من المعلومات الدينية على العمل بها خصوصا وهو بجوار مكةالمكرمة كان يحضر في كثير من الأحيان الدروس التي يلقيها بعض العلماء في الحرم المكي ويستمع ويبحث ويشارك الطلبة في الحصول على المعلومات القيمة من أولئك العلماء ولكن يظهر أن الظروف المحيطة به لم تمكنه من التفرغ التام فقرر التوجه الى الأزهر ليشبع رغبته في الحصول على العلوم العقلية والنقلية التي تدرس فيه. وقد سافر إلى القاهرة لينتظم في سلك طلبة الأزهر ولكن لم يرق لوالده وجوده بعيدا عنه و الاسرة والوطن ولم يستطع ان يتحمل فراق ابنه الذي هو في أشد الحاجة إلى قربه فسافر في أثره ولم يعد إلا به بعد أن أقنعه بالعودة. عاد ولكنه لم يزل مهتما بالعلم والمعرفة 0 ومن محفوظاته مقامات الحريري الشهيرة في اللغة والأدب والقصة. وكان يخطب باللغة العربية الفصحى ويجيد اللغات الإنجليزية والفرنسية والفارسية والأوردية الى جانب لغته العربية . واشتهر بحبه الإحسان إلى المساكين وصادف عصرا يكثر فيه أصحاب الحاجة ويقل فيه الرخاء فكان لعطاياه وصدقاته اليومية أثر بالغ في تخفيف أزمات الكثيرين من الفقراء والمساكين. ومن عادته أنه إذا انتهى من صلاته في المسجد ينفح من حواليه من المصلين بالنقود فكان الراغبون في هباته يتبادرون إلى الصلاة بجانبه. ويقول بعض الثقاة أنه كان يبحث بنفسه عن الفقراء من الحضر والبدو ليباشر بنفسه صلاتهم والتصدق عليهم وكأنه يجد في هذا لذة وانشراحاً.. وكأن حاله يترجم بيت الشعر الذي يقول: تراه اذا ما جئته متهللا كأنك تعطيه الذي أنت سائله و كانت أم الحاج محمد علي زينل واسمها آمنة بنت علي الزاهد صالحة عطوفا على المحتاجين ولعله ورث من أبويه الكرم وحب الإحسان وعمل المعروف إلا أنه زاد عليهما وجسد معظمه في تشييد مدارس الفلاح وفيما اشتملت عليه من وسائل العلم والمعرفة ومن موظفيها وخريجيها. تأسيس مدارس الفلاح وكانت روحه متوثبة دائما لا تعرف الخمود ولا الجمود فهو يريد ان ينفذ كل ما يختلج في صدره وفي فكره من آراء ويريد أن يبرز مخططاته العلمية والثقافية والاجتماعية إلى حيز الوجود لا يهدأ له بال حتى يرى ذلك حقيقة واقعة. فبدأ بتأسيس مدرسة الفلاح بجدة وهو في عنفوان شبابه إذ كان في أوائل العقد الثالث من عمره وكان تأسيسها في 9 شوال سنة 1323ه الموافق 7 ديسمبر سنة 1905م. كما تم تأسيس فلاح مكة بعدها بست سنين تقريبا في عام 1330ه . ووجد له أصدقاء من نوعيته لا تنقصهم الغيرة على دينهم ولا يفقدون الإخلاص لوطنهم وهم : عبدالرؤوف جمجوم - يحيى سليم - محمد صالح جمجوم - محمد حامد احمد الحسيني - عطاء الله الفاروقي - عبدالله حمدوه -مصطفى نيلاوي ومن هذه الشخصيات تكون مجلس نظار مدارس الفلاح الذي ترأسه الحاج محمد علي زينل إلى أن توفى. وكان الحاج محمد علي هو الذي ينفق على مدارس الفلاح بجدة في معظم ما تحتاجه ولهذا سافر الى الهند وأصبح يرسل لها ولفلاح مكة النفقات الكبيرة من أرباحه هناك إلى أن قامت وزارة المعارف بضم المدارس وتمويلها عن طريقها مباشرة. الزوجة الصالحة ولما عرض