حينما يتبادر إلى أذهاننا التعليم والظروف المناسبة التي تتلاءم مع مقتضياته، نجد أننا أمام حالة خاصة، بل حالة نادرة جدًا تعيشها قرية جزيرة قماح إحدى جزر فرسان بمنطقة جازان. ففي الوقت الذي توفر فيه حكومة خادم الحرمين الشريفين كل ما من شأنه أن يُساهم في الرقي بالتعليم، إلا أن الظروف التي تعيشها المدرستان الابتدائيتان في جزيرة قماح تخرج عن نطاق المألوف، حيث تبدأ معاناة المعلمين والطلاب في وقت مبكر جدًا من صباح كل يوم تعليمي، بدءًا باجتياز البحر، وانتهاءً بالعودة عبره. رحلة المعاناة فبعد اجتماع المعلمين مع طلابهم على شاطئ مرسى "جنابة" وكذلك المعلمات مع الطالبات، تبدأ رحلة المعاناة .. فوسيلة التنقل الوحيدة هي "قارب نزهة صغير"، وقد يتبادر إلى الأذهان أنه يحمل مواصفات قوارب النزهة المثالية على شواطئ جدة والدمام وغيرهما من مدن مملكتنا الحبيبة، فيما هو عكس ذلك تماما، فهو قارب مكشوف يتزاحم فيه المعلمون والطلاب وقد تم استئجاره من قبل إدارة المدرسة على حساب المعلمين، وقد يتطاير الموج عليهم من كل الجهات، وبالتالي فهم يحملون معهم ما يكفيهم من الملابس من باب الاحتياط ليتم تغيير ما يلبسونه بعد الوصول إلى المدرسة. وحين تصل إلى شاطئ جزيرة قماح، تجد نفسك مجبرًا على النزول في الماء والخوض فيه باتجاه الشاطئ على أن تأخذ حذرك للمحافظة على الكتب الدراسية. وبعد ذلك تبدأ رحلة المشي على الأقدام ما يُقارب الكيلومترين باتجاه المدرسة، الأمر الذي يستغرق وقتًا طويلًا وجهدًا مضاعفًا، لا يخدم العملية التعليمية واستيعاب الطلاب لما يدرسونه بأي حال من الأحوال. ويقوم عدد من أهل الخير من أبناء الجزيرة بنقل الطلاب والطالبات على دراجات نارية نظرًا لطول المسافة وعدم تحمل الأطفال في السير الطويل نحو المدرسة. مبنى متهالك ولوحة قديمة وحين اقترابك من المدرسة تجد نفسك تعود إلى أكثر من ثلاثين عامًا إلى الوراء، حيث تستقبلك لوحة قديمة جدًا معلقة على مبنى تهالك جزء كبير منه وبدأ عليه الشحوب والشقوق في كل نواحيه، حيث تم وضعها منذ تأسيس المدرسة عام 1396 ه والتي لا تزال تقاوم "هرم الزمان والمكان". وما إن تجتاز البوابة وتدخل إلى مبنى المدرسة يتبادر إلى ذهنك سؤال عريض (كيف يمكن لطلابنا تلقي تعليمهم داخل هذا المبنى؟) .. فهو يتكون من إدارة المدرسة وغرفتين تتزاحم فيهما جميع المراحل الدراسية، ومكتبة صغيرة يعود عمرها إلى أكثر من 31سنة، منذ أن كان المغفور له بإذن الله تعالى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود وزيرًا للمعارف، ودورة مياه يتم تركية بابها بواسطة الحجارة الصغيرة، أما الملعب الخاص بحصص الرياضة فيقع داخل ذات الفناء. صفان في حصة واحدة. وبمتابعة الطلاب وآلية دراستهم، وجدنا أن المعلم يقوم بتدريس صفين دراسيين أثناء الحصة الواحدة وذلك لقلة المباني والمعلمين، مما يُُسبب إرباكًا لمنهاجية إيصال المعلومات للطلاب، فقد يتلقى طالب الصف الأول معلومات طالب الصف الثاني، والعكس كذلك. غياب المقصف وعن وضع المدرسة من الناحية الغذائية فلا يوجد بها مقصف خاص نظرًا لعزوف الشركات والمؤسسات عن التعامل معها لظروف التنقل، مما يضطر الطلاب إلى إحضار ما يكفيهم من الطعام يوميًا. وذات الوضع ينطبق على مياه الشرب، حيث توجد برادة أكل عليها الدهر وشرب، صدئة ليس بها أي مقومات للسلامة والصحة. صورة طبق الأصل ولا يختلف حال المدرسة الابتدائية للبنات كثيرًا، فهي صورة طبق الأصل مما تم الوقوف عليه في مدرسة البنين. ووسيلة النقل الخاصة بالمدرسة متعطلة منذ شهور طويلة دون أن يتم صيانتها أو محاولة إصلاحها، وهو ما زاد معاناة المعلمات في التنقل من شاطئ قماح وصولًا إلى المدرسة. الإدارة تمتنع عن الحديث “المدينة” حاولت التحدث مع إدارة المدرستين (البنين والبنات) ومعلميها ومعلماتها، إلا أنهم امتنعوا عن الحديث بحجة أن هناك متحدثًا رسميًا باسم إدارة تعليم جازان. الوضع سينتهي قريبًا وبالاتصال على مدير إدارة التعليم شجاع القحطاني أفادنا بأن هذا الوضع سوف ينتهي قريبا بإذن الله تعالى سواء في المدرسة الابتدائية للبنين أو مدرسة البنات. وبسؤاله عن وسائل التنقل قال: سوف يتم تأمين قارب لنقل المعلمين والمعلمات ابتداء من شهر محرم الحالي. مدرستان جاهزتان وبالتحدث إلى مشرف المباني المهندس أحمد الأسود أكد أن هناك مدرستين جاهزتين سوف يتم نقلهما إلى جزيرة قماح نظرًا لصعوبة نقل المواد إلى الجزيرة. وردًا على سؤال عن الزمن اللازم لتجهيز المبنى، أفاد أنه سيكون جاهزًا مع بداية الفصل الدراسي الثاني أو مطلع العام المقبل.