حينما أُسقط صدام أمريكيًّا.. تصوّر الكاتب اللبناني غسان تويني حديثًا خرافيًّا أجراه صحافي مع تمثاله في تكريت. أختصره في رد تخيّل الصحافي أنه يسمعه من الصنم، يقول له: لمْ أتوجع لما تحطمت تماثيلي.. حطّموها خوفًا مني. أنا على الأقل لم ينتظروا سنوات ليحطّموا تماثيلي، كما انتظروا سنوات ليحطموا تماثيل ستالين من فرط ما كان لا يزال يرعبهم حتى بعد الممات. وقد ضحكتُ كثيرًا لمّا دخل الجنود الأمريكيون الغزاة، ومن بعدهم رعاع بغداد الذين أطلقوهم، قصوري وغرفة نومي، في حين لم يتجرأ سوفياتي، ولا من أركان الكرملين، خوفًا من شبح يقول لهم إن ستالين لم يمت. الصحافي تهيأ له أن صدام لا يزال حيًّا، متلبسًا تمثاله التكريتي، أو مختبئًا داخله فبادره قائلاً: ... لكن ستالين أرهب خليفته وشعبه؛ لأنه كان قد أرهب العالم بانتصاراته.. أين ستالينغراد، يا بطل؟ وأين لينغراد التي احتمل أهلها ثلاث سنوات من الحصار بلغ بهم الجوع خلالها حد أكل جثث قتلاهم؟ أسئلة كثيرة تكاثرت على شفتي الصحافي، وهو لا يقوى على النطق بها. غالب نفسه، وأطلق كالصرخة هذا السؤال ظنه سيكون الأخير: - أَوَليست قمة المؤامرة الأمريكية أن تقف الجيوش «المظفرة» المحتلة تتفرج على الناس تنهب بغداد؟.. والأفظع، تتفرج على الناس المتفجرة إرهابًا كالطالبان تنهب تاريخًا عمره عشرة آلاف سنة، تحطم تماثيل الآلهة، والأبطال الحقيقيين في المتحف. وكأن الصحافي قد سمع من خلف التمثال صوتًا يقول بسخرية: - وما همّني لو تحطمت تماثيل بابل وآشور بانيبال في متحف، ساعة كنت أعرف أن تماثيلي أنا ستتحطم قبلها؟! ولن ينتطَح أحد على وضع تمثال منها في متحف، ولو محطمًا، فلماذا أبالي؟ ولماذا أستقيل وأنا مطمئن إلى أنه لن يصيبني شر؟! قد يكون ذلك ما كان عليه الوضع في بغداد.. فبعد موت الديكتاتور لم يجد الناس إلاّ تماثيله يتحدثون معها. فلماذا يصمت الدكتاتور.. وتتحدث أفعاله فتحكي أبشع القصص؟ ولماذا يظل دومًا ممنوعًا على الشعوب أن تحلم، وممنوعًا عليها أن تتكلم.. إلاّ مع الأشباح؟!