تمكّن محرك البحث العالمي الملقّب ب»الشيخ جوجل» من اعتلاء منابر الجمعة في كثير من المساجد، في هيئة خطباء يُلقون خطبًا جاهزة يُمكن الحصول عليها بسهولة عن طريق البحث في الإنترنت، مما أفقد المنبر هيبته، وسهّل لكثير من قليلي العلم اعتلاء المنابر، في واحدةٍ من أهم المناسبات والشعائر الشرعية. تتنوّع الخطب الجاهزة بين خُطب ضعيفة مكتوبة بلغة ركيكة، وبين خطب لخطباء مشهورين مثل أئمة الحرمين، انتشرت في الإنترنت بعد تفريغها من قبل مواقع متخصصة في هذا الشأن. يقول الدكتور عبدالله بن صالح العبود رئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية لا ينبغي للخطيب أن يلتقط خطبه ممن سبقوه في عصور تعالج قضايا مجتمعهم مما اندثر في واقعنا المعاصر، كما لا يستساغ أن يأخذ خطبه من واقع مجتمعات أخرى بائنة قضاياها وواقعها بونًا شاسعًا عن مجتمعه الذي يعايشه، فإذا اتّسم الخطيب بالخطب التي لا تتفاعل مع قضايا المجتمع من خلال واقعه أصبح بلا جدوى. وأضاف العبود أن مما يزيد الفجوة لجوء بعض الخطباء إلى خطب الإنترنت الجاهزة وهي الأخرى قد تكون فيها أضرار أكبر من نفعها، أو تكون عديمة الفائدة. وقال إن المتأمل لما عليه حال الخطباء أولئك يستنتج أمورًا من أبرزها: ضعف تأهيل الخطيب لغويًّا ودينيًّا وثقافيًّا، ولربّما دخل غير المؤهلين أساسًا في هذا الأمر، وفاقد الشيء لا يعطيه، وبعض الخطباء لا يفرّغ للخطبة وقتًا وجهدًا ودراسة لواقع مجتمعه لقلة الاهتمام أو لانشغاله، والمعلوم أن انشغاله في إعداد خطبته أولى وأحرى. ولفت العبود إلى ضرورة قيام المسؤولين عن الموضوع بإعادة النظر في اختيار الخطباء على نحو ينفع المجتمع ويُنير عقولهم ويفيد المتعلمين والمثقفين على اختلاف مستوياتهم وثقافتهم. الشيخ محمود بن كابر الشنقيطي إمام وخطيب ومحاضر بجامعة الملك سعود يفرّق في هذا الأمر بين الخطيب العاجز عن الإعداد والخطيب القادر على البحث والنظر، ويقول: إن هذا التصرُّفَ في نظره يختلف استحسانًا واستهجانًا من خطيب لآخَر، فالعاجزُ -وإن لم يكن ينبغي له التقدم للخطابة- حسَنٌ منه سحبُ الخطب من الشبكة المعلوماتية إذا كان يقتبس خُطَبه من خُطباء ذوي علمٍ وبصيرة وتأصيل، لأنه بهذا التصرف يضمن ألا يَضلَّ ولا يُضلَّ، وهو بلا شكٍّ حامل فقه ورسول مبلغٌ، وإن كان الأولى به الجلوس مع المأمومين. ويرى مشرف التدريب بإدارة التربية والتعليم في المدينةالمنورة إبراهيم بن سعيد الحربي أن من أسباب لجوء بعض الخطباء إلى الخطب الجاهزة ضعف المكنة أو التمكّن العلمي والمهاري مما يحمله على الاستعانة بغيره، وضعف القدرة على التحضير مما يفقده القدرة على آلية التحضير ومعرفة الكتب المقصودة وطريقة علاج المشكلات، وضعف إدارة الوقت فيسوّف في تحضيرها حتى تأتي الجمعة فيبحث عن شيء جاهز، كما أن بعضهم يرى أن الخطب الجاهزة أكمل نصًّا وإعدادًا وفي اعتقاده أنها أنسب للمصلين من خطبة يعدّها هو، مشيرًا إلى أن تدفق الخطب على الشبكة المعلوماتية في معظم الموضوعات والمشكلات التي يرى الخطيب أهميتها قد سهّل للخطيب القص مما يريد ثم إلقاءه.