أكد الشيخ فرحات المنجي الرئيس الأسبق للجنة الفتوى أن مواقف العلماء تباينت من الحديث الشريف الذي قال فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم: «استفتِ قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك» ولا خلاف في أن الحديث ثابت وصحيح ولكن العمل به ليس مباحا في كل زمن وحين ومع كل فتوى، حيث يشترط لتفعيل هذا النص أن يكون قلب المسلم سليمًا، فلا يعني استفتاء أن يأخذ المستفتي الفتوى التي تلقى قبولا وهوى في نفسه ورغباتها لأن القلب المشحون بالهوى سيكون مصروفا فعلا عن الحق، فكيف له أن يُستفتى، لهذا فإن كل قلب مريض بشبهة أو شهوة لا يحق له استفتاء قلبه بحال من الأحوال، وهكذا فإن أول شرط كي يستفتي المسلم قلبه أن يكون القلب سليمًا من الآفات كما تقدم، حيث يقول الغزالي في هذا «استفتاء القلب إنما هو حيث أباح الشيء أما حيث حرم فيجب الامتناع ثم لا يعول على كل قلب، فرب موسوس ينفي كل شيء ورب متساهل نظر إلى كل شيء فلا اعتبار بهذين القلبين وإنما الاعتبار بقلب العالم الموفق المراقب لدقائق الأحوال فهو المحك الذي تمتحن به حقائق الصور وما أعز هذا القلب»، والشرط الثاني كي يستفتي المسلم قلبه هو أن يتأكد لديه أن المفتي الذى لجأ إليه يفتقد الشروط المؤهلة للفتوى وأنه لم يتبع أحكام القرآن والسنة أما إذا كان العالم الذي لجأ إليه المستفتي موثوقا في علمه الشرعي ورجاحة عقله فعلى المستفتي الأخذ برأيه حتى إن لم ينشرح لهذا الرأي صدره ما دام المفتي رد الأمر للقرآن والسنة النبوية بل ينبغي عليه أن يتلقى ذلك بانشراح الصدر والرضا، أما ما ليس فيه نص من الله ورسوله ولا عمن يقتدي بقوله من الصحابة وسلف الأمة فإذا وقع في نفس المؤمن المطمئن قلبه بالإيمان، المنشرح صدره بنور المعرفة واليقين منه شيء، وحك في صدره لشبهة موجودة، ولم يجد من يفتي فيه بالرخصة إلا من يخبر عن رأيه، وهو ممن لا يوثق بعلمه وبدينه، بل هو معروف باتباع الهوى، فهنا يرجع المؤمن إلى ما حك في صدره وإن أفتاه هؤلاء المفتون». وأضاف: يجب على المسلم أن يكون مخلِصا صادقا في السؤال ويجب عليه أن يطرح سؤاله في قالب محايد لا يوجه المفتي لقول دون آخر أو يطرح الأمر بصورة مشوهة بل يتجرد في الإخبار والصورة حتى يظهر له الحق بإذن الله فإن الفتوى متى وقعت على صورتها في الواقع فهى فتوى صحيحة وإلا كانت فتوى باطلة لا يعذر المستفتي بالعمل بها ولنا أن نعرف أن معظم ما نطلق عليه خلافا بين العلماء والمفتين هو في حقيقته عائد إلى اختلاف أسئلة المستفتين وما يرغبون فيه من إجابات.