ما زالت «التخفيضات» هي أكبر وسيلة لجذب المستهلك ودفعه دفعًا لشراء السلعة - أي سلعة - وهي - أي التخفيضات - النكهة التي تضفي على التسوق متعة الشراء بأسعار رخيصة وهى مفتاح الولوج سريعًا إلى داخل المتجر. وتلجأ متاجر الملابس إلى هذه الطريقة لجذب الزبائن وتفريغ المحل من الموديلات القديمة استعدادًا لاستقبال الموديلات الجديدة.. وهذا هو سر الإقبال الكبير وغير العادي من الزبائن على الأسواق الشعبية التى تبيع بأسعار تقل كثيرًا عن غيرها من الأسواق الأخرى.. وخاصة لو كانت تعرض أنواع ملابس من الماركات العالمية. و يرى البعض أن التخفيضات هي الستارة التي تخفي وراءها السر الخفي والحبكة الدرامية المذهلة التي يتخلص من خلالها التجار من الموديلات القديمة لمنتجات الملابس التي ستكون مقابرها في النهاية خزائن المستهلك، ويستخدم التاجر جاذبية التخفيضات على هذه المنتجات حتى ولو كانت هذه التخفيضات غير مجدية أو وهمية، فالتخفيضيات بذاتها «كتخفيضات» هي النكهة التي تضفي على عملية التسوق «متعة الحصول على المنتجات بأسعار رخيصة» وهذه المتعة في التسوق لا تضاهيها متعة، وتكمن الحبكة الدرامية المذهلة في ثنايا مواعيد العرض لهذه التخفيضات وفي طريقة عرضها وترويجها للناس، وبينما هذه الزوبعة تلوك في عالم الماركات الثمينة يبقى الكثير من المستهلكين العاديين محصورين داخل حدود قدراتهم الشرائية بعد أن عرفوا منذ البداية أنهم غير قادرين على الشراء في موسم التخفيضات، فكيف يقدرون في المواسم العادية..!؟ ولهذا تبقى الملابس في الأسواق الشعبية لديهم سيدة السوق وقبلة المشترين على أغلب الأحوال. يقول مهند السعدي صاحب محل لبيع الملابس: التخفيضات هي مفتاح الباب الذي يفضل المستهلك الدخول منه إلينا، وتجعل الزبائن تقف بالطوابير على أجهزة الكاشير، وهي العبارة التي ترضي التاجر والمستهلك على حد سواء بدون وجود أي معارضات أو مناقشات أثناء الدفع، خصوصًا إذا كان التخفيض على الملابس المستوردة الأصلية ذات الماركات العالمية الثمينة. ويضيف: هناك من يعتقد أن وراء هذه التخفيضات أسرار خفية نخدع من خلالها الزبون فيقولون «أنتم تخدعوننا بهذه التخفيضات»، ولكني لا أرى أن هناك أي غرض من هذه التخفيضات إلا أن هناك فئة كبيرة من الناس تحب أن تشتري بأسعار أقل من الأسعار السابقة، ونحن فقط نلبي احتياجات الناس لا أكثر. ويقول المتسوق ذاكر القاسم: يجب على المستهلك أن يكون واعيًا بماذا يشتري؟ وأن لا تخدعه فقط لمعة اسم الماركة على المنتج، فربما كانت الملابس المحلية تناسبه أكثر من غيرها، وعليه أن يتذكر أن أغلبية ما تطرحه المحلات من تخفيضات كبيرة على بعض الموديلات هي في الحقيقة تخفيضات على موديلات لم تعد تعاصر الموضة، وإلا ما حاول أصحاب المحلات التخلص منها بأي شكل، ومن يقعون في هذا الأمر على الأغلب سوف يتركون في خزانتهم تلك الملابس لسنوات بعد شرائها وتجريبها لمرة واحدة والتخلص منها بعد ذلك. انتصار للمحل وفي حوار مع أحمد عبد العزيز أستاذ الاقتصاد بجامعة جازان عن هذه المسألة يقول: نلاحظ في السنوات الأخير ثورة الماركات الأجنبية التي يسمع عنها المستهلك من أفراد الطبقات الغنية أو يراها في الأفلام والمسلسلات والإعلانات الأجنبية، حتى أصبحت هذه الماركات بحد ذاتها -لمجرد وجود اسمها مطبوع على المنتج- جاذب قوي للزبون الذي يريد تقمص ما يهواه، ولو كانت هذه الماركات مطبوعة على منتج لا يتناسق مع الذوق العام، إلا إن الجاذب هنا ليس المنتج وإنما هو الماركة، ولا يخفى هذا الأمر عن التجار الذين يستوردون هذه المنتجات. ويستطرد: كل التجار بطبيعة الحال يفضلون جذب الزبائن إليهم بأي طريقة ممكنة، ومجرد دخول الزبون إلى المحل فهذا يعتبر نصرًا لصاحب المحل، فبالإضافة إلى استغلاله لجاذبية الماركات العالمية المطبوعة على المنتج فإنه يستخدم أيضًا جاذبية التخفيضات على هذه المنتجات، حتى ولو كانت هذه التخفيضات غير مجدية أو وهمية ومتلاعب بها فهذا لا يهم، لأن التخفيضيات بذاتها «كتخفيضات» هي النكهة التي تضفي على عملية التسوق «متعة الحصول على المنتجات بأسعار رخيصة» وهذه المتعة في التسوق لا تضاهيها متعة بالنسبة للمستهلك، فلا ملامة على التاجر في هذه الحالة إذا علق إعلان تخفيضات على باب محله، وهو يعلم أن هذا