يعتبر طب الأسنان في مصر والعالم العربي مجالًا حديثًا نسبيًا حيث يعود لقرابة الستين عامًا تقريبًا. ورغم قلة أو ندرة الكتب والوثائق التي تؤرخ طب الأسنان، يقدم الدكتور محمد أبو علام الأستاذ بكلية طب الأسنان بجامعة الأسكندرية؛ في كتابه “تاريخ طب الأسنان من التجربة الذاتية” أول ما يكتب عن فك الإنسان الأول وأسنانه وتطورها من الأجيال الأولى إلى الإنسان المعاصر، وعن التاريخ المهني في طب الأسنان بمصر من البدائية إلى الحداثة المهنية المعاصرة، وكل ما يهم الأطباء ومرضى الفم والأسنان والمهتمين بالثقافات التاريخية.ويعتمد الكاتب في توثيقه لتاريخ طب الأسنان في مصر على تجربته الذاتية وذلك لندرة المراجع في هذا التاريخ المهني، ولرغبته في المزج بين الأحداث والوقائع، وبين تاريخ وطبيعة الممارسة المهنية في هذا التخصص، ولأن تاريخ الممارسة المهنية يؤصل ويوثق الأحداث والأدوات، والمستعمل من المواد والخامات. وبذلك مزج سيرته في أحداث التاريخ بقلمه، من خلال معايشته المهنية لمجال طب الأسنان التي جاوزت الأربعين عامًا واستعرض الكاتب من خلال عمله بالمملكة العربية السعودية كأخصائي أسنان بوزارة الصحة السعودية؛ تاريخ التواصل والمد الثقافي المهني في طب الأسنان من مصر إلى المملكة العربية السعودية. بدأ طب الأسنان في وزارة الصحة بالمملكة العربية السعودية من آخر ما انتهت إليه مصر بأن تعاقدت السعودية وبشكل مكثف في سنوات قليلة مع الخبرات والكفاءات من أطباء الأسنان في الخارج، ثم افتتحت جامعة الملك سعود بالرياض أول كلية لطب الفم والأسنان في أواخر العقد السابع من القرن العشرين، وبعدها بدأت السعودية في إعداد وتعليم فنيي الأسنان في معاهدها وفقط مع بداية القرن الحادي والعشرين. وبذلك، يؤكد أبو علام أن المملكة انتقلت في فترة زمنية لم تتجاوز العشر سنوات من البدائية إلى الحداثة في طب الأسنان. وكانت بداية تلك المرحلة الانتقالية مع استحداث أول قسم لطب الفم والأسنان في برامج وزارة الصحة السعودية وافتتاح أول قسم لعلاج الفم والأسنان على أرض المملكة بمستشفى الشميسي بالرياض، والذي خطط وأسس له الدكتور محمد وجدي المصري الجنسية ابن القاهرة وخريج جامعة القاهرة. وقد قام الكاتب بتقسيم الكتاب إلى جزأين، خصص الأول لبحث تطور فك الإنسان الأول إلى ما عليه الإنسان المعاصر، والثاني لتتبع تاريخ طب الأسنان في مصر من خلال تاريخ ما قبل طب الأسنان الحديث، ونشأة وتطور جامعة القاهرة والأسكندرية، وسيكولوجية المريض في عيادة الأسنان، وتطور القدرات المهنية لطبيب الأسنان، ونشأة وتطور التاريخ النقابي في طب الأسنان بمصر، والمواقف المهنية الصعبة التي قابلها الكاتب. وخصص الكاتب سطور كتابه الأخيرة لموضوع تلقائية الأدباء وطب الأسنان، والذي عرض فيها أبيات شعر كتبها الشاعر بهي الدين هلال الذي كان بينه وبين والد أبو علام رباط وجداني، وكان يزوره في دكانه بمركز مطوبس في محافظة كفر الشيخ أحيانًا، والذي استطاع أن يوثق تجربته كمريض للكاتب بعذوبة لغوية، وأبيات شعرية تعبر عن تلقائية جيل رائع من أجيال الزمن الجميل.