كما هي العادة كل سنة، وقبل نهاية كل عام يدخل الفلكيون والمنجمون في سباق ماراثونيّ للإعلان عن توقّعاتهم وتنبّؤاتهم التي تتناول الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية والرياضية، وتشمل رجال السياسة والفن والرياضة.. الخ. ورغم نجاح توقعات المنجمين في معظم ما يتعلق بدول العالم حيث لا يحتاجون إلى مجهودات خارقة، إذ يعتمدون عادة في توقعاتهم على دراسة الاوضاع التي تعتمد على نسق واضح في الحياة السياسية والاقتصادية يقوم على أهداف وخطط مدروسة، فإن توقعاتهم تنتهي بالفشل في معظم ما يتعلق بمنطقتنا العربية والشرق أوسطية التي يصعب حتى على المسؤولين فيها معرفة ماذا سيحدث في دولهم غدًا؟ ويذكرني هذا بقصة العقرب والضفدع اللذين التقيا على ضفاف نهر.. فطلب العقرب من الضفدع أن ينقله على ظهره إلى الضفة الثانية من النهر.. رد الضفدع: ومن يضمن لي أنك لن تلدغني بوسط النهر وتقتلني؟ قال العقرب: كيف لي أن ألدغك وانا راكب على ظهرك.. فان لدغتك سنغرق سوية! رد الضفدع: لا بأس لقد اقنعتني اركب على ظهري لأوصلك إلى الضفة الاخرى. ركب العقرب على ظهر الضفدع وانطلق الضفدع سابحًا.. وفي وسط النهر لدغ العقرب الضفدع وبدأ الاثنان فى الغرق، فقال له الضفدع: لم لدغتنى؟ فرد العقرب: لا تستغرب كثيرًا يا صاحبي فنحن نعيش في منطقة الشرق الأوسط؟! وهكذا فإن هذه المنطقة من العالم يصعب التنبؤ بمجريات الأحداث فيها. وكما يقول الصديق القديم الدكتور فهد العرابي الحارثي، الذي كان أول من مارست معه الكتابة الأسبوعية عندما كان رئيسًا لتحرير مجلة اليمامة، في مؤلفه الضخم (المعرفة قوة.. والحرية أيضًا!): “الجغرافيا السياسية والاجتماعية العربية محتشدة بالألغام، والمسالك الوعرة، والمنعطفات الخطرة: تنميات متعثرة، بطالات متنوعة، أميات علمية وثقافية مختلفة، أزمة فقر، أزمة حريات وحقوق إنسان، أزمة هويات ومواطنة، تشرذمات عرقية وطائفية، حروب وفتن داخلية تنذر بمزيد من الانحدار، أوضاع إقليمية أمنية وسياسية هي، في المجمل، على حافة الهاوية، ومكتنزة بالأوجاع والحقد والأطماع والضغائن وشهوات الدمار”. (ص:15) فإذا كان هذا كله تعاني منه أمتنا العربية التي يُدرك معظم القائمين على أمورها عمق أوجاعها وبعد المسافة التي تفصلها عن العصر القائم وهي “المسافة نفسها التي تفصل العقل عن اللا عقل، وتفصل التفوق عن الفشل، وتفصل الطموح عن التخاذل” (ص:19)، فكيف بالله يستطيع أي مدع بالغيب وبعلوم الفلك أن يسبر أغوارها.. بعد أن عجز أهلها أنفسهم عن فعل ذلك.. ورفعوا شعار الاستسلام والاستكانة، بعد أن اكتفوا بالوقوف على الأطلال لاستعادة قصص وبطولات مضت وقضى أصحابها.