الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد.. فإن للحرمين الشريفين من المنزلة والمكانة والمزية في الإسلام ما ليس لغيرهما بإجماع المسلمين ودليل ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضلهما، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (صلاة في مسجدي بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) وقد اختلف العلماء في البقعة التي تضاعف فيها الصلاة في قوله المسجد الحرام لورودها في القرآن الكريم بمعان مختلفة حيث وردت خمس عشرة مرة في القرآن فمن العلماء من يرى أن تضعيف الصلاة خاص بالكعبة ومنهم من يرى أنه خاص بمسجد الكعبة وجمهورهم على أن المراد هو مكة كلها لقوة الأدلة وصراحة بعضها في الدلالة على مكة كقوله تعالى (والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله)وقوله (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين..الآية) وبفعل الصحابة في الحديبية حيث كانوا يتحرون حدود الحرم (مكة) لتقع صلاتهم داخلها إلى غير ذلك من الأدلة. أما مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقع فيه الخلاف بين الفقهاء بأن المراد به هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره كما حكاه ابن حجر الهيتمي في حاشيته على مناسك النووي رحمهما الله وسبب عدم وقوع الخلاف في تحديد مكان المضاعفة أن الروايات التي وردت في الحديث أشارت إليه باسم الإشارة هذا وهو يفيد التخصيص بينما لم يرد هذا في المسجد الحرام ولو وقع في بعض الروايات بغير اسم الإشارة فإن القاعدة عند الفقهاء (إذَا اجْتَمَعَتْ الْإِشَارَةُ وَالْعِبَارَةُ وَاخْتَلَفَ مُوجِبُهُمَا غُلِّبَتْ الْإِشَارَةُ). ووقع خلاف بين العلماء في الزيادة فيه هل تدخل في مزية المضاعفة أم أنها تبقى مقصورة على موضع المسجد الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والذي رجحه النووي ووافقه عليه ابن حجر الهيتمي أن الفضل خاص بمسجده الذي كان في زمنه صلى الله عليه وسلم ومما استدل به من قال بأن الفضل يشمل ما زيد فيه ما ورد في ذلك من أحاديث منها ما نقله العراقي في طرح التثريب عن تَارِيخِ الْمَدِينَةِ (أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ انْتَهَى إلَى الْجَبَّانَةِ لَكَانَ الْكُلُّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (لَوْ زِيدَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ مَا زِيدَ كَانَ الْكُلُّ مَسْجِدِي) وَفِي رِوَايَةٍ (لَوْ بُنِيَ هَذَا الْمَسْجِدُ إلَى صَنْعَاءَ كَانَ مَسْجِدِي)، وَعَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (لَوْ مُدَّ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ لَكَانَ مِنْهُ) وَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمَوْصِلِيُّ بَلَغَنِي عَنْ ثِقَاتٍ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا زِيدَ فِي مَسْجِدِي فَهُوَ مِنْهُ وَلَوْ بَلَغَ مَا بَلَغَ}قال العراقي فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَهُوَ بُشْرَى حَسَنَةٌ) ولم يصحح ابن حجر الهيتمي هذه الأحاديث، ورد على أدلة المخالفين. أما ما ورد في تفضيل الصلاة للنساء في بيوتهن وفي صلاته صلى الله عليه وسلم النافلة في بيته فقد تكلم عن ذلك العلماء وأزالوا الإشكال في ذلك بأجوبة منها أن الصلاة في البيت تضعف على الصلاة في مسجده عن ألف لنص الحديث على ذلك ومثله يقال في حديث بني سليم أما ما ورد في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم المدينة كما حرمت مكة فليس موضع نقاشه هنا لأن الحرم لتحريم بعض الأشياء فيه كالصيد وقطع الحشيش ونحو ذلك مما ورد وتفصيل ذلك في كتب الفقه ولا دخل لذلك بمضاعفة أجر الصلاة فيه ولو لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث مضاعفة الصلاة في هذه الأماكن لما جاز لأحد أن يقول إن الصلاة مضاعفة لأنها حرم والله سبحانه أعلم وفضله واسع والحمد لله وصلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. • أستاذ الفقه وأصوله - جامعة الملك عبدالعزيز