خلال أسبوع واحد، وفي خطابين متواليين، أمعن نتنياهو في التركيز على الإسلام الأصولي أو الراديكالي، الأمر الذي يبدو لافتًا للانتباه من رجل يقدم نفسه على أنه زعيم صقوري لا يرهبه شيء. في الخطاب الثاني، وأمام مؤتمر “مستقبل الشعب اليهودي” الذي حضره حشد من زعماء اليهود في العالم، منح نتنياهو هذه المسألة جزءًا لافتًا من خطابه، متوعدًا بالقضاء على “الإسلام الراديكالي”. وفي حين وقع الربط في خطابه بين المصطلح وبين إيران التي تسعى إلى تدمير إسرائيل وتنكر الهولوكوست بحسب تعبيره، إلا أنه لم يحصر التهديد فيها، بل تجاوزه إلى القول إن “الإسلام الراديكالي” أصبح ذا نفوذ في غزة ولبنان وأفغانستان وأمريكا الجنوبية وإفريقيا”. وفي حين يبدو الخطاب الذي مارسه نتنياهو في المرة الأخيرة (ومن ثم تركيزه على الخطر الإيراني) جزءًا لا يتجزأ من حشد يهود العالم خلف دولته سياسيًا واقتصاديًا، فإن تكرار الموقف يعني أن للرجل أجندته الخاصة من وراء طرح الموضوع في هذا التوقيت بالذات، وحيث ينبغي التركيز أكثر على مسألة المفاوضات والاستيطان، لا سيما أن كثيرًا من يهود العالم يرون موقفه على هذا الصعيد متشددًا ويسيء لعلاقة الدولة العبرية مع إدارة أوباما. وقد كان توماس فريدمان (الكاتب اليهودي الأمريكي الأكثر شهرة وتأثيرًا) حادًا قبل أيام في وصفه لطريقة تعامل نتنياهو مع أوباما الذي اعتبر أنه قدم للدولة العبرية أقصى ما يمكن تقديمه. سيحدثنا البعض هنا عن مسرحية التهديد الإيراني والتحالف الأمريكي الصهيوني الإيراني، إلى غير ما هنالك من تفسيرات تآمرية لا تمر على العقل السوي حتى لو رأى إيران شيطانًا لا يريد أن يرى مسلمًا سنيًا على وجه الأرض (لا خلاف على جرائمها في العراق)، لأن الدولة العبرية تسعى لأن تصبح سيدة المنطقة دون منازع، ولن تقبل بإيران دولة منافسة، مع العلم أن إيران لن تغير خريطة الواقع الإسلامي الذي استقر طوال القرون بأي حال، حتى لو أرادت ذلك. وفي حين يبدو حديث نتنياهو عن إيران تقليديًا ويحاكي إجماع الساحة السياسية الإسرائيلية، فإن وضع الحالة الإسلامية كلها في سلة واحدة هو تعبير عن إرادة الحشد من جهة، فيما يعبر عن خوف حقيقي من جهة أخرى، ذلك أن عداء المسلمين الكبير بمن فيهم الجاليات في الغرب للدولة العبرية، إنما هو من صناعة الظاهرة الإسلامية بشكل أساسي، وقد تمكنت الصحوة الإسلامية خلال العشرين عامًَا الماضية من تجييش سائر المسلمين ضد دولة الاحتلال على نحو لم يحدث من قبل، وقد أشرنا ذات مرة إلى قول شارون لمسؤول أمني مصري إن الشيخ أحمد ياسين أكثر خطورة بكثير من ياسر عرفات لأنه يجيش مليار مسلم ضدنا. والحق أن الصحوة الإسلامية لم تقف عند حدود العداء اللفظي والتجييش العاطفي ضد الدولة العبرية، وإنما ساهمت بشكل واضح في إفشال سائر المشروعات التي صيغت من أجل مصلحتها. وليس ثمة عاقل ينكر علاقة المصالح الصهيونية بمشروع احتلال العراق الذي أفشلته المقاومة الإسلامية العراقية، وهو ما يتكرر اليوم في أفغانستان (إضعاف أمريكا بحد ذاته يضعف دولة الاحتلال)، كما لن ينسى نتنياهو أن حزب الله هو الذي هزم دولته وأخرجها ذليلة من جنوب لبنان (هل كان هذا تمثيلية أيضا؟!)، ثم كرر الهزيمة في حرب تموز 2006م، تمامًا كما فعلت حماس والجهاد بتصدرها لمشهد انتفاضة الأقصى وصولًا إلى معركة الرصاص المصهور التي فشل فيها العدو في تحقيق أي من أهدافه (الخطاب الإسلامي الاستشهادي شمل فتح أيضًا خلال انتفاضة الأقصى). من هنا لا يمكن القول إن أصابع الصهاينة بعيدة عن ظاهرة “الإسلاموفوبيا” التي تسود العالم هذه الأيام، وهي التي يتصدرها أخلص أصدقاء الدولة العبرية في الغرب (ساركوزي، ميركيل، بيرلسكوني). لا ينبغي بالطبع إغفال ما لكلام نتنياهو من دلائل على احتمالات حرب يمكن أن يشنها على المحاور الأساسية التي تحدث عنها (إيران، حزب لله، حماس)، وإرادته التمهيد لها بحديثه المتواصل عن “الإسلام الراديكالي” مع التذكير بخطره على الغرب عمومًا، لكنه من جهة أخرى تعبير حقيقي عن شعور الرجل بالهواجس الحقيقية التي تعيشها دولته. [email protected]