المعروف عن مراكز النقاهة في أي مكان في العالم أنها تكون أشبه بمركز ترفيهي يحتوي مساحات خضراء مفتوحة وتتوفر به وسائل الترفيه والتسلية كافة بما يؤمن حياة كريمة لنزلائه الذين يعانون من مآسٍ متعددة، وبخاصة أنهم من كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة تقتضي رعاية طبية متخصصة ومستمرة، وبعضهم هجرهم أبناؤهم أو أنهم لا عائل لهم، إلا أن ما يحدث في مركز النقاهة بمحافظة جدة يخالف ذلك تمامًا، بل قد يصفه البعض بأنه لا يمكن أن يكون مركزًا للنقاهة بدءًا بمبناه الذي يشبه إلى حد كبير الثكنات العسكرية، مرورًا بغياب المساحات الخضراء ووسائل الترفيه وانتهاءً بسوء المعاملة حسب عدد من النزلاء. “المدينة” تجولت داخل أروقة المركز ورصدت العديد من الملاحظات والسلبيات التي لا تساعد على تقديم الخدمة المطلوبة على الوجه الأكمل، والتقت عددًا من النزلاء واستمعت إلى معاناتهم في ظل هذا الواقع. ورغبة منا في الاستماع إلى وجهة النظر الأخرى حرصنا على الالتقاء بمدير المركز، وظللنا نتردد عليه على مدى ثلاثة أيام متتالية ولكنه لم يكن متواجدًا في مكتبه، وحين وصلنا إليه عبر الهاتف عن طريق مساعده بعد كل هذه المعاناة فوجئنا به يمتنع عن التجاوب معنا، وليته اكتفى بذلك، بل زاد عليه “إذا أردتم أي معلومات يمكنكم أخذها من بواب المركز”. مبنى متهالك وطالب عدد من النزلاء الذين تحدثوا ل “المدينة” بنقل المركز إلى موقع آخر مناسب، مشيرين إلى رداءة المبنى الحالي وعدم توفر وسائل الراحة ومساحات خضراء مفتوحة للتنزه والترفية الحر في الهواء الطلق. وقال احدهم (فضل عدم ذكر اسمه) إن العاملين في المركز بحاجة إلى دورات متخصصة في التعامل مع كبار السن واصحاب الحالات الخاصة من المرضى الذين يقضون فترة النقاهة داخل جدران هذا المبنى الذي وصفه ب “المتهالك”، فيما طالب آخر بسرعة اتخاذ تدابير مناسبة للنقل من هذا المبنى الذي تنتشر فيه الحشرات بشكل لافت للنظر. وأضاف: أن العاملين في المركز يقومون بين الوقت والآخر برش المبيدات الحشرية دون اتخاذ الاحتياطات المناسبة والتنسيق المسبق مع المرضى مما يسبب الكثير من المتاعب لكبار السن من النزلاء. تسول على كرسي متحرك وعلى كرسي متحرك كان احد المرضى من كبار السن يتسول بطاقة شحن، وعندما استوضحنا الامر منه أفاد انه يعاني من هجر أهله ويريد البطاقة من أجل الاتصال عليهم، عندها وعدته بتوفيرها له، ودلفت إلى غرف الدور الاول دون أن يمنعني احد، حيث شاهدت عددًا من أنابيب الاكسجين في الممر اضافة إلى أسرة مهملة مكدسة داخل إحدى الغرف. حوار المعاناة والتقيت باثنين من المرضى يتبادلان أطراف الحديث على سريريهما، دخلت معهما في حوار حول معاناتهما في هذا المركز فأفادا أنهما يعانيان من شح المياه في بعض الاحيان، مشيرين إلى أن ذلك الشح بسبب مغسلة تجارية تستنزف كميات كبيرة من المياه على حساب توفيرها للمرضى. انتقلت بعدها إلى مقر المغسلة لاستيضاح الامر وبالحديث مع العامل الآسيوي أكد صحة ما ذكره النزيلان، وزاد عليهما أنهم يقومون بدفع رسوم مالية شهرية لادارة المركز من أجل توفير المياه. خذوا ما تريدون من البواب عدت مرة آخرى إلى داخل المركز من أجل الالتقاء بالمدير ولكن مدير مكتبه أفاد بأنه في اجتماع خارجي، ترددت عليه على مدى ثلاثة أيام ولكنه لم يكن موجودًا في مكتبه، وبعد