غادر العم عبدالله الشمري مدينته حائل قبل 55 عامًا شادًا الرحال إلى جدة طلبًا للرزق، وكان يحمل في جعبته عددًا من الأدوات القديمة والكبيرة الحجم منها «دراجة» و»قربة»، وهما أداتان تستعملان لسحب الماء من البئر وتعودان إلى جد والده.. وصفه البعض حينها بالجنون لتكبده مشقة حمل أدوات بئر ومطبخ قديمة معه، لكن حبه لميراث الأجداد جعله غير عابيء بذلك، حيث يقول: «ما جعلني أتحمل مشقة حمل الأشياء معي هو أنه لم يهن علي ترك ميراث أجدادي، حيث الأدوات التي أكلوا وشربوا فيها». وصل الشمري إلى جدة في الخامس من شهر جمادى الأولى العام 1378ه، ويتذكر انطباعاته عن تلك الزيارة الأولى للعروس فيقول: «كانت جدة صغيرة جدًا ينتهي العمران فيها عند تقاطع طريق المدينة مع شارع فلسطين حاليًا»، ويضيف: منذ ذلك الحين لم يتوقف حبه لجمع الأدوات التراثية حتي تحول بيته إلى متحف مصغر يحوي أشكالا وألوانًا من أدوات الطبخ وإعداد الشاي والخياطة والساعات والراديوهات والسكاكين والسيوف والبنادق وإحدى أول الأدوات التي استعملت لتوليد الكهرباء بالمملكة بل وحتى بيضة نعامة اشتراها منذ عشرات السنين ومعلقة في سقف البيت وغيرها الكثير. سيوف تاريخية ومن ضمن ما يمتلكه العم عبدالله في مجموعته التراثية سيفًا مميزًا يتكون مقبضه من جلد ثعبان وأنيابه، أهداه له أحدهم، وقيل له أنه يعود إلى حاكم الجوف قبل عهد الدولة السعودية. ويهمس لنا: «تتحدث الأساطير عن وجود ابنة الثعبان الذي صنع منه مقبض السيف في قصر أثري بالجوف»، ويتابع: «رفضت مبلغ 80 ألف ريال مقابل بيعه». ولا تتوقف قصص سيوف العم عبدالله عند هذا الحد، فهناك سيف آخر له قصة لكن هذه المرة جنوب الجزيرة العربية باليمن، والسيف مكتوب عليه «يا قاضي الحاجات»، ويقول العم عبدالله أن ذلك ما أطمعه في دفع مبلغ 6 آلاف ريال لشرائه قبل ربع قرن، وتحكي القصص أن هذا السيف صنعه يهود اليمن ضمن مجموعة شبيهة مكونة من 7 سيوف لإهدائه إلى حاكم اليمن السابق الإمام يحيى. توفي والد العم عبدالله في نفس العام الذي توفي فيه الملك عبدالعزيز -رحمهما الله-، ومازال يحتفظ بصندوق جهاز زفاف والدته إلى الآن، دفع 25 ألف ريال مقابل حلي نسائية قديمة اشتراها من حراج بالرياض، إلا أن اللصوص سرقوا قطعًا كبيرة منها بالإضافة لغيرها من الأشياء القيمة، منها سماورين قديمين – السماور هو براد لصنع الشاي – أحدهما صناعة تركية سعته تنكة ماء، فيما الآخر أكبر حجمًا وصناعته محلية وسعته تنكتي ماء، يقول: «أي قطعة تسرق مني تسبب لي غصة في القلب، فأنا أحب التراث وأحزن لفقدان أي قطعة من مجموعتي».. بحث عن «مهباش» -أداة لطحن الحب مصنوعة من جذع النخل- يبلغ عمقه نصف متر في كل مكان بالحراجات أملا بأن يكون اللصوص باعوه هناك لكنه لم يجده. ومن القطع الهامة التي يمتلكها العم عبدالله كرسي تعود ملكيته للملك سعود رحمه الله، ويقول: «من باعني إياه أكد لي ذلك لكني لا أستطيع الجزم فيه»، بالإضافة لروشنين (بابين خشبيين) يعودان لغرفتي نوم ابنتي أحد حكام حائل السابقين من آل الرشيد قبل العهد السعودي، وبالرغم من كل العروض التي تلقاها لبيع قطع فردية من مجموعته إلا أنه رفض ذلك رفضًا قاطعًا، ومن ذلك عرض قدمه له أحد رجال الأعمال الكبار في جدة لشراء مجموعته من الردايوهات، ورغم ذلك فإن العم عبدالله يقول: إنه لا يستبعد أن يبيع كل ما يملك من أدوات تراثية مرة واحدة، إذا قرر البيع.