أدرك صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة كبد الحقيقة بأطروحته الملحة إلى تفعيل دور خطباء المنابر، وتعزيز مفاهيم التنمية الشاملة، وتبلورت تلك الاستجابة الفورية بعقد ورشة عمل سوف تنعقد في 24 ربيع الآخر بمكةالمكرمة، تحت إشراف الإمارة عن »دور خطباء الجمعة في مشروع التنمية بالمملكة» بالتطبيق على منطقة مكةالمكرمة. ويتفق كل المهتمين بإعلاء شأن تلك الأمة على أهمية تعزيز مفهوم التنمية الشاملة بشقيها الاجتماعي والاقتصادي من بوابة خطبة الجمعة لتأثيرها الكبير في جمهور المتلقين، وحشد المواطنين للمشاركة في عملية التنمية بالمملكة، مؤكدين أنها خطوة مهمة في تفعيل دور الأئمة والخطباء في حثِّ المواطنين على المشاركة في عملية التنمية. وعطفا على ذلك تبرز مجموعة من الأسئلة، ونعني بها: ما الدور المأمول الذي يمكن أن يقوم به خطباء الجمعة في إشاعة مفهوم التنمية؟ وكيف يمكن ترجمته على ارض الواقع ليكون مشروعا حقيقيا ينهض بالمجتمع ويجعل المواطن شريكا جادا بجانب الدولة وقطاعات التنمية الأخرى؟ وما مقومات نجاحه، وكيف يمكن توفيرها؟ وما العقبات التي يمكن تواجهه الخطيب أو الداعية أثناء محاولته إشاعة أو تطبيق مثل هذا المفهوم؟ وقبل ذلك كيف يمكن تأهيل الخطباء على أداء هذا الدور التنموي بكفاءة واقتدار؟.. تساؤلات أخرى طرحتها «الرسالة» على عدد من المفكرين والشرعيين. فإلى مضامين ما قولوا به في ثنايا هذا التحقيق: في البداية يؤكد الداعية الشيخ إبراهيم الحارثي، أنّ نشر ثقافة التنمية بكل أشكالها عبر المنبر جزء من واجبات الخطيب أو الداعية، الذي من المفترض أن تكون لديه معرفة كبيرة بقضايا المجتمع، وألا يترك مجالًا من المجالات والتي فيها فائدة وخير للمجتمع والأمة ككل إلاّ وأبدى فيها وجهة نظره. ونوه بأن ّ فكرة التنمية وإشاعتها من الواجبات الشرعية للخطيب، حيث لا بدّ أن يعرف مفهوم التنمية بشكل صحيح وبخاصة تلك المتعلقة بدينه ودنياه ويعمل على عرضها ويشارك في صياغتها وإعدادها وأن يكون قريبًا في خطابه من الشارع، ويعرف كيف يؤثر في الآخرين والمراحل التي سيحققها، مضيفًا أنّ الخطيب أو الداعية قادر بلا شك على التفاعل مع الناس في مثل هذه القضايا وإشاعاتها بينهم. ويرى الحارثي أهمية تأهيل وتدريب خطيب الجمعة قبل البدء في إشاعة مفهوم التنمية، إذ انّه من المفترض أنه لا يسير في مجال الخطابة إلاّ وقد أهل نفسه بشكل صحيح، وأن تكون لديه القدرة على إيصال الرسالة للآخرين، وأن يعرف كيفية مخاطبتهم على قدر عقولهم. ما زال ضعيفا من جهته يرى الأكاديمي والباحث الشرعي الدكتور خالد الحايك، أنّ دور خطباء المساجد في إشاعة مفهوم التنمية وتفعليه عبر المنبر ضعيف، لأنّ كثيرًا من الخطباء غير مؤهلين، وثقافتهم محدودة، وفاقد الشيء لا يعطيه، متسائلا عن كيفية مساهمة الخطيب في إشاعة هذا المفهوم وهو غير مدرب على التعامل مع هذه الثقافة وغير مواكب للتطورات حوله، ونوه على أنّ إشاعة التنمية في المجتمع مطلب ديني لما فيه لهذه الأمة من رفعة ومنافسة الأمم الأخرى في التقدم الثقافي والعلمي والاقتصادي، إذ انّه من المعلوم بحسب الحايك أنّ خطبة الجمعة إنّما هي لمعالجة ما يهم