افتتح المهندس لؤي حكيم قبل أيام المعرض الشخصي «أحافير» للفنان التشكيلي عبدالله إدريس بقاعة اتيلية جدة للفنون الجميلة. وضم المعرض عددًا من لوحات الفنان الحديثة تصدرتها لوحة جدارية. وتحدث إدريس عن معرضه «أحافير»، فقال: هذا الجدار الذي ترك الزمن تجاعيده على سطحه يبدو مهملاً إلاّ من شغب طفولي عابر تتراكم فوقه ملصقات إعلانية لجدران المدينة الحديثة بينما تترك الرسوم المقطعة من مشاهد الكهوف القديمة بصمتها على سطحه. هكذا يبدو لي المشهد البصري أمامي أسجل ذاكرتي البصرية فوقه والتي استحضرها من الماضي تارة، ومن الواقع المعاش تارة أخرى.. أرسم وألوّن وأحفر.. وأحيانًا أكتب على خلفية هذا الجدار المتواتر والصاخب بالنتوءات والأخاديد التي اصنعها بشكل تلقائي، وعفوي على السطح، باعتبار أن الفن لا يمكن أن يكون تكرارًا للواقع أو الماضي، إنني أحاول باستمرار أن اكون في حالة دائمة من الانفكاك نحو القادم المكتشف ضمن إطار ذاتي ومرجعية لونية متناغمة دون محاكاة أو مباشرة بابتداع وليس ابتداعًا. ويضيف إدريس: هناك مقولة بأن الفنان لا ينطلق من الشيء نفسه بل من داخله، وعلى المتذوق أن يبحث عن معانيه بالعقل والحدس، وأضع هذه المقولة أمامي وأنا استحضر تلك الرسوم المكتشفة في الكهوف القديمة برموزها وأوشامها محاولاً إخراجها من ثبوتيتها ودلالاتها الملتبسة ومحمولاتها التاريخية، مطلقها في فضاءات تشكيلية معتمدة على عدم التشبيه والتمثيل بعفوية وتلقائية محسوبة، وكما المكان يصنع روح أبطاله ويصنع روح الشخصيات التي تعيش فيه، أجد نفسي وذاتي الفني منتمية للأمكنة التي تصنع روح شخصياتها، ومن خلال هذه الرؤية شغلت المدينة مساحة واسعة في وعيي ومخيلتي وكنت باستمرار أحاول أن أستعيد روح المدن من خلال أعمال سابقة، سيرة مدينة ذات الرماد، المعرض الشخصي الخامس، والمدينة المكعبة، المعرض الشخصي السابع، وتضاريس لجسد المدينة، المعرض الشخصي التاسع بالرياض. ويختم إدريس حديثه قائلاً: لقد زخرت التجربة الإنسانية بكثير من الإبداع الذي حاول أن يتحرر من قيود الثقافة العقلية والمهارات الاكاديمية، ولكن فنان الكهوف كان الرائد والسبّاق في هذا الاتجاه، ربما من هنا جاءت فكرة «الفن البكر» في العصر الحديث الذي حاول مبتكروه أن لا تدنسه الأكاديمية، رواد «الفن البكر» يفضلون الحدس والهذيان والعفوية على بلاغة الأداء التعبيري وكيانه البورجوازية البصرية، فهذا الفرنسي «جان دبوفي» يبتكر «اللوحة الرؤيوية» مستعيرا رسوم الأطفال والبدائيين وملصقات غير مألوفة.