طول انتظار تمكنت من الوصول إليه هاتفيًا من خلال مساعده الدكتور عبدالكريم الاعمى، وبالحديث معه وطلب الاستيضاح لبعض الملاحظات وإلقاء مزيد من الضوء على جهود المركز في ظل كل هذا النقص وسوء المبنى، اعتذر عن الادلاء بأي تصريح قبل أن نحصل على موافقة خطية من مدير مستشفى الملك فهد، وتقديم تعريف من جهة العمل، غير أنه اعترف بسوء امكانيات المبنى المستأجر الحالي، فجاء رده على غير المتوقع من إنسان في موقع المسؤولية حيث قال: “بامكانكم اخذ المعلومات التي تريدونها من بواب المركز او احد المرضى”. وشهد شاهد من أهله الى ذلك أفاد مصدر في مركز النقاهة بجدة بأن هناك شكاوى من بعض ذوي المرضى المنومين في المركز بشأن عدد من الملاحظات مثل سوء النظافة او سوء المعاملة من قبل الطاقم التمريضي، اضافة إلى قدم المبنى الحالي رغم أنه المركز الوحيد في جدة، مشيرًا إلى أن تلك الملاحظات يتم أخذها بعين الاعتبار والحرص على علاجها بكل السبل الممكنة حسب الامكانات الموجودة والمتوفرة. شكوى لوزارة الصحة وابان المصدر أن احد اقرباء نزيل في المركز تقدم بالفعل بشكوى رفعها لوزارة الصحة، وتم تشكيل لجنة من الصحة وحقوق الآنسان والامارة للتحقق من صحة الشكوى، وحضرت اللجنة إلى مقر المركز وحققت مع العاملين والطاقم التمريضي واطلع أعضاؤها خلال الجولة التفتيشية على جميع مرافق المركز وسير العمل فيه، إلا أن هذه الشكوى كان مصيرها الحفظ بعد أن تبين للجنة مبالغة الشاكي. مبنى جديد مستأجر أيضًا وأوضح أن المركز الآن بصدد الآنتقال إلى مبنى آخر مجاور لمبنى مستشفى الملك عبدالعزيز، مبينًا أن المبنى الجديد “مستأجر” هو الآخر إلا أنه يتميز بمساحات وامكانيات كبيرة جدًا، ولكن الآنتقال تأخر بسبب المفاوضات بين المستشفى ومالك المبنى من اجل تخفيض مبلغ الايجار الذي وصل إلى مليوني ريال سنويًا. 29 عامًا في الخدمة وقال المصدر إن مركز النقاهة بجدة اسس عام 1402ه ويتبع لمستشفى الملك فهد، وكانت بداية فكرة إنشائه كحل لمشكلة تكدس اعداد المرضى المنومين لفترات زمنية طويلة نتيجة اصابتهم بحالات مرضية مزمنة بعد استقرار حالاتهم وتوقفهم عن تعاطي العلاج والتدخل الطبي العلاجي وحاجتهم فقط للعلاج الطبيعي، مما دفع ادارة المستشفى إلى تبني الفكرة والشروع في تنفيذها على ارض الواقع، وتتوفر في المركز المتطلبات الاساسية للرعاية الطبية والتمريضية كافة، وهو يستقبل جميع تلك الحالات التي تتفاوت بين ال 90 - 110 حالات مرضية من الرجال والنساء الذين يعانون من الشلل سواء النصفي او الكامل او المرضى المسنين المصابين بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والبول السكري او تدهور وظائف الكلى او الكبد ومرضى السرطان المصابين بحالات مرضية متقدمة ومرضى جلطات المخ والاصابات الدماغية الناتجة عن الحوادث ومرضى الغيبوبة الكاملة والمرضى المسنين المصابين بتخلخل العظام والروماتيزم المتقدم وامراض الشيخوخة والعتة ومرضى الزهايمر. ------------------------- صحة جدة: التحقيق في بيع مياه المركز لصالح مغسلة تجارية توعد مدير الشؤون الصحية بمحافظة جدة الدكتور سامي بادوود بالتحقيق في ما ذكره النزلاء وبعض منسوبي مركز النقاهة عن بيع حصة من مياه المركز لمغسلة ملابس تجارية في ذات المبنى مقابل رسوم مالية شهرية تدفع للإدارة. وقال: إنه سيتحقق