المجتمع من الجمعة إلى الجمعة. الرجل المناسب وحول العوامل المهمة التي ستؤدي إلى نجاح نشر مثل هذا المفهوم، يؤكدّ الحارثي أنّه لا بد من وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، بحيث يكون من يعتلي المنبر على قدر كبير من العلم والمعرفة والثقافة، بالإضافة إلى إلحاقه بدورات تتعلق بالتنمية في كل المستويات ليعرف كيف يعالجها مع ما عنده من علم شرعي، وبالتالي توجيه الناس الذين يسمعون الخطبة أو الدروس عنده. وأشار إلى ضرورة التعاون بين جميع المؤسسات على مستوى البلد بل البلاد الإسلامية، وتشجيع المتميزين من أصحاب المنابر والعناية بهم ودعهم وتفريغهم لهذا المشروع الكبير، لأنّ المنبر يتكلم مع كل شرائح المجتمع. عقبات محتملة وعن العقبات التي سوف تواجه الخطيب أو الداعية أثناء محاولته إشاعة مثل هذا المفهوم، يوضح الحايك أنّ الخطيب أو الداعية بحاجة إلى تدريب وتأهيل حقيقي في هذا المجال، لأنّ هذا تخصص قائم بذاته، فسوف يستفيد الخطيب أو الداعية مما عند أهل الاقتصاد وغيرهم، ويثقف نفسه، بحيث يستطيع أن يؤثر فيمن حوله لأنّ كلامه معهم سيكون بمنطق صحيح، مضيفًا أنّه إذا لم يكن عنده ثقافة عامة أو ثقافة في التخصصات الأخرى، فكيف سيكون له دور في دعم هذا المشروع عبر منبره؟! وعلى أثر ذلك فإنّه سيواجه بلا شك بعض العقبات. ويشير إلى أن العقبات تتقسم إلى قسمين الأول يرجع إلى الخطيب أو الداعية، ويكمن ذلك في عدم إتقانه واستيعابه لهذا المشروع وعدم التعب على نفسه بحيث يطور من نفسه ويرتقي بها، ويرتقي بمن حوله من الناس، أما القسم الثاني فيرجع إلى المحيط حوله، ونوعية من يحضر عنده. دور مرتقب أما المستشار الأسري والنفسي الدكتور حمود الصميلي فإنّه يصف دور الخطباء والدعاة عبر المنابر بالدور الكبير والحساس والمهم، مبديًا أسفه من الكثير من الخطباء الذين لا يهتمون بهذا الموضوع، ويركزون فقط على الوعظ والإرشاد، مشددًا على أهمية تواصل الخطباء والدعاة مع الجهات ذات الاختصاص في هذا المجال، كالبلدية والإمارة والوزارات المعنية وغيرها. وحول العقبات التي سوف تواجه الخطيب أو الداعية أثناء محاولته إشاعة مثل هذا المفهوم، ينصح الصميلي بعدم الإفراط في تناولها بدرجة مملة حتى لا تفقد الدعوة بريقها ويستهجنه الكثير من دهماء الناس، وعدم التعاون في نقل المعلومات والاحتياجات من الجهات المختصة، مطالبًا الخطباء بأن تكون خطبهم من معاناة الشارع وليس من بطون الكتب فقط. التدريب والتأهيل وفي سياق متصل يؤكدّ الداعية والخطيب الإسلامي عبدالرحمن الأحمدي، أهمية أن يكون هناك دور من قبل الخطيب للتفاعل مع الأحداث من حوله في جميع مجالات الحياة، مشيرًا إلى أنّ ثقافة المسؤولية متى ما تواجدت في مجتمع أدت إلى نموه وتطوره وهي سر الحفاظ على مكتسباته. وأضاف: »وكذلك فإنّ للإعلام دورا كبيرا في التثقيف والتوعية والتأثير لا سيما إذا ما أحسن الطرح، وكذلك للعلماء التأثير الأكبر في تفعيل المنبر بمثل هذه الأمور وكذلك تفعيل دور المدرسة وتضافر الجهود من أجل نشر وإشاعة مفهوم التنمية بين كل أفراد المجتمع». وحول العقبات التي سوف تواجه الخطيب أو الداعية أثناء محاولته تطبيق مثل هذا المفهوم، يرى