قال شرعيون وأكاديميون في الحلقة الأخيرة من ملتقى المدينة إن محاولة البعض التشكيك في الأحكام القضائية يستهدف ضرب القضاء والدولة، مشيرين إلى أن قنوات الاعتراض على الأحكام معروفة للجميع. وأرجعوا هذا الهجوم إلى رغبة البعض في تهييج المجتمع ضد الدولة، مشيرين إلى أن مصدري البيانات لا بد أن يلجموا بقوة، محذرين في ذات السياق من أي محاولات لإثارة الفتنة الطائفية. وأكدوا أن الدولة مؤتمنة على الأعراض والأنفس والأموال وأن القضاء مظلة للحقوق وفيما يلي الحلقة الأخيرة. التشكيك في القضاء ونزاهة القضاة (المدينة): كثر اللغط حول القضاء وبدأ البعض يقذفه بالحجارة من خلال التشكيك فيه وفي نزاهته.. أنتم ماذا تقولون؟ الحازمي: لا بد أن نعلم أن نزاهة القضاء تعني إجراءات وأحكام قضائية عادلة حيادية منزهة عن كل ما قد يشوبها من عيوب سواء تعسفية أو تقديم مصلحة طرف على آخر، وهذا هو المتحقق في الجملة في القضاء السعودي؛ فمن المعلوم أن هذا المفهوم - أي نزاهة القضاء - ينشأ من مبدأ استقلال القضاء والذي يعد وليدًا لمبدأ تعدد السلطات، والحكمة من إنشائه هو تحقيق قضاء عادل نزيه حيادي، لا يشكك أحدٌ من العامة في نزاهته؛ لكي يقنع بكل ما يصدر عن هذا القضاء من أحكام. وقد نص النظام السعودي للقضاء أن القضاة مستقلون، لا سلطان عليه في قضائهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية، وليس لأحد التدخل في القضاء. فالقاضي مستقل عند تعيينه، حيث يعين بمرسوم ملكي بناء على اقتراح مجلس القضاء الأعلى، وهو مستقل في إطار عمله، إذ لا يمكن عزله ولا انتقاله إلا طبقًا لمقتضيات خاصة حددها النظام، ويتولى ذلك قضاة مثله وهو مستقل في وضعه الإداري وفهم النصوص وتأويلها، بحيث لا يمكن لسلطة أخرى أن تلزمه بتأويل غير الذي يلزمه به فهمه وإدراكه وهو مستقل بالنسبة للمتداعين، فهو ينظر إلى النوازل والأحداث دون الأشخاص. ولكنه يستدرك قائلا: ان هذا الاستقلال لا يعني الفوضى وهذه الحرية لا تعني التخلي عن التقيد بأية حدود، فالقاضي مقيد في تصرفاته بالتشريع الإسلامي وما تقضي به الأنظمة والتعليمات. ولذلك فإن التشكيك في نزاهة القضاء السعودي والأحكام الصادرة من المحاكم الشرعية وقذف القضاة افتراء وكذب، ومنكر من القول وزور، ومن أراد الانتقاد فسنقول له ما قاله المولى تبارك وتعالى: «قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين». ومن يطعن في نزاهة القضاء السعودي ويشكك في الأحكام يهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار وإحداث الفوضى وتهييج المجتمع ضد الدولة وهم بفعلهم هذا ممن يفسدون في الأرض ولا يصلحون ومن المرجفين في البلاد التي تنعم - بفضل الله - بنعمة الإيمان والأمن والاستقرار، والتلاحم بين الراعي والرعية وولاء الشعب لحكامهم والثقة في القيادة، حتى صاروا - ولله الحمد - لُحمة واحدة. وهذا هو مراد الشرذمة القليلة زعزعة الأمن والاستقرار وإحداث الفوضى، وتهييج المجتمع على الدولة، ولا بد من إحالة الموقعين على البيان للمحاكمة لإقدامهم على التشكيك في الأنظمة القضائية والطعن فيها وهذا يعتبر طعنا في سيادة الدولة وهو أمر مجرم عالميا. معيار لحفظ اللسان خياط: مسألة التشكيك والقذف لم يسلم منها أنبياء الله سبحانه وتعالى ومحمد صلى الله عليه وسلم قيل عنه: ساحر وكاهن وشاعر وهو منه بريء، فإذا كان هؤلاء الصفوة لم يسلموا من اتهام الناس، فكيف للقضاة أن يسلموا، والله سبحانه يقول: «وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون». ولهذا ترى الناس إذا لم يعجبهم أحد أخرجوا عليه آلاف الأخطاء لأنه لم يأت على هواهم، فحفظ اللسان للطرف الآخر لدينا يحتاج إلى معيار في إعادة النظر تربويا وإيمانيا. واضاف: القضاة وكتاب العدل بشر قد يخطئون، وكذلك المرمي بالتهم جزافا هل هو سالم من الخطأ؟ لا بكل تأكيد قد يخطئ وقد يصيب، فنقول: قد يحدث خطأ هنا وهناك لكن الخطأ يعالج وليست العبرة بالكتابات في وسائل الإعلام المختلفة بالشتم والطعن في نزاهة القضاة بسبب وجهة نظر معينة، كما أن خطأ الشخص في القضاء أو في غيره لا يصح أن يعمم على الكل في جهة معينة أو مجتمع معين. إن الدين النصيحة، فإذا كنت سمعت خطأ على هذا القاضي فعلي نصيحته دون التشهير، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ما بال أقوام، وهو النبي الكريم، فمسألة الستر مطلوبة وهي الأصل (ومن ستر مسلما في الدنيا ستره الله يوم القيامة)، والتشهير ليس نهجًا ربانيًا ولا من أعراف الناس ولا الأخلاق السليمة ولا الفطر المستقيمة. التشكيك لضرب القضاء الزهراني: يجب علينا أن نفهم جيدا أن الذين يشككون في القضاة في المملكة من طائفة المنافقين، لأن هدفهم ضرب الشريعة الإسلامية وأحكامها، الهرم الأكبر في الدولة، فإذا تزعزع القضاء والشريعة تزعزع المجتمع وانتشرت الفوضى، ومصداق ذلك ماثبت حين اتهام أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، إن ذلك لم يكن هدفه اتهام السيدة عائشة رضي الله عنها بل ضرب بيت النبوة وبيت أبي بكر رضي الله عنه حتى يصبح في الإسلام ما فيه، ومن هنا نجد أن هدف المشككين في القضاء والقضاة هو التشكيك في الشريعة وفي أحكامها حتى تنتشر الفوضى ويفشي الفساد في المجتمع. واضاف: إن قضاءنا في دولتنا المباركة يحفظ حقوقنا ومؤتمن عليها في الدماء والأعراض والأموال.. فإذا ضربنا القضاء بألسنتنا وبشكوكنا وبادعاءاتنا الباطلة فقد هدمنا ما هو مظلة لنا في سبيل إيصال الحقوق إلى أهلها. ونظام القضاء الإسلامي لا يفرق بين الناس كلهم سواسية ويسعى دائمًا لتحقيق العدالة وعدم الظلم أو اتباع الهوى، وحفظ حقوق الناس. والقضاة في حقيقتهم بشر يصيبون ويخطئون والكمال لله عز وجل فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، واذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر». ابن حنش: القضاء لدينا مصدره الكتاب والسنة، وهذا تشريع رباني، فعندما خلق البشر وضع لهم منهج حياة ليداوي جراحهم ويصلح شأنهم. ولو أراد القاضي الحيف لا يتمكن لعدة أمور منها أنه أمام طرف آخر يدعي لن يتركه يحكم على هواه، ولو لم تكن النزاهة قائمة بذات الحكمة فإن الأمر لا يترك له للحكم بما يشاء. والنزاهة مطلب وهي ولله الحمد متوفرة، وإن حصلت بعض الممارسات الخاطئة والشاذة فليس لنا أن نرمي جهازا ومجتمعا بالتهم والتشكيك، والماء إذا تجاوز القلتين لم يحمل الخبث. فعندما يحكم القاضي على شخص ما ولم يرض بالحكم فإنه بإمكانه أن يرفع اعتراضه ومظلمته إلى جهات أخرى قضائية بعد أن يعطيه القاضي لائحة له فيها أن يقول مايشاء، لترتفع القضية إلى التمييز الذي يصدر حكمه بقرار جماعي، وإصدار الحكم من أربعة قضاة في التمييز منتهى النزاهة والعدل، وهب أنه حصل خطأ في حكم ما فإن القضاة مجتهدون مأجورون على اجتهادهم، فماذا تريد بعد هذا، وإذا اعترض ذلك الشخص على الحكم مرة أخرى ولم يرض به له الحق في الرفع إلى ولي الأمر ليطلب أن يحكم فيها المجلس الأعلى للقضاء، وتتاح له الفرصة في هذا الأمر كذلك، ومع ذلك قد لا يرضى بالحكم النهائي البعض من الناس، فإذا لم يكن القاضي فاهما في قضيته، ولا المحكمة العليا ولا المجلس الأعلى للقضاء فمن يفهم في أمور الشرع إذن. ان النزاهة إذا لم تكن واردة شرعا فهي واجبة حسا، لأن التقاضي مكشوف تقول أنت ما لديك وخصمك يقول ما لديه وكل لديه ما يثبت، ثم تجمع هذه الأقوال كلها وتدرس، ثم ما يراه القاضي أقرب إلى الحق فيحكم به، ثم يعطيك نسخة من حكمه تبحث وتستشير وتمر به عل من شئت، لكن الناس لا يعتبرون. البيان إثارة للفتنة (المدينة): في سياق متصل بقضية اتهام القضاء والتشكيك في نزاهته اصدر بعض من اطلق على انفسهم مثقفين وناشطين بيانا يتهمون فيه القضاء ويشككون في نزاهة أحكامه تجاه بعض الاحداث.. اظنكم تابعتم هذا واريد تعليقكم عليه؟ ابن حنش : يقول الشاعر: وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا إذا هدم القضاء فأين نتجه؟ انها ضربة لما بعد القضاء ولا تستهدف القضاء وحده، ثم ان هؤلاء شايعوا من في بيانهم؟ من لم يقوموا بأمر شرعي أو يعودوا فيه إلى أهل العلم أو يكون منطلق حقوق أخذت واستنفدت كل الطرق الشرعية لاستعادتها ونفد صبرهم ولم ينالوا حقوقهم، بل ركبوا الفوضى واهدروا الدماء وخالفوا النظام وحاربوا الشرعية، ثم ان بعض من كتب في المواقع الالكترونية هنا وهناك.. هم أهل شغب وفتنة وإثارة الفتنة التي لا تنبغي (والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها)، وعلينا أن نوحد الصف ونجتمع ونحارب الخلاف الذي ليس فيه إلا فرقة وعدم استقرار في الأوطان واستباحة للأعراض والأموال وقطع للطرقات وتعطيل مصالح في البلاد والعباد. ضوابط الاعتراض على الحكم زمزمي: من كان له أي اعتراض على أي حكم صدر عليه أن يتجه إلى تسلسل الاعتراضات على الحكم من عام إلى استئناف إلى محكمة عليا... أما مزج هذه العلاقات الشخصية أو الميول أو المزاجية لاقتحام أحكام الشريعة الإسلامية أو التشكيك والاعتراض فهذا القول مرفوض وغير مقبول نهائيا مهما كان، ولكن من كان عليه موضوعيا اختلاف أو طعن أو اعتراض على حكم فليتقدم، أما من يقوم باصدار البيانات أو باعتلاء المنابر والتراشق ببعض الأقوال وينسب بعض الأمور، ويهرف بما لا يعرف فهنا لا بد أن يلجم وبقوة، وألا يسمح له البتة. خياط: بالنسبة لهؤلاء الذين اصدروا البيان فالله يقول فيهم: «فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون»، ونوجه إليهم تساؤلنا: هل هم اصحاب اختصاص في الطعن في الحكم القضائي؟ والسؤال الثاني: قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين؟ وإلى ماذا تهدفون أنتم؟ هل اشعال إثارة طائفية مقصدكم، فإن كان ذلك صحيحا فقد وضحت نياتكم، ولكن الدولة أعزها الله وأدامها أقيمت على الكتاب والسنة، والحكم القضائي لا يتجاوز ذلك، وما يريد هؤلاء إلا إضلال الناس وتشكيكهم لا أقول في الحكم القضائي بل في دينهم والعياذ بالله، لأن أسسهم ليست مبنية على الكتاب والسنة وإنما على أهواء وعقائد منحرفة ومنحلة عن عقيدة أهل السنة والجماعة وما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وبلغنا إياه. فأقول لهؤلاء: اتقوا الله تعالى وصححوا معتقداتكم قبل تصحيح الحكم القضائي. الزهراني: الله سبحانه تعالى أمرنا بالعدل «وإذا قلتم فاعدلوا»، وهؤلاء لم يعدلوا في بيانهم، لانهم لم يقولوا السبب في الحكم على هؤلاء الأشخاص وماذا نتج منهم وماذا عملوا؟ فهم لم يعدلوا إذن، والله سبحانه وتعالى يقول: «اتقوا الله وقولوا قولا سديدا» فهؤلاء لم يقولوا قولا سديدا، وهؤلاء لا يريدون إلا إشعال الفتنة والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من أتاكم وأنتم على أمر واحد وأراد تفريق جمعكم فاقتلوه كائنا من كان»، فالذي يفرق كلمة المسلمين ويزلزل كيان الدولة والأمن المواطنين ويثير الفوضى ويحدث التقسيمات في صفوف المجتمع.. هؤلاء يجب أن يؤخذ على أيديهم وأن تمسك أقلامهم وتخرس ألسنتهم وأن يبين لهم وجودهم في الدولة ولماذا وجدوا؟ وما المطلوب: الشرع أم غيره؟ فإن كان شرعا فهو ولله الحمد قائم وإن كان غيره فيجب أن يوقفوا ويطلب منهم المغادرة خارج الديار في دولة لا تحكم بالشرع الحكيم.