شخصيًا من هذه المعلومات، مؤكدًا اهتمامه بهذا الأمر. وأضاف: مالك المبنى هو المسؤول عن توفير المياه لجميع المستأجرين سواء مركز النقاهة أو المغسلة أو المحلات التجارية الأخرى. وكان اثنان من النزلاء قد اشتكيا من شح المياه في بعض الأحيان، مشيرين إلى أن ذلك الشح بسبب مغسلة تجارية في المبنى تستنزف كميات كبيرة من المياه على حساب توفيرها للمرضى. وأكد عامل آسيوي في المغسلة صحة ما ذكره النزيلان، وزاد عليهما أنهم يقومون بدفع رسوم مالية شهرية لإدارة المركز من أجل توفير المياه. وردا على سؤال “المدينة” عن سوء المبنى الحالي قال د. باداود: المركز بصدد الانتقال إلى مبنى آخر مجهز بالكامل، والأوراق الآن في وزارة الصحة لاعتمادها. من جانبه أكد مساعد مدير مستشفى الملك فهد بجدة الدكتور سالم باسلامة أنه سيتم التحقيق فيما ذكر عن بيع مياه مركز النقاهة للمغسلة التجارية في نفس المبنى المستأجر من أجل التأكد من المعلومة وكشف ملابساتها، مشددا على أنه لن يكون هناك أي تساهل تجاهها في حالة ثبوتها، لافتا الى ان جميع الملاحظات التي يعاني منها النزلاء سيتم أخذها بعين الاعتبار والعمل على حل جميع الاشكاليات. ---------------------- “حقوق الإنسان”: استمعنا لشكاوى النزلاء والادارة وعدت بحلها أوضح رئيس جمعية حقوق الآنسان بمنطقة مكةالمكرمة الدكتور حسين الشريف أن هذه الفئة من افراد المجتمع تحظى ولله الحمد بعناية ورعاية الدولة حفظها الله، مشيرًا إلى تلك الزيارات التي قام بها اعضاء الجمعية للاطلاع والاطمئنان والاستماع إلى ملاحظات او شكاوى المرضى من نزلاء المركز، لافتًا إلى أن هذه الزيارات كان لها الاثر الكبير في تحسين الاداء والارتقاء بمستوى الخدمات التمريضية به خصوصًا وان ادارة المركز ابدت اهتمامًا بجميع ملاحظات النزلاء ووعدت بحلها بشكل نهائي. وأكد ضرورة نشر ثقافة العمل التطوعي والانساني من خلال القيام بزيارات للمرضى خصوصًا المقطوعين من اقاربهم او ممن هجرهم الاهل والاصدقاء بعد أن مكثوا فترات طويلة هناك، مشيرًا إلى الاجر الكبير في هذا العمل الخيري الانساني والذي يحث عليه الدين الاسلامي. -------------------- إخصائية اجتماعية تنتقد أوضاع “النقاهة” الحالية وتطالب بمراكز متخصصة انتقدت إخصائية اجتماعية الوضع الحالي لمركز النقاهة في جدة كونه يفتقر إلى وجود مساحات خضراء تعتبر بمثابة متنفس طبيعي للمرضى خصوصًا اصحاب الاصابات التي لا تحتاج إلى عناية مركزة او درجة عالية من التعقيم، وكذلك عدم توفير وسائل الترفيه الضرورية لمثل هذه النوعية من المرضى. وطالبت الإخصائية الاجتماعية ورئيسة جمعية “حماية” بمحافظة جدة سميرة بنت خالد الغامدي بإيجاد مراكز نقاهة متخصصة خصوصًا في ظل ارتفاع معدل الحوادث المرورية والاصابة بالامراض مثل الجلطات الدماغية، ناهيك عن تنوع البرامج الثقافية والتوعوية والترفيهية التي تقدمها المراكز المتخصصة في الخارج للمرضى وذويهم ايضًا، وكذلك تخصيص زيارات للمشاهير من رجال الاعلام والفن والرياضة ونحو ذلك. ولفتت إلى وجوب التنبه لمثل هذه المتطلبات خصوصًا ان هناك عددًا ليس بالقليل من المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية ما بعد العلاج الطبي يلجأ ذووهم إلى السفر للخارج وصرف مبالغ مالية باهظة تحملهم ديونًا مالية كبيرة قد تضطرهم إلى بيع ممتلكاتهم.