الأحمدي أنّ التدريب والتأهيل هما ما ينقص الخطيب حاليًا: »فالتدريب مهم جدًا، حتى لا يواجه الاستغراب من جمهوره خصوصًا أنّهم لم يتعودوا على مثل هذا الطرح»، مضيفًا بأنّ الدور المطلوب من الخطيب كبير لا سيما في عصر الانشغال بأمور الحياة بشكل قد يغيبها عن جانبها الإسلامي. من الضرورات ويعتبر الأكاديمي والداعية الشرعي الدكتور عبدالله الصبيح، مبدأ إشاعة مفهوم التنمية وتفعيله عبر المنبر أمرا ضروريا مؤكدًا بأنّ من أهداف خطبة الجمعة أن يتواصل الخطيب مع المصلين في حاجاتهم العامة وإيصال وجهة نظرهم المشروعة إلى صاحب القرار. وأشار إلى أنّه يمكن من خلال ذلك تفعيل مفاهيم التنمية: »أما إذا انفصل الخطيب عن حاجة الناس واهتماماتهم وقضاياهم وبدأ يخاطبهم من برج عاجي يملي عليهم ما يريد من غير أن يعرف ماذا يريدون هم فإنّ المشروع حتمًا سوف يفشل ولا يمكن أن يستمع إليه المصلون أو أن يستفيدوا منه. وحول العقبات التي سوف تواجه الخطيب أو الداعية أثناء محاولته إشاعة مثل هذا المفهوم، أوضح الصبيح أنّ الخطيب يحتاج إلى تأهيل وتدريب على الخطابة والتواصل الناجح مع المصلين، ومن ثم يكون التدريب والتأهيل على مفاهيم محددة كإشاعة مفهوم التنمية حتى يضمن إيصال رسالة هادفة ومؤثرة لهم. ندرة المؤهلين وفي السياق يؤكدّ الأكاديمي والباحث الشرعي الدكتور أحمد الربيش، بأنّ قلة من خطباء المساجد يهتمون في هذا الجانب، ولا يعتبرونه جزءا من واجبهم، وقال انّه لا يمكن ترجمة المشروع على ارض الواقع إلاّ عن طريق الجهة المسؤولة، وهى وزارة الشؤون الإسلامية وذلك من خلال عقد الندوات والتوعية بأهمية مثل هذا المفهوم، على أن يكون ذلك جزءا من الثقافة المسؤولة والتي يجب ترجمتها إلى استراتيجيات. وحول العقبات التي سوف تواجه الخطيب أو الداعية أثناء محاولته إشاعة مثل هذا المفهوم، يرى الربيش، أن طرح مثل هذه الموضوعات في هذا الوقت من الخطباء ضروري جدا لكن الظروف الحالية التي تمر بها المنطقة تعد من أكبر المعوقات، واشار إلى أنّ بعض الخطباء لا يشعرون بأهمية مثل هذا الموضوعات لأسباب من ضمنها الظروف الحالية التي تواجهها، وضعف التأهيل للخطيب في هذا الجانب، وكذلك اختلاف التركيبة الثقافية للمجتمع. من منطلق شرعي أما الأكاديمي والباحث الشرعي الدكتور أنس المصري فيحدد شرطين اساسيين لتفعيل مفهوم التنمية عبر المنبر: الأول أن يكون الموضوع محددًا وعن جزئية محددة في مفهوم التنمية أما الشرط الثاني فيتمثل في أن يكون منطلق الكلام شرعيًا؛ وأن يبدأ الموضوع من منطلق شرعي ثم ينزله على الواقع في التطبيق المعاصر، وليس العكس، منوها بأنّ ترجمة المشروع لا تتوقف على المنابر فقط، بل تحتاج إلى مراكز دراسات وأبحاث ومراقبة وتنفيذ. تأهيل الخطباء ويضيف المصري قائلًا: «إذا حددنا دور المنبر من هذا الجانب فالمشروع يبدأ من تأهيل الخطباء وتوعيتهم بأبعاد مفاهيم التنمية وجوانبها وكيفية التعامل معها، ورفد هذا التأهيل بمرجعية شرعية قوية، وعمق التفكير لدى الخطباء. لكن هذه المفاهيم وإن كانت تجد لها من المنبر طريقًا لكنه ليس الطريق الرئيس، بل هو دور داعم من جهة شرعية، ولا يحمل عبء إشاعة تلك المفاهيم بداية». وأوضح