رغم أن الدولة -حفظها الله- قد هيّأت الإمكانيات والتسهيلات لذوي الاحتياجات الخاصة، وأولتهم اهتمامًا كبيرًا، ودعمًا بلا حدود، إلاّ أن ما ينقصنا لا يتوقف عند المادة، ولا ينحصر في نظرة شفقة، أو تعاطف. سُئلت ذات مرة في إحدى المحاضرات التي كنتُ ألقيها عن الوقت الذي نحتاجه لنصل إلى ذلك المستوى الرفيع التي وصلت إليه بعض المجتمعات الأخرى، على صعيد الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، فأجبتُ بلا تردد: نحتاج 100 سنة! لم تأتِ إجابتي هذه جزافًا، ولم تكن من باب المبالغة، وحاشا وكلا أن تكون من باب التهكّم والسخرية والاستهزاء بمجتمعنا، لكنها كانت ملامسة للواقع الذي نعيشه، فأنا لا أتحدّث عن طرق ممهدة، أو مواصلات خاصة، أو إعانات مجزية، فهذه كلها أمور مادية، وما أسهل تنفيذها في ظل الطفرة الاقتصادية الهائلة التي نعيشها في هذا الوطن الكبير، في ظل قيادتنا الرشيدة، لكن المشكلة الحقيقية التي تواجهنا، وما زلنا عاجزين عن تخطيها هي عقبة الاعتراف بالمعاق. ولكي نعطي هؤلاء المعاقين حقوقهم النفسية والاجتماعية، لابد أن نعترف بهم أولاً كجزء من هذا المجتمع، لكن الحقيقة المُرّة هي أن هذه الثقافة غير موجودة أصلاً، والأدلة تجدها في عيون الأطفال البريئة المستنكرة والمستغربة لما تشاهده أمامها، فهل كلفنا أنفسنا عناء إضافة مادة جديدة لمناهجنا الدراسية لنغرس في نفوس أطفالنا الاعتراف بالمعاق، الذي هو شخص طبيعي لا يختلف عن الآخرين إلاّ في إعاقته الجسدية؟! أعتقد أننا أمام مشكلة حقيقية تتجاوز التربية والتعليم إلى الثقافة والإعلام، فأين تلك الحملات الترويجية، والإعلانات التسويقية، والمسلسلات بكافة أشكالها من قضية ذوي الاحتياجات الخاصة..؟! في الحقيقة بدأت أفكر في إجابتي السريعة عن ذلك السؤال المهم، وأعتقد أنني كنتُ مخطئًا، فالحقيقة التي قد لا نرغب في سماعها هي أننا بحاجة إلى الكثير والكثير حتى نضع أقدامنا على أول الطريق في هذا الجانب، وباختصار أعتقد أننا سنحتاج أكثر من 100 عام لندرك أن المعاق هو إنسان مثلي ومثلك. [email protected]