المبنى الذي تشغله مدارس الفلاح في ابتداء الامر للبيع (وهو المبنى الذي فيه القسم الابتدائي بجدة اليوم) لم يكن لدى مؤسسها الحاج محمد علي زينل شيء يذكر من حطام الدنيا حتى يشتريه به ويقال ان مرتبه كان في هذا الوقت عشر ربيات ، وكان يرى ان المبنى صالح للمدرسة في موقعها وتصميمه وقتئذ فكاشف زوجته بما في نفسه. فلم يكن منها (واسمها خديجة بنت عبدالله علي رضا عم الحاج محمد علي زينل) سوى تقديم حليها ومجوهراتها لتباع ويشترى المبنى بثمنها وفعلا تم ذلك. و لم يتوقف الحاج محمد علي عند هذا الحد بل أسس مدرسة فلاح بمدينة بومباي بالهند لأبناء الجالية العربية لتدريس العلوم الدينية والعربية والرياضية. واستمرت هذه المدرسة تؤدي واجبها نحو عشر سنوات ثم توقفت قبيل الحرب العالمية الثانية حوالي سنة 1360ه بسبب الازمة الاقتصادية وقتذاك. كما أسس مدرسة الفلاح بدبي سنة 1347ه على نفس الأسس التي قامت عليها مدارس الفلاح بجدة.. ويظهر انها لم تعمر طويلاً لاسباب اقتصادية في الاكثر.. ولهذا فتح مدرسة فلاح خامسة موقعها بالبحرين فاعترضت عليه الحكومة البريطانية بواسطة ممثلها ومستشارها بالبحرين على المنهج الدراسي الاسلامي بشدة وضمتها الى مدارسها بعد ان كانت أهلية على حسابه لمدة خمس سنوات. وأسس مدرسة فلاح للبنات فيها ووقع لها ما وقع لزميلتها بالمثل وتأسيسها سنة 1347ه. وبالاضافة الى مدارس الفلاح فقد أسس في ذلك العهد نادي المجتمع وهو نادي علمي اجتماعي انتظم فيه كثير من كبار السن من المواطنين ومن بين اعماله تنظيم دروس يلقيها بعض العلماء بمدينة جدة وكان الحاج محمد علي زينل يستلم مرتبا ضئيلا من والده يقدر بعشر روبيات شهرياً لقاء عمل تجاري يقوم به من أعمال والده واسرته. وقد خطط للقيام بتجارة واسعة مركزها بومباي في الهند وتمتد فروعها ومكاتبها في بلاد الخليج العربي حيث كان يشتري اللؤلؤ من مغاصاته في الخليج وخاصة البحرين ويبيعه في الهند ثم فتح له مكاتب في لندن وباريس وكان يدير هذه التجارة بنفسه من مركزها (بومباي) وينتقل بين فروعها وبين مسقط رأسه ومهد تجارة أسرته (جدة ). واتسعت تجارته في اللؤلؤ وأضاف إليه الألماس والأحجار الكريمة وأفاض الله عليه من الأرباح الطائلة من هذه التجارة وكانت له خبرة تامة بتمييز اللآلئ الكريمة ودرب على ذلك عدداً لا يستهان به من مواطنيه وموظفيه. وكان يتحرى في أعماله التجارية الصدق والأمانة وحسن السمعة وكان لهذا أثره العظيم في نمو تلك التجارة وازدهارها. 13 ألف جنيه ذهب وبلغت نفقاته على مدرستي فلاح جدةومكة سنوياً ثلاثة عشر ألف جنيه ذهباً غير النفقات الأخرى لجهات البر والاحسان لمدة لا تقل عن ثلاثين سنة متتابعة وهذا يعطينا صورة صحيحة عن كرمه السهل وعلو همته وبذله في سبيل العلم والخير ومن جهة اخرى يدل ذلك على حسه التجاري وذكائه وحذقه في اعماله التجارية الواسعة بدون جشع ولا طمع. و لما ظهر اللؤلؤ الصناعي – خصوصا ما تنتجه بعض المصانع اليابانية – كان لهذا اثر كبير في انخفاض اسعار اللؤلؤ الطبيعي مما ادى الى تأخر تجارته وكان من نتيجة ذلك إقامة مشروع ( قرش الفلاح ) الذي باركته الحكومة لدعم هذه المدارس. زواجه من سيدة انجليزية وبحكم تجوله في البلاد الاسلامية والاجنبية ومعرفته وخبرته بكثير من الاجناس والشخصيات فقد عرف من بين اولئك امرأة انجليزية أسلمت على يديه فتزوجها. ولعل من أهم أسباب زواجه بها قوة رغبته في رعايتها للاسلام وتعليمها مبادئه واخلاقه العالية وتعاليمه الزكية. وعاشا معاً مدة طويلة من الزمن وانجبت ثلاث بنات ثم افترق الزوجان وبقيت البنات تحت رعاية ابيهن. بعثاته للتخصص في العلوم وفي سنة 1348ه بدأ زينل بابتعاث بعثتين من متخرجي مدارس الفلاح بمكةوجدة إلى بومباي- مقر عمله الرئيسي- إحداهما تجارية لدراسة الشؤون التجارية عملياً. أما الأخرى فهي علمية للتخصص في علوم الدين الإسلامي. وقد نظم من المبعوثين مدرسة عليا تحت إشرافه المباشر ببومباي وتعاقد مع علماء كبار متخصصين جلهم من الشام وغيرها من بلاد العروبة والإسلام ليقوموا بواجب تعليمهم وتثقيفهم ثقافة إسلامية وعصرية. وكانوا يعيشون معه كأبنائه ويصرف لهم لوازمهم إضافة إلى ما يصرفه من رواتب شهرية لأوليائهم بمكةوجدة. وقدخصص لولي كل طالب ستة جنيهات ذهباً شهرياً. ومن بين هؤلاء من مكةالمكرمة السيد إسحاق عزوز ، الشيخ عبدالله عثمان، الشيخ حسن كتبي، الشيخ محمد عبداللطيف، الشياخ سامي كتبي، الشيخ محمد لنقا، الشيخ أحمد الجفري، الشيخ مصطفى برناوي، الشيخ محمد وزير علي، الشيخ جعفر فلمبان. ومن جدة الشيخ عبدالحميد مطر، الشيخ عبدالفتاح عبد ربه، الشيخ أحمد بامفلح، الشيخ خليل رشيدي، الشيخ عمر غراب، الشيخ علي عيد، الشيخ عبدالكريم بكر، الشيخ أحمد بلينه، الشيخ أحمد هندي، الشيخ محمد العوضي. وكان في نيته أن يوالي البعثات العلمية دائماً بطريقة منتظمة ومستمرة إلا أن ظروفه المالية لم تساعده ولكنه أصاب الهدف حين تخرج من مدارسه –مدارس الفلاح- علماء كبار أصبحوا فيما بعد من قادة الأمة الإسلامية عبدالله زينل .. تلقى عقال مقصب هدية من الملك عبد العزيز يعد القائمقام عبدالله علي رضا زينل من أعيان جدة المرموقين وقد عينه الملك حسين بن علي قائم مقامية جدة بدلاً عن الشريف محسن بن منصور الذي تم نقله إلى مكةالمكرمة ، وقد مكث الحاج عبدالله علي رضا زينل في منصبه إلى العهد السعودي الزاهر حتى توفي . وقد كان قصير القامة ممتلئ الجسم واسع العينين أبيض اللون اشيب اللحية والعارضين كان يرتدي الجبة والعمامة الحجازية وظل محتفظاً بهما الى آخر حياته ولكنه كان يرتدي العباءة والعقال المقصب حينما يذهب للقاء جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز ولذلك قصة رواها ابنه الشيخ محمد عبدالله رضا حيث قال: كان والدي يوماً في مجلس جلالة الملك عبدالعزيز فاهداه جلالته عقالاً مقصباً فكان بعدها يرتدي العباءة ويضع هذا العقال المقصب كلما ذهب للقاء جلالته. وقد كان الملك عبدالعزيز يؤثر الحاج عبدالله علي رضا بمودته واكرامه فلم يعين أميراً لمدينة جدة طيلة حياته ، وقد كان واسع الثراء وقام هو واخوه زينل بتأسيس بيتهم التجاري في جدة عام 1284ه ثم قاما بتأسيس فرع لهم في مدينة بومباي بالهند وحينما انقسمت الهند الى دولتين بعد الاستقلال انتقل بيتهم التجاري الى مدينة كراتشي مع ميلاد دولة باكستان. ولعل ما لفت النظر في تاريخ الحاج عبدالله علي رضا ليس قدرته على الاحتفاظ بمنصبه كحاكم اداري لمدينة جدة خلال ثلاثة عهود سياسية مختلفة فحسب وانما محاولاته الاولى لاستخلاص الاعمال التجارية من ايدي الاجانب الذين كانوا يسيطرون عليها . و كان الحاج عبدالله علي رضا يعيش بين الناس وكأنه فرد منهم لا يشعرهم بهيمنة الحاكم ولا بسلطان الحكم، وحينما كبر ابنه البكر محمد (الشيخ محمد عبدالله رضا وزير التجارة الأسبق) أراد ان يزوجه ويفتتح له بيتاً تجارياً خاصاً باسمه وكان المنزل الذي يسكنه ال الجمجوم تعود ملكيته إلى زوجة الحاج زينل فطلب الحاج عبدالله من الشيخ محمد صالح جمجوم اخلاء المنزل لهذا الغرض فامتنع الشيخ محمد صالح عن ذلك قائلاً اننا نسكن هذا البيت من عشرات السنين وفيه محلنا التجاري وعوائلنا الكثيرة ولا نجد بيتاً اخر يسعنا فنحن أحوج إليه منكم، لم يلجأ الحاج عبدالله إلى سلطته كحاكم، ولا إلى صلته الشخصية بجلالة الملك أو سمو النائب العام، وإنما ذهب إلى كبير تجار جدة الشيخ عبدالرحمن باناجة رحمه الله وشكا إليه الامر وطلب منه ان يفصل فيه باعتبار ان القضية هي بين تاجرين يحتكمان إلى كبير بينهم، وبهذا الأدب العالي كان يتصرف هؤلاء الرجال الكبار، وكان الحاج عبدالله يستقبل الناس في بيته التجاري ويقرأ معروضاتهم ويشرح عليها بخط يده ويحيلها إلى الجهات المختصة في بساطة ويسر وكان يخلط نفسه بزملائه من التجار فيزورهم ويزورونه وكان يعتبر نفسه مسؤولاً عن المدينة التي يمثل الدولة فيها . في عام 1352ه مرض الحاج عبدالله علي رضا مرضا طويلا في مدينة الطائف وكان يصيف بها فكان جلالة الملك عبدالعزيز يزوره في الدار التي ينزل فيها بالمثناة ويكرر له الزيارة وقد قدم المرحوم الحاج محمد علي زينل ابن اخيه خصيصا لزيارته من الهند واستقدم معه الطبيب المصري الشهير محمد عرفان بك ولكن المنية عاجلته فتوفى بمدينة الطائف في صيف عام 1352ه وحضر الصلاة عليه المغفور له الملك عبدالعزيز ودفن بمقبرة ابن العباس . قاسم زينل .. سياسي ومثقف طليعي ولد النائب قاسم زينل علي رضا في جدة وشب كبقية أقرانه في بيت زينل يقدم نفسه بشكل لافت في المجتمع وفي الأحداث السياسية حتى أنه كان مندوب الحجاز في البرلمان التركي باسطنبول وكان إسم قاسم زينل حاضراً بقوة في أول انتخابات حديثة ( البرلمان النيابي الاتحادي) عام 1908 . وفي 4 نوفمبر من هذا العام أعلن الحاكم الإداري، كاظم باشا، لوزارة الداخلية العثمانية، أسماء الثلاثة الفائزين في انتخابات اقليم الحجاز وهم: عبدالله سِرَاج (عن مكة)، والسيّد عبدالقادر هاشم ( عن المدينة)، وقاسم زينل علي رضا (عن جدة ). وكانت جدة قد شهدت احتفالاً ذائع الصيت في قاعة المدينة، وإلى جانب المكتب البريدي شُيّد هيكل خشبي يناظر “قوس النصر” احتفالاً بطليعة الإصلاحات الدستورية، أما في مكة، فقد احتشدت كل الشخصيات العامة في حفل عسكري حاشد شهدته ساحة قلعة أجياد، أما في المدينة فقد انخرط عدد كبير من شيوخ القبائل البدوية في الانتخابات واحتفالاتها المصاحبة،واستمعوا إلى جانب الأهالي وموظفي الحكومة العثمانية، إلى خطبة مدير المراسلات عن أهمية الدستور الجديد. كان عبدالله سِرَاج، وجيهاً مكياً ومفتياً للأحناف في مكة وإماما للحرم المكّي -وقد عيّن لاحقاً رئيسا لمجلس الوكلاء (الوزراء) بالحجاز في العهد الهاشمي وقاضياً للقضاء-، أما عبدالقادر هاشم فقد كان مفتيا للأحناف في المدينة و”سليل بيت له قِدم وقِيمة في المدينة” كما يقول النسّابة محمد حسين زيدان، فيما كان قاسم زينل، مثقفاً طليعياً مُجدداً، وسليل بيت علي رضا زعيم البيوتات التجارية الجدّاوية. ولم تخل تلك الانتخابات من المفارقات والمواقف الطريفة. يقول القنصل البريطاني في جدة، السير مكماهنون، في مذكراته عن تلك الانتخابات، إنه ولمدة شهرين ظلت الحكومة المحلية في جدة تدعو المواطنين إلى تسجيل أسمائهم ليحق لهم التصويت والاقتراع في اختيار من سيمثلهم بإسطنبول، غير أن الأهالي والسكان تجنبوا ذلك ظنا منهم أن تلك حيلة لجمع اسماء يراد منها دفعهم في ساحة التجنيد العسكري الإجباري وللخروج من ذلك المأزق، تم تعميد ثلاثة “شيوخ انتخابات” ليختاروا 600 شخصية وجيهة لتنتخب نائبا فيما بينها بالاقتراع السري، وكان أن تقلصت تلك المجموعة إلى خمسة وعشرين فرداً، صوّت غالبيتهم إلى قاسم زينل.. و يخلص مكماهون إلى أن الإقبال الشعبي في أول انتخابات حديثة جرت في جدة، كان بسيطاً ورمزياً. كان التفات قاسم زينل للشأن العام يرجع الى وعي الرجل الطليعي، وخلفية اكتسابه علما رفيعا في حقل الصحافة حصّل عليه إبان دراسته الجامعية في مصر، كما دفعته التجارة المتعثرة هبوطاً حينها لبيت عائلته إلى حسم موقفه نحو الخدمة العامة. وبالرغم من شحّ التراجم التي تتناول شخصية قاسم زينل، وتضارب الأخبار حولها، الا أنه كان أحد أبرز الشخصيات الوطنية الثورية التي نشطت ضد سياسات التتريك، وكاد أن يُعدم في إحدى المرات قبل أن يشمله عفو سياسي، كما كان أحد الروافد الفكرية التي أفضت إلى النهضة الأدبية والفكرية في الحجاز؛ كما كان إلى جانب، العمالقة، محمد سرور صبّان ومحمد طاهر دبّاغ وعبدالوهاب آشي، آباء الحداثة الأدبية والفكرية والعلمية والسياسية وكان قاسم زينل عضواً في أول حزب وطني سياسي تم تأليفه في تاريخ الحجاز أثناء حكم الأشراف وبالتحديد قبل تولي الشريف علي بن الحسين الحكم ملكاً على الحجاز في أوائل الاربعينات من القرن الهجري الماضي.. وكان هذا الحزب قد تشكل بطريقة انتخابية وقد تكون من محمد الطويل رئيساً ومحمد طاهر الدباغ سكرتيراً بالاضافة لعضوية كل من سليمان قابل ، وقاسم زينل ، وعبدالله علي رضا زينل، ومحمد نصيف ، ومحمد صالح نصيف، وعلي سلامة.. وكان من نتائج جهود هذا الحزب أنه استطاع إقناع الحسين بالتنازل عن ا لعرش والخروج من مكة عام 1343ه