* كثيرون في مجتمعنا لا يدركون الدور الحيوي والكبير الذي يقوم به أفراد الكشافة في موسم الحج. بل إن الغالبية العظمى هنا في مجتمعنا قد لا يعرفون ماهية الحركة الكشفية وأدوارها المجتمعية وانعكاساتها التربوية على البناء الذاتي للمنتمين لها من الشباب. * كنت في مقال الاثنين الماضي قد ذكرت بعضاً من الأعمال التي تشارك فيها الكشافة في الحج مع جهات ومؤسسات مختلفة مثل وزارة الحج وأمانة العاصمة المقدسة، وذلك تعليقاً على ما أرسله لي الدكتور مقرن المقرن قائد معسكرات الخدمة العامة التي تقيمها جمعية الكشافة العربية السعودية لخدمة ضيوف الرحمن في أيامنا هذه. وذكرت أنني أنا ذاتي ممّن شارك في هكذا معسكرات، عندما كنت كشافاً في المرحلتين المتوسطة والثانوية، وجوالاً عندما كنت في المرحلة الجامعية. * إضافة إلى الخدمة العامة التي يقوم بها الكشاف ومساهمته في تقديم صورة جيدة لضيوف الرحمن عن شباب هذا الوطن المقدس، فالمشاركة تنعكس إيجاباً على الشاب ذاته حين يرسخ مفهوم المسؤولية الاجتماعية بأهمية وحتمية دور الفرد في تحسين الخدمات المجتمعية للجميع، وهو ما يعني بكل بساطة زرع روح الإيثار والمشاركة الجماعية وإلغاء روح الأنانية وحب الذات. فالكشاف منذ لحظة انتمائه للحركة الكشفية يتحول إلى كائن بشري مجتمعي يمارس إنسانيته في كامل أناقتها ورفعتها السامية بالاندماج الكامل في الكل المجتمعي. فهو لم يعد فرداً ذاتياً فقط، بل جزءاً من كينونة مجتمعية كبرى، ما يحدث فيها من حراك وتطور إنما هو انعكاس عليه هو كما على المجموع. وهكذا روح نحن في أيامنا هذه في أمسَّ الحاجة إلى غرسها في نفوس الشباب بعد طغيان المادة، وسيطرة روح المصلحة الذاتية، وسيادة أنا ومن بعدي الطوفان. * كما أن المشاركة مع الكشافة والانتماء إليها يساهم إلى حد كبير في خلق روح إبداعية في ذوات الشباب، ويحفزهم إلى حب العمل وخدمة الآخرين، والتطوع الاختياري، وأن كل ذلك إرضاء ذاتي ينعكس هدوءاً وراحة نفسية على الفرد ذاته. إضافة إلى تنمية الإحساس بالألفة مع محيط الفرد الاجتماعي. فالإنسان لم يُخلق ليكون ذاتاً مستقلة منعزلة بل كائناً اجتماعياً يألف ويُؤلف، والعيش في معسكرات الخدمة الكشفية سواء أثناء موسم الحج أو غيره له من الانعكاسات الإيجابية على أفراد الكشافة بما لا يشعر به إلا من شارك فيه وقد أحسست بذلك كثيراً، وخلق لي ذلك معارف وأصدقاء من كافة مناطق المملكة وخارجها عندما كنا نشارك في معسكرات كشفية عربية ودولية. * والروح الأسرية التي أصبحنا نفتقدها في أيامنا هذه، وما سببته من خلافات بين أفراد الأسرة الواحدة تعيش في فضاءات المعسكرات الكشفية بدون تكلف وبطبيعية ساحرة، فالانتماء إلى الحركة الكشفية يخلق أجواءً أسرية متآلفة بين أفرادها بدون الضغوط الأبوية أو العائلية، مّما يرسخ التوازن النفسي للشاب ويساعده على تخطي مشكلات الحياة بروح قتالية عالية، ويتخطى العوائق والحواجز بكل سهولة وبساطة، ثقة في ذاته وإيماناً بقدراته. وهذا ما يدفعني إلى مطالبة زملائي الكُتَّاب والصحفيين إلى إبراز دور معسكرات الخدمة العامة التي تقيمها جمعية الكشافة العربية السعودية وبشكل متواصل، عسى أن يُحفّز ذلك الشباب إلى نبذ الذات، والحرص على التخلّق بأخلاق إنسانية رفيعة.