عندما أصدر أحد قضاة المحكمة العامة بالمدينةالمنورة حكماً بصرف النظر عن دعوى العضل التي رفعتها طبيبة ضد والدها ،وطالبت فيها بنزع ولايته، لمنعها من الزواج حتى تجاوزت 43 عاماً، وإلزام إعادة الطبيبة لوالدها، واعتبارها عاقة لرفعها قضية عضل ضده ،قلنا إنّ هذا القاضي جانب العدل والإنصاف وخالف شرع الله الذي نهى عن العضل ،وأعطى للفتاة حق رفع قضية عضل ضده، ولكن أن تصادق محكمة التمييز على هذا الحكم وتعتبر الطبيبة عاقة وتُلزم بالعودة إلى بيت أبيها ليمارس ضدها كل أنواع العنف، كما مورس من قبل، حتى أنّها لجأت إلى إحدى دور الحماية الاجتماعية منذ عشر سنوات بمساعدة أمارة منطقة المدينة مما يُثبتُ ممارسة عنف ضدها من أهلها ،فهذه طامة كبرى، ولها دلالات خطيرة، أهمها: إقرار عضل الآباء لبناتهم، وفي هذا مخالفة صريحة لقوله تعالى:( فلا تعضلوهن) كما أنّ هذا الحكم يشجع الآباء على عضل بناتهم، وممارسة العنف ضدهن ،وإقرار التمسك بالقبلية في الزواج، مخالفاً بذلك قوله صلى الله عليه وسلم» إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». رواه الترمذي. فالكفاءة في الدين والخلق ،فقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش القرشية من زيد بن حارثة مولاه ،وزوج فاطمة بنت قيس القرشية من أسامة بن زيد ، وهو وأبوه عتيقان وتزوج بلال بن رباح الحبشي بأخت عبد الرحمن بن عوف الزهرية القرشية وزوج أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة القرشي ابنة أخيه الوليد سالماً مولاه ،وهو عتيق لامرأة من الأنصار. والغريب أنّ الفقرة (أ)من المادة (9) من النظام الموحد للأحوال الشخصية لدول مجلس التعاون تنص على» إذا طلب من أكمل الخامسة عشرة من عمره الزواج وامتنع وليه عن تزويجه جاز له رفع الأمر إلى القاضي»ولم يعتبر عاقاً، مع أنّه عين العقوق، فطفل لا يستطيع إعالة نفسه، وأبوه ينفق عليه يجبر أباه على تزويجه، وإذا رفض يزوجه القاضي ويلزمه بالإنفاق عليه وعلى زوجه، والطبيبة الجراحة البالغة من العمر 33 عاماً، عندما ترفع قضية عضل ضد والدها تُعطّل القضية (10) سنوات ،ثُمّ يأتي هذا الحكم الذي غيب حقوق هذه الفتاة التي أصبحت الآن في سن (43) فتُرفض دعواها وتُعتبر عاقة لوالدها! إنّ المرأة إنسان كامل الأهلية مثلها مثل الرجل تماماً، وللمرأة البالغة الرشيدة حق إبرام وتوقيع عقود البيع والشراء والمداينة والرهن والوقف والهبة، وعقود الصفقات التجارية ،ومع هذا محرم عليها أن تعقد عقد زواجها، أو زواج غيرها، ولها أيضاً حق الولاية مثلها مثل الرجل، يوضح هذا قوله تعالى:( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهوْن عن المنكر)، فالمرأة تولت الحكم وقد أشاد الله جل شأنه بملكة سبأ كامرأة شورية، وبين القرآن أنّ دولتها كانت قوية ( قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين ){النمل: 33}، وقد أقرّها سيدنا سليمان على حكم سبأ بعد إسلامها. كما تولت المرأة الحكم في مختلف العصور منها العصور الإسلامية، فمادام الخالق جل شأنه أعطاها الأهلية الكاملة، وأعطاها حق الولاية والحكم ،وحق عقد العقود، فمن باب أولى تكون لها الولاية على نفسها وعلى غيرها ما دامت بالغة رشيدة ،ومن حقها تزويج نفسها في حالة امتناع وليها ،والقاضي عن تزويجها بعد رفع الأمر إليه تواطؤاً منه مع وليها كما هي حال قضية الطبيبة،فهذه الطبيبة اؤتمنت على أرواح الناس ألا تؤتمن على اختيار شريك حياتها؟ وأساساً ليس من حق وليها أن يزوجها بدون رضاها ، وإن أقدم على ذلك، يفسخ العقد إن لم تجزه. وحديث»الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا «فيه دلالة واضحة على جواز تزويج الأيم نفسها؛ حيث جعلها عليه الصلاة والسلام أحق بنفسها من وليها، والأيم هي المرأة التي لا زوج لها سواء أكانت بكراً أم ثيباً، وهذا يدل على عدم اشتراط الولي في عقد النكاح،وتزويج السيدة عائشة رضي الله عنها لابنة أخيها عبد الرحمن عندما كان بالشام فيه دلالة قاطعة على جواز مباشرة المرأة لعقد نكاح غيرها، وبالتالي يجوز لها مباشرة عقد نكاحها من باب أولى. أمّا الاستناد على حديث(لا ينكح النساء إلاّ الأكفاء، ولا يزوجهن إلاّ الأولياء)فهو حديث موضوع ،فقد قال أبو أحمد بن عدي:»هذا الحديث مع اختلاف ألفاظه في المُتون واختلاف إسناده باطل كله، لا يرويه إلاّ مبشر؛ قال أحمد: مبشر ليس بشيء، أحاديثه موضوعات كذب، يضع الحديث، وقال الدار قطني يكذب.{انظر: كتاب الموضوعات من الأحاديث المرفوعات للإمام ابن الجوزي حديث رقم1264،1265} وحديث «لا نكاح إلاّ بولي) ضعيف، ومختلف في وصله وإرساله، فروي من وجوه أخرى مرسلاً في» الموطأ» و»المصنف «لابن أبي شيبة ومن وجه آخر موصولاً بإسناد ضعيف منقطع ،وقال عنه ابن حزم هذه صحيفة لا يُحتج بها، والصحيفة لغة: اسم مفعول من التصحيف، وهو من يخطئ في قراءة الصحيفة فيغير بعض ألفاظها، اصطلاحاً: تغيير الكلمة في الحديث إلى غير ما رواها الثقات لفظاً أو معنى. ومعروف أنّ للمرأة سناً معيناً للإنجاب، فمن الناحية البيولوجية لا تستطيع المرأة الإنجاب عند انقطاع الطمث عنها،إضافة إلى أنّ حمل السيدة فوق سن 35 يُعرضها إلى مخاطر صحية، كما ينتج عنه إصابة الجنين بتشوهات خلقية، مثل متلازمة داون،،فلماذا نعرضها هي وجنينها لهذه المخاطر بتأخير سن زواجها؟ وتأخير سن زواجها يُفوِّت عليها فرص الزواج من شاب من سنها لم يسبق له الزواج. فأناشد معالي وزير العدل أن يصدر نظاماً يمنح المعضولة من قبل وليها والقاضي حق تزويج نفسها بناءً على مذهب أبي حنيفة، ويضبط ببلوغها 25 سنة كما أناشد قاضيي التمييز اللذيْن صادقا على الحكم بالرجوع عن هذه المصادقة،ومصير هذه الطبيبة وجميع السعوديات المعضولات في عنقيهما سيسألان عنهن يوم لا ينفع مال ولا بنون!