كثيرٌ من شعراء التفعيلة بل كل روّاد قصيدة التفعيلة تقريبًا بدأوا شعراء عاموديين لأن القصيدة العمودية كانت ضرورة فنية لعبورهم إلى ساحة شعر التفعيلة ولأنهم كانوا في مرحلة «نقلة» بين القصيدتين غير أن المُلاحظ أن رواد «قصيدة التفعيلة» الذين أتوا بالعجب العجاب في الشعر الحديث كانت تجاربهم في القصيدة العمودية متواضعة وكأنهم كانوا غير مقتنعين بها وإنما يمارسون كتابتها مجاملة أو إظهارًا لقدرة شعرية فنجد بدر شاكر السياب شاعرًا عاموديًا ولكنه ضعيف بالقياس إليه شاعر تفعيلة وكذلك عبدالوهاب البياتي، وصلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي وأمل دنقل بينما نرى «نازك الملائكة» تظهر في القصيدة العمودية ربما لأن تكوينها كان عموديًا في الأصل وربما لجانب القدرة «العروضية» لديها أما محمد مفتاح الفيتوري فشاعر معتدل في العمودي متألق في التفعيلة.. الاستثناء الوحيد كان الشاعر»محمود درويش» فقصائده العمودية فيها فتوحات شعرية ظاهرة من أبرزها «وطني يعلمني» أما شعره التفعيلي فيشكل ظاهرة فريدة.. ربما يكون «نزار قباني» وهو يقع في المرحلة الوسطية بين العمودي والتفعيلي يشكل ظاهرة أخرى في إجادة النوعيين وعلى مستوى متقارب مع أن نزار قباني محسوب على «أبولو» أكثر منه على شعراء التفعيلة. تبقى الإشارة إلى ظاهرة «أمل دنقل» شاعرًا حديثًا متميزًا شعره العمودي متواضع لكن قصائده التفعيلية، علامات في خارطة الشعر الحديث بتلك البساطة التي تستبطن الصعوبة، والصعوبة التي تقول ذاتها ببساطة و لكافة الطبقات وفي الوقت نفسه لا يمكن محاكاتها.. إنه ظاهرة الشعر الحديث التي ربما انتظر الشعر العربي طويلاً حتى يظهر شاعر شبيه له أو مقارب !!