أنّ هناك عقبات حقيقية ستواجه الداعية أو الخطيب في تطبيق هذه المفاهيم وليس في إشاعتها، منوهًا بأنّه سيواجه وبدون شك عقبة التفاوت الثقافي والفكري للمستمعين، وبالتالي يجب البحث عن آليات تجمع درجات التفكير والثقافة المتباينة لديهم، وبما يضمن وصول المعلومات بشكل سليم لكل الشرائح الإسلامية داخل المسجد. عبء الامانة من جانبه يرى الداعية والخطيب الإسلامي الشيخ مشعان البقمي، أهمية أن يقوم الخطباء والدعاة بإثارة قضايا التنمية على المنابر وإشاعتها بين المصلين والحث على النهوض بمثل هذا المفهوم، ويؤكدّ أنهّ لا بد للخطيب أن يتق الله وأن يزرع في قلبه مخافة الله، وأن يعلم أنّ الله اصطفاه وأنّ هؤلاء الذين يستمعون له أمانة في عنقه فلا يحمل عقولهم ما لا تتحمله وأن يرأف بهم وأنّ لا يزرع فيهم ثورة العواطف، وأن يهتم كذلك بنفسه قبل الاهتمام بالناس، مشيرًا إلى أهمية أن يكون الخطيب مربيًا واعيًا، ويقيس الأمور ويحسب لذلك المنافع ويقدم المصلحة، وأن تكون الحكمة والموعظة الحسنة سلاحه، متفائلًا مبتسمًا مع المؤمنين. ثقافة الخطباء من جهته يصف الداعية والخطيب الإسلامي الشيخ سعد السبر، دور الدعاة والخطباء في مثل هذا الجانب بالرائع لنشر المفاهيم التنموية وإشاعة الثقافة الجماعية، مشيرًا إلى أنّ الإشكالية تتعدى وتتفاوت علم وثقافة الخطباء ومدى ارتباطهم بالمجتمع وهو ما يجعل هناك تفاوتا كبيرا في طرح هذه الأمور الحيوية، مضيفًا: «نجد البعض يحض على التعاون في الأمور الخاصة بالمعاملات ولكننا نجد البعض يحرص على التعاون في أمور العبادات فقط، وشدد على ضرورة رفع المستوى العلمي للخطباء فإن كان قد حصل على درجة الدراسات العليا ونحوها في تخصصه فهذه تكفيه مع قوة التحصيل العلمي وإن لم يكن لديه هذا المؤهل أو تتلمذ عند العلماء ومستمرًا في الطلب فهذه الفئة حينئذ تحتاج إلى مزيد من العلم والدورات وورش العمل على مستوى جميع الخطباء لرفع المستوى الثقافي لهذه المفاهيم. رافد تفاعلي أما الأكاديمي والأستاذ في السياسة الشرعية الشيخ محمد بن علي البيشي، فيؤكدّ أنّ خطبة الجمعة تعد رافدًا تفاعليًا بموضوعاتها المتنوعة للمتلقي بكل مستوياته الثقافية واهتماماته، فكل إنسان يملك جزءًا كبيرًا من حرية القبول والرفض بإبداء الاعتراض أو التأييد في أي مقام خلال دقائق خطبة الجمعة والتي يكون دوره فيها سلبيًا أي أنّه مستمع فقط للخطيب، وخطبة الجمعة بحسب البيشي وإن كان أصل فرضيتها دينيًا إلا أن ما تتطرق إليه يجب أن يلامس جوانب الحياة بمعطياته، مهما كانت واستحضار الجانب التنموي للبيئة والأفراد المسلمين. القفز إلى الواقع ويضيف البيشي: «الخطيب المتمكن لا يقتصر دوره في خطبته على ترسيخ معاني الأخلاق وأحكام العبادات اليومية - رغم أهميتها - فحسب، بل إلى محاولة القفز لترجمتها لواقع يثري ويعرض مفاصل التنمية بمفرداتها وفواصلها الاقتصادية والسياسية والحفاظ على البيئة والحقوق المدنية والتكافل الاجتماعي وغيرها، وذلك عن طريق ربطها بالنصوص الشرعية من الكتاب والسنة استشهادًا أو تنزيلًا أو قياسًا، إذ في المصدرين كل مقومات التنمية ولكن تبقى الحلقة غير مكتملة النظم إلا بخطيب يحسن التعامل معها وفق تطوير المجتمع وتلمس حاجاته»، معتبرًا أنّ المسلم المتلقي جاء للجمعة وخطبتها بعد انشغالات متعددة ليسترشد السبيل القويم أو التوجيه من خطيب يظن فيه الاستيعاب، وأنّ أمامه خطيبا يوظف استغلال جوانب التنمية بما يعود على الأمة الإسلامية بخير ورخاء، بما يكون أدعى لقبولها والعمل بها على أنها من الدين، وليست مصلحة توافقية مؤقتة، أو ميكافيلية بتعبير آخر! وحول أهم عوامل نجاح مثل هذا المشروع يرى البيشي أهمية فهم الخطيب لمدلول وآثار التنمية المجتمعية ووضوح أهدافها، على المستقبل الإسلامي، واستيعاب مقومات المشروع التنموي بوجهة شرعية، والاستفادة من تجارب بلدان العالم والإسلامية خاصة، إضافة إلى ملاحظة أنّه مرشد ومحفز لا متخصص يعرض ويشخّص ويحل، فيستفيد من العلماء الشرعيين والخبراء ومن ولاة الأمر. مخدوم: تنمية وعي أفراد الأمة في كل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية مطلب شرعي يعتبر عميد المعهد العالي للأئمة والخطباء بجامعة طيبة الدكتور مصطفى مخدوم، أنّ دور المنبر لا يقتصر فقط على مسائل شرعية أو قضايا اجتماعية واقتصادية فقط، فكل ما فيه مصلحة للأمة سواء كانت تلك القضايا شرعية أو غير ذلك يجب التوعية بها من خلال خطباء المنابر، حتى يؤدي المنبر دوره في توجيه الأمة. وأكد أنّ تنمية وعي أفراد الأمة في كل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مطلبا شرعيا، ومن المفترض أن يشارك الخطيب أو الداعية في مثل هذه القضايا، باعتبار أنّ الناس يتقبلون توجيهات المنبر أكثر مما يتقبلونها من جهة أخرى، فكما يقول ابن تيمية كل ما فيه مصلحة للأمة فيجب الأخذ به. وحول كيفية ترجمة مشروع حقيقي يسهم في إشاعة مثل هذا المفهوم عبر المنبر يرى مخدوم أنّ مثل هذا الأمر يرجع إلى الجهات المعنية الموكلة بالاهتمام بإشاعة روح التنمية في المجتمع: »ويجب على الخطيب أن يقوم برعاية قضايا التنمية والاهتمام بها ونشرها بشيء من الاعتدال، فكلما كان واعيًا كان حجم التأثير أكبر في الآخرين، إضافة إلى أنّ مسألة نشر مثل هذا المفهوم تتعلق بمدى تبني رسالة هادفة من قبل الداعية والمؤسسات المجتمعية الشرعية لضمان التأثير في الجمهور». وشدد على أنّه ليس كل ما يطرح في مثل هذه القضايا صحيحًا، ويجب على الداعية أن يكون لديه إدراك وإلمام في قضية التنمية، وأن يختار الأسلوب المثالي الذي يتناسب مع عامة الناس ويتماشي في نفس الوقت مع قدسية المسجد، فلا يتم التوسع في إثارة مثل هذه القضايا بحيث يتم تحويل المسجد إلى برلمان سياسي أو غرفة تجارية لا تتم فيها مراعاة روحانيته وقدسيته، منوهًا بأهمية أن يكون لدى الداعية والخطيب دراية كافية في إثارة مثل هذه القضايا حتى تضمن عدم وقوعه من الزلل وأن يتخطى العوائق المتعلقة بحاجات الناس. آل داود: العالم الإسلامي لا يعني بالتنمية رغم أنّ كل بلد إسلامي لديه معهد أو كلية للأئمة والخطباء ركزت نسبة كبيرة من آراء العلماء والمفكرين على دور رجال الإعلام في تعزيز مفهوم التنمية على المستوى الشعبي، وحول رؤية احد الإعلاميين للطرح يتخوف الإعلامي والباحث في القضايا الثقافية والإعلامية عبدالعزيز آل داود، من تحول المنبر إلى ما يشبه الحادث حاليا في بعض القنوات الفضائية من تناحر وتضارب في الآراء والاجتهادات، منوهًا بأنّ مبدأ الروحانية فقد كثيرا من روتقه على المنبر والذي يتمثل بالدرجة الأولى في الحث على العبادة والترغيب في ثمرات الإيمان ومعاني التآخي والكثير من القضايا التي لم نعد نسمعها وهذا مؤشر مقلق ويجب على خطباء المنابر احياؤه. واعتبر ترجمة مشروع حقيقي يسهم في إشاعة مثل هذا المفهوم عبر المنبر يعدّ أمرًا مهمًا، لكن ربما تكون هناك مستويات للتناول، تختلف من منطقة لأخرى فهي المخولة في تحديد مثل هذه الأمور، أولها مساجد المسلمين الثلاثة الكبرى وهي المسجد الحرام والنبوي والأقصى فهذه الثلاثة هي المسموع كلمتها، مؤكدًا أنّ المسجد الأقصى ما دام ليس في سلطتنا وتحت الاحتلال فيرى داود أنّ الأزهر منوط بمثل هذا الدور والمهمة، ثم تأتي مهمة مساجد العواصم الإسلامية الكبرى، ومن ثمّ يتم الانتقال إلى المساجد الأخرى في العالم العربي والإسلامي لتطبيق مثل هذا المفهوم. وشدد على أنّ بقية المساجد والجوامع ليس مطلوبا أن تقوم بمثل هذا الدور لأنّها مصليات عوام الأمة ولا يمكنها ذلك، بالاضافة إلى أنّ إمام الجامع فيها ربما يكون تأهيله غير مناسب وتأثيره أيضًا وفهمه ليس بمستوى هذا الهم الكبير خصوصًا أنّ الحديث يدور حول التنمية والمسؤولية الاجتماعية للأمة كافة وعامة، وربما يقوم بدور محفز للعمل والانتاج وترشيد الاستهلالك. ويضيف قائلًا: «ربما يكون لهذه الجوامع العامة دور ضئيل في إشاعة مسؤولية الأمة في الحفاظ على دوام مسؤولية المواطن عن بعض من يشاركه في المنطقة أو الولاية أو المحافظة في العناية بهذه المشروعات باعتبارها ملكًا عامًا للمسلمين وأهل البلد الواحد». وعن العقبات التي سوف تواجه الخطيب أو الداعية أثناء محاولته إشاعة مثل هذا المفهوم، يرى داود أهمية الحاجة إلى التدريب والتأهيل الحقيقي للخطيب والداعية في هذا المجال، منوهًا على أنّ العالم الإسلامي لا يعنى بمثل هذا أبدًا رغم أنّ كل بلد إسلامي لديه معهد أو كلية للأئمة والخطباء، ومن هنا يتعين أن يلزم الخطيب نفسه سنويًا بأخذ دورة لمدة ثلاثة أو أربعة أيام أو حتى يوم واحد لمدارسة مثل هذه القضايا ويكون لدى وزارات الأوقاف رصد دائم وسنوي لمثل هذه القضايا. جمال: إشاعة هذا المفهوم يكمن عبر المنبر من خلال تشجيع الخطيب على تبني التكنولوجيا الحديثة وحول رؤية خبراء المال والاستثمار في طرح قضايا التنمية الشاملة على منبر الجمعة يرى الخبير في الشؤون الاقتصادية الدكتور محمد جمال، أنّ إشاعة مفهوم التنمية عبر المنبر يكمن من خلال تشجيع الخطيب أو الداعية على التعليم والتدريب وتبني التكنولوجيا الحديثة، إضافة إلى أهمية التركيز على مفهوم الإنتاجية والحث على إقامة الشركات والمؤسسات وعدم تشجيع الواردات من الخارج وتشجيع المنتج المحلي والحث على مساعدة الشباب لإقامة المشروعات الصغيرة، وعرض التكييف الشرعى للقيم المرتبطة بالشؤون التجارية والاستثمارية. وشدد على أهمية إعداد الدراسات والأبحاث المختصة في مجال الاقتصاد الإسلامي، وكذلك يجب على الداعية توسيع مداركه من خلال القراءة في مجال التنمية وتبني رؤى حديثة في هذا المجال، مشيرًا