الإعلان - فقط - هو ما سيجعل الزبون يدخل إلى المحل. ويشرح الأستاذ طريقة تحقيق هذه التخفيضات على أرض الواقع فيقول: معظم التجار يستوردون بضائعهم ذات الماركات بقيمتها الأساسية عن طريق الوكالة الرئيسية للماركة، أو بقيمة أعلى من القيمة الأساسية بقليل من متاجر كبرى هناك، مضافة إليها قيمة الشحن والجمارك، ثم يأتي بها إلى هنا ليعرضها بقيمة أكبر ب50 إلى 90 في المائة من القيمة الأصلية بحسب الموديل أوتكاليف فخامة المحل المعروضة فيه أو بحسب شهرة الماركة، وربما يخالف الأنظمة بهذه النسب، ولكن انجذاب الناس واستعدادهم للدفع تبرر هذه المخالفات، فتصبح قيمة المنتج الذي كلف مثلا 400 ريال -حتى لحظة عرضه- أكثر من 700 ريال، وهذا على أقل تقدير، فيكون لدى التاجر مساحة للتخفيض لأكثر من 250 ريالًا على هذا المنتج فقط بدون خسارة، ويستطيع من خلال هذه المساحة عرض لوحة تخفيضات على المحل بكامله مثلا ب60%، وهو في الحقيقة تخفيض على فئة معينة من البضاعة. ويضيف: الحبكة الدارمية في هذا التسلسل التجاري والتي بدورها تجذب الزبائن تكمن في ثنايا مواعيد عرض هذه التخفيضات وفي طريقة عرضها وترويجها للناس، فالمواعيد هي مواسم الإجازات والأعياد وشهر رمضان والمناسبات العاملة المتفرقة على مدار السنة، أما طريقة العرض فتجد مثلاً رقم نسبة التخفيض (20%، 50%، 70%) في اللوحة الإعلانية المزخرفة بالخط الكبير والعريض الأحمر لأنه أكثر الألوان ملفت للنظر، وللمحافظة على مصداقية التخفيض تجد في اللوحة الإعلانية هنا أو هناك كلمة مرمية ومهملة بخط صغير تكاد أن تُقرأ وهي (تصل إلى..)، وهذا يعني أن (التخفيض الموجود في الإعلان هو أقصى حد للتخفيضات، وهو تخفيض على منتج معين وليس على كل المنتجات لدينا)، وهذا يحدث في أغلب العروض التخفيضية بشكل عام في الأسواق التجارية. ويؤكد أن التجار لا يستخدمون التخفيضات على منتجات الماركات لزيادة جذب الزبائن فقط، ولكن أيضًا لتفريغ المحل من البضائع ذات الموديلات القديمة استعدادا لاستقبال الموديلات الجديدة ويقول: كما أن للمنتجات الغذائية مدة صلاحية إذا انقضت فسدت وأصبحت غير قابلة للاستهلاك، وبالتالي غير قابلة للبيع، فإن للمنتجات غير الغذائية كالملابس والحقائب والأحذية أيضًا مدة صلاحية ما إن انقضت أصبحت غير قابلة للبيع، وهذه المدة تحددها مدى قابلية وانجذاب الناس لموديلات تلك المنتجات، ولكن الفرق بين الحالتين هو أن المنتجات الغذائية لا يمكن تمديد مدة صلاحيتها على عكس المنتجات غير الغذائية، وهنا تأتي مهمة التخفيضات التي يعتبرها بعض التجار «تمديدًا لمدة صلاحية الموديل»، أما في حالة عدم بيع هذه الموديلات بعد هذه الإجراءات فإن التاجر غالبًا ما سيبيعها بأرخص الأسعار بالجملة للمحلات الصغيرة ويعوض خسارته من نسبة أرباح الموديلات الجديدة القادمة التي تتجاوز في لحظة نزولها للسوق 50% من قيمتها الأصلية. قديم فقط وتؤكد مها الغامدي عضو فعال في منتديات حواء أنها اشترت طقم تنورة وبلوزة من أحد المحلات العادية ولم تتجاوز قيمتها 120 ريالًا وتقول: عندما رجعت إلى البيت وركزت في الماركة عرفت أنها ماركة عالمية ثمينة فتعجبت لهذا، وبعد فترة قصيرة أخبرتني إحدى صديقاتي أنها اشترت من قبل نفس الموديل ونفس الماركة بأكثر من 600 ريال، فاعتقدت أن ما اشتريته كان تقليدًا، ولكنني اكتشفت أنني لست الوحيدة التي حدث معها هذا الموقف بعد أن تأكدت من أن ما اشتريته لم يكن تقليديًّا، ولكنه كان فقط قديم من خلال مراقبتي لأسعار موديلات نفس الماركة لفترة طويلة. ويقول مطلق الوافي موظف في القطاع الحكومي: التخفيضات والملابس والماركات والمنتجات غالية الثمن والمستوردة من الخارج ليست لمن هم مثلي، فأنا غير قادر على الشراء منها في موسم التخفيضات فكيف سأتمكن من الشراء في المواسم العادية..!؟ والتخفيضات وإن تحققت فعلاً على عينة من الألبسة الأجنبية فإن سعرها لا يدخل في إطار مقدرتي المالية، وبالتنازل قليلاً والالتفات إلى البضاعة الأدنى نجدها غير مناسبة من حيث المواصفات، وهي إن دخلت ضمن قوسي القدرة الشرائية فإنها لن تدخل في مواصفات القبول والرضا حتى لو طُبعت عليها أشهر الماركات، ولهذا تبقى الألبسة في الأسواق الشعبية سيدة السوق وقبلة المشترين العاديين مثلي على أغلب الأحوال.