تعسير اليسير أيسرُ من تيسير العسير، والبلاغة في ذوقها الرّفيع حاكمة على التعقيد في التركيب والمعنى بالطرد من أحوازها، ورياضها الشريفة، وتجعل ذلك خللاً في نظم الكلام، وتشويشًا على صفاء الأذهان. وأكبر ما نحتاجه اليوم للطلاب الرّاغبين في العلم هو التيسير، والإيجاز الواضح المفصّل. ولا يعمد البليغ إلى الإغراب في كلامه إلاّ لسبب يدعوه إلى ذلك، كإظهار ثراء اللغة، وإفادة السامع بلفظ غريب، أو تحريك همّة للأديب في مقام يستدعي ذلك. وأمّا إذا كان في مقام إفهامه مسائل العلم، ومقام الوعظ فذلك ممّا ينافر البلاغة. فإن كان المخاطبون خلطاء، فيهم الذكي، ومن دون ذلك، والعالم والعامّي، والعربي ومن لا يتقن العربية، فأيسر عبارة هي المتعيّنة، وموجب البيان الذي يوصل طرف الأداء بطرف آخر هو الغاية من البيان، وهو إفهام المخاطب. وكلّما أوصل المؤدِّي المعنى بأقرب عبارة وأوجزها كان أقرب إلى البلاغة؛ لأنّه هو المقصود؛ فقولُ الإنسان يشير إلى ابن عمّه: هذا ابن عمِّي، كقوله: هذا ابن عمّ ابن أخي عمِّ أبي. وقوله: هذه أمُّه، كقوله: هذه أختُ خالته التي لا أخت لها غيرها. وبعض مقرراتنا اليوم مملوءة بالتعقيد، محشوة بمسائل لا تناسب ملكات الدّارسين، ولم تمتزج أساليبها بما يُشوِّق، بل بما يعوِّق، من عبارات واصطلاحات وموضوعات لا ثمرة لها حلوة، أو لا وجود لها اليوم، كبعض أنواع المعاملات، وكأنواع العبيد، من مُبعَّض ومدبّر ومكاتب، والتطويل في ذلك، وفيما يتعلق به، وفي الاشتغال بالتعريفات المعقَّدة. ونعوذ بالله من علم لا ينفع.