زار رجلان مدينة، دخلا إليها وخرجا منها في نفس الوقت.. وعندما التقيا خارجها، ذكر الأول أنه ما وجد في تلك المدينة خيرًا قط، وأن كل سكانها أهل سوء، وكل ما فيها قبيح، فقد سرق ماله، وأهينت كرامته، ولم يجد من يسعفه أو يعينه.. أما الآخر فخرج سعيدا مبتهجا، ومدح المدينة وذكر أهلها بكل خير، فقد أحسنوا استقباله، وأكرموه وقدموا له كل ما يحتاج، وودعوه كما استقبلوه بالحب والاحترام والتكريم.. فكل واحد من الرجلين بنا تصوره عن المدينة بما واجهه فيها، ولم ينظر أي منهم للوجه الآخر للمدينة.. "الانطباع الأول هو الانطباع الأخير" مقولة يكررها أهل الإعلام والاتصال والإدارة، فكلما كانت الصورة الأولى جيدة مشرفة أعطت انطباعا ايجابيا لها، ويمكن لهذا الانطباع أن يبقى لفترات زمنية طويلة.. والعكس كذلك، الانطباع السيئ عادةً ما يبقى مترسخا في الذهن أكثر من الايجابي، ويصعب تغييره وتعديله.. فالرجل الأول انطبع في ذهنه الصورة السلبية عن المدينة، فخرج كارها لها ولأهلها.. أما الآخر فقد انطبع في ذهنه صورة ايجابية عن المدينة، فخرج منها سعيدا فرحا بها وبأهلها.. وهذا حال الكثيرين منا، فكلما تعرضنا لتجربة بنينا عليها تصورنا وانطباعنا من الوهلة الأولى.. رغم أن الإنسان يشترك في بناء تلك الصورة من خلال ردود أفعاله، وقدراته في الحوار مع الآخر، ومدى استجابته للظروف المحيطة به، وغيرها من المؤثرات التي تتداخل في تكوين صورة عن الآخر، سواء كان فردا أو مدينة أو مؤسسة أو غيرها.. ولعل ما يقوم به البعض، في نشر سلبيات أسرهم، أو بيئاتهم التي لا تمثل إلا شريحة بسيطة من المجتمع، وإسباغها كصورة عامة للمجتمع ككل.. يعد تعميما مخلا في وصف واقع صغير سلبي على واقع واسع إيجابي.. إن من الخطأ الفادح، استخدام أسلوب التعميم أو التضخيم أو التصفية التي تؤثر في سلامة التفكير، وتعيق منهج التفكير الإيجابي الذي يتجاوز المشكلة إلى البحث عن الحل دون البقاء طويلا في حفرة الفشل، والبكاء على اللبن المسكوب.. [email protected]