كل ما هو بسيط في الأدب والفن يبدو للوهلة الأولى سهل التقليد ، لكن التاريخ الأدبي والفني لم يسجل نجاح حالة تقليد واحدة للإبداعات التي تتسم ببساطة الأسلوب . على سبيل المثال فإن نزار قباني الذي أقحم على قصائده الكثير من المفردات التي كانت تبدو كما لو انها عصية على التوافق مع روح الشعر ( فنجان القهوة ، الجريدة ، السجائر ، أبله ، حمقاء ، الجينز ، قرف ، الكولا .. إلخ إلخ ) ، كان اكثر من تعرض لمحاولات التقليد . لكن كل محاولات التقليد هذه باءت بالفشل وانتهى أصحابها إلى النسيان بينما استقر المقام بنزار في عالم الخلود . كثير من الشعراء دخلوا مدرسة نزار ، لكن أحدا من هؤلاء لم ينجح ولم يحصل على شهادة التخرج أبدا . بساطة نزار لم يكن مخططا لها وإنما كانت تخفي عفوية عصية على التخطيط المسبق .. والعفوية غير المنضبطة والمنطلقة بلا حدود والخارجة على كل القوانين التي يحتكم إليها العقل ، هي موهبة تصل إلى درجة العبقرية نفسها . وهذا بالتحديد ما يجعل من تقليدها عملية محكوما عليها بالفشل المؤكد . التقليد عملية عقلية محضة ، إنه ينطلق من إدراك مواطن الجمال ويسعى إلى نقلها مع سبق الإصرار والترصد . والإبداع يكتسب قيمته بقدر ابتعاده عن التخطيط المسبق والتفكير المنضبط والمحدد بعناية . المسؤول الأول عن الإبداع هو اللاوعي ، والمبدع الحقيقي لا يكتب النص بقدر ما يكتبه النص . وبقدر ما تتسم نصوص هذه العينة من المبدعين بالبساطة وتبدو مغرية لكل المقلدين ، فإن أحدا لا ينجح في تحقيق هذه المهمة المستحيلة . كثير من الشعراء لم يخرجوا من معطف نزاروحسب بل خرجوا من جيب بنطلونه الخلفي ، لكن أحدا لم ير هؤلاء ولم يشعر بوجودهم من الأساس . وفي القصة حاول الكثيرون تقليد أسلوب الروسي انطون تشيخوف ، لكن أحدا من المقلدين لم ينجح ولم يعرف أن السر وراء إبداع هذا الكاتب كان يكمن في موهبته التي كانت أذكى من أن يسيطر عليها صاحبها أو يخضعها لأي شكل من أشكال التحكم والتقنين والضبط . الموهبة أعظم من الموهوب نفسه . [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (7) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain