تابعنا حