في لفتة جميلة من الأخ متعب العرابي الحارثي تلقيتُ إهداءً مُطرزاً بعبارة :هذا كتابي فقد تجدون فيه ما يُفيد ؛ خُطت بقلم الدكتور فهد العرابي الحارثي صاحب كتاب المعرفة قوة والحرية أيضاً ، فبداية قلَّما تجد هذه الأيام التي تدنت فيها نسبة القراءة بشكل مُخيف أن يكون تهادي الكتب حاضراً في مُجتمع تعفف عن اللب ، وانهمك في الاشتغال بالقشور ، وثانياً أذهلني المحتوى المُميِّز الذي وَضَعَ – بحرفية الطبيب المتمرس – يده على موضع الألم ، وبدأ في تشخيصه في تسلسل منطقي ومنهجية علمية ، مُمتطياً أسلوب السهل الممتنع في وصفه للعلاج الذي يتواءم معه ، ولا غرابة في ذلك فالدكتور العرابي أشهر من علم على رأسه نار. لعل الشرارة التي أوقدت ذهنية المؤلف لقدح الزناد هي مشاهداته للواقع العربي المؤلم المتمثل في التنميات المُتعثرة والبطالات المتنوعة ، والأمُيِّات العلمية والثقافية ، وأزمات الفقر ، وضياع حقوق الإنسان ، وبويهيمية المواطنة والهوية ، التي أدت في مُجملها إلى حالة من الضياع والانكسار ، والشعور بالإحباط. لقد بنى المؤلف رؤيته المستقبلية للبحث عن حل لهذه المُعضلة على ضرورة الصناعة الذاتية للتحضر المُعتمدة على استنبات التقنية لا استيرادها ، وعلى التأهيل لمجالات الإنتاج في كافة الأنشطة ، إضافة إلى أهمية تحرير النظرة التوجسية لمدلول الحرية المتنامية سلباً في مفاصل البنية المُجتمعية ، وإعادة النظر جوهرياً لا شكلياً في ممارسات المؤسسات التعليمية التي لا يتجاوز دورها مُجرد ضخ المزيد من المُخرجات العالة على مُجتمعاتها. إن نقل هذه الرؤية من خانة الاستشراف المستقبلي إلى حقيقة الواقع المُعاش يحتاج إلى آليِّات عمل مُبدعة ، وعقول مُفكِّرة ، ورغبة عارمة في التغيير ، وإرادة مُجتمعية من حديد تنطلق من الخلفيات الثقافية المؤسِسِة للتكوين المُجتمعي المُرتكز على الإرث المتراكم من الحضارة التالدة ؛ بهدف إعادة صياغة المستقبل بمعرفتنا القوية ، وحريتنا المنفتحة على الثقافات الأخرى والتفاعل معها ، بل والتأثير الإيجابي فيها ، للظفر بمكانة مرموقة في عالم تتجاذبه تفاعلات طامحة في الديمومة المستمرة ، نابذاً الركون إلى تُرهات كُتَّاب الخيال العلمي. ويقرر المؤلف حقيقة غاية في الأهمية تتجلى في أنه لا مجال للخروج على شروط العالم الجديد ؛ بقدر ما نعمل على مجاراته شريطة فهم فلسفته وامتلاك وسائله وبناء شراكات معه ، لكي لا تفوتنا الفرصة ونندم وقت لا ينفع الندم ، من خلال تجاوز الإسقاطات السلبية التي وصلتنا بالتواتر ، وإيماننا بها وكأنها مُسلَّمات لا يجب أن نحيد عنها قيد أُنملة ، ولمعالجة هذه الإشكالية يرى المؤلف أن الإيمان بالحرية والمستقبل بوابتان سندخل منهما إلى مجتمع المعرفة متى ما أعدنا النظر في النظم التربوية والتعليمية والثقافية ؛ بهدف إعداد عقول واعية لما يجري حولها ، وقادرة على التعاطي الإيجابي معه ، مع الأخذ في الاعتبار توظيف هذه القدرات لخلق مستقبل نوعي يتسم بالأصالة المتعطشة للبناء الإنساني المتراكم. من جوامع الكلم في الكتاب : المُستقبل ليس هدية .. المستقبل إنجاز. [email protected]