ما زالت جده تعيش فرحتها بأيام العيد السعيد في كل جنباتها وشوارعها، حيث علت الابتسامات الوجوه وسكنت الفرحة القلوب بتلك المناسبة السعيدة، إلا أن هناك من مر عليهم العيد صامتًا كغيره من الأيام التي يعيشها هؤلاء المسنون من سكان الأربطة، والذين رغم صخب الاحتفالات في كل مكان ظلوا محتفظين بمكانهم على هامش الحياة. “المدينة” زارت هؤلاء المسنون في رباط الشيخ النوري وسط حي البلد بجدة، لنتعرف على مشاعرهم في تلك الأيام البهيجة، وهل وصلتهم بهجتها، أم فقط وصلهم الضجيج، ولم يصلهم الأريج؟ تحدثت معنا المسنة أم فيصل المكاوي، والتي تعد نفسها المسؤولة عن بقية جاراتها في الرباط، حيث قالت بنبرة صابرة إنهن يقاسين في كل يوم آلام الوحدة وانقطاع المعونة في الغالب إلا من الله، ثم بعض من يتذكرهن من الخيرين.. أما هي فتعيش في هذا الرباط على حد وصفها على “كف الرحمن” منذ حوالى 34 عامًا، ولم تستطع خلالها أن تفرق بين عيد أو غيره من الايام، فلا مهنئين ولا حلوى، وحتى لم يرن النور هي أو جاراتها البالغ عددهن تسعة عشر، وذلك لكبرهن وعدم قدرتهن.. وأعربت أم فيصل بالدموع عن فرحتها بزيارة “المدينة”، آملة أن تتكرر. وفي زيارة لقسم الرجال أعرب عبدالعزيز قايد أحد نزلاء الرباط عن أسفه على ما وصلوا اليه من بؤس، قائلا: جميع من يعيش في هذا الرباط هم من المسنين الذين كانوا سواعد قوية ساهمت في تدوير عجلة الحياة في يوم من الايام، ولكنهم الآن لا يجدون من يقول لهم “عيدكم مبارك”، أو حتى أقصر عبارات التهنئة في أي مناسبة تمر على المسلمين.. فهم في هذا الرباط، كما يقول، وفي كثير من الاربطة يعيشون في كوكب النسيان إلا من الله تعالى، ثم من يسخره لهم من الخيرين بين كل وقت وآخر.