إلى أنّ الجهات الرسمية والمعنية بشؤون الخطباء والدعاة هي المخولة لتدريبهم وتأهيلهم وتوسيع مداركهم من أجل إشاعة هذا المفهوم عبر المنبر. وحول العقبات التي سوف تواجه الخطيب والداعية لتطبيق وإشاعة هذا النموذج عبر المنبر يوضح جمال، أنّ المشكلة تكمن في إثارة هذه القضايا عبر المنبر، أو عدم وجود تجارب من قبل الجهات المسؤولة أو عدم اقتناع بعض المسؤولين والمواطنين بإثارة مثل هذه المفاهيم عبر المنبر. خطبة الجمعة الأولى لرسول الله عليه الصلاة والسلام لخطبة الجمعة دور فاعل في التأثير في المجتمع، وتوجيهه والنهوض به إلى ما يعود عليه بالنفع العاجل والآجل، متى ما استخدمت بطريقة مثلى، وأعطيت حقها في الإعداد والإلقاء. وحرص النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في أوّل خطبة جمعة خطبها رسول الإسلام في المدينةالمنورة في بداية هجرته إليها، على دعوة أبناء الأمة على العمل لدنيا والآخرة معا لتحقيق شرط الاستخلاف في الأرض وفيما نص الخطبة الأولى. «الحمد لله أحمده وأستعينه، وأستغفره وأستهديه، وأومن به ولا أكفره، وأُعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى والنور والموعظة على فترة من الرسل، وقلّة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنوّ من الساعة، وقرب من الأجل، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضلّ ضلالًا بعيدًا. أُوصيكم بتقوى الله، فإنّه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضّه على الآخرة، وأنّ يأمره بتقوى الله، فاحذروا ما حذّركم الله من نفسه، وإنّ تقوى الله لمن عمل بها على وجل ومخافة من ربّه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة، ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السر والعلانية لا ينوي بذلك إلاّ وجه الله، يكن له ذكرًا في عاجل أمره، وذخرًا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدّم، وما كان من سوى ذلك يودّ لو أنّ بينها وبينه أمدًا بعيدًا، ويحذّركم الله نفسه، والله رؤوف بالعباد. والذي صدّق قوله ونجّز وعده لا خلف لذلك فإنّه يقول (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ)، فاتّقوا الله في عاجل أمركم وآجله، في السر والعلاني، فإنّه من يتّق الله يكفّر عنه سيئاته، ويعظم له أجرًا، ومن يتّق الله فقد فاز فوزًا عظيمًا، وإنّ تقوى الله توقّي مقته، وتوقّي عقوبته، وتوقّي سخطه، وإنّ تقوى الله تبيّض الوجوه، وترضي الرب، وترفع الدرجة. خذوا بحظكم، ولا تفرّطوا في جنب الله، فقد علّمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله، ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله اليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا في الله حقّ جهاده، هو إجتباكم وسمّاكم المسلمين، ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيى من حيّ عن بينة، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله. فأكثروا ذكر الله، واعملوا لما بعد الموت، فإنّ من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس، ذلك بأنّ الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم».