رغم أن التقرير الصادر مؤخرًا حول استشهاد الرئيس عرفات لم يأت بجديد، لأن أصابع اتهام العالم كله أشارت حينذاك إلى إسرائيل باعتبارها الجهة التي كانت وراء تلك الجريمة وحيث لم يخف قادتها نيتهم المبيتة تلك، إلا أن الجديد في التقرير هو تحديده المادة السامة التي تسببت في الوفاة، وهي مادة (البولونيوم) المشعة التي أمكن الاستدلال عليها من قبل أحد المختبرات السويسرية في بعض مقتنياته، بما أثار أصداء واسعة في الأوساط الفلسطينية والعربية والدولية، لاسيما وأن تلك المادة لا يتم إنتاجها إلا من قبل دول محددة. هذا التطور الدراماتيكي في جريمة قتل عرفات بعد ثمانية أعوام من رحيله فتح الباب واسعًا أمام استكمال التحقيق على أسس جديدة للوقوف على الحقيقة الكاملة بدءًا من تحديد الجهة التي بإمكانها انتاج تلك المادة والكيفية التي وصلت بها إلى أيدي الجناة، والشخص والأشخاص الذين شاركوا في هذه العملية التي تم من خلالها وصول البولونيوم في نهاية الأمر إلى جسد الضحية. ما يدعو إلى الشك في ملابسات تلك الجريمة أن النتائج المخبرية التي أعلن عنها ذلك المختبر السويسري تتعارض مع النتائج التي ذكرت في الملف الطبي لعرفات من قبل المستشفى العسكري الذي نقل إليه في باريس. لكن ما أعلنته السلطة الفلسطينية عن نيتها السماح بأخذ عينة من رفات الزعيم الفلسطيني الراحل للتأكد من احتوائها على هذه المادة المشعة في المختبر المذكور يعتبر بداية الخيط الذي لابد من أن يؤدي في نهاية المطاف إلى اكتشاف دور إسرائيل في تلك الجريمة وعما إذا كان هنالك عملاء من الداخل أو الخارج تواطؤا معها في تنفيذها. أما ما تردد حول مطالبة البعض بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في تلك الجريمة وتشبيهها بجريمة اغتيال الرئيس اللبناني الأسبق رفيق الحريري فينطوي على صعوبة بالغة، أولاً للاختلاف الكبير في طبيعة الجريمتين، وثانيًا لأن هذا النوع من المحاكمات يستغرق فترات زمنية طويلة. الحالة الفلسطينية تبدو أقل تعقيدًا لأنها تتطلب فقط معرفة العميل أو العملاء الذين أوصلوا (البولونيوم) إلى داخل مبنى المقاطعة، وحيث يفترض أن يكونوا من بين من كان يسمح لهم بالدخول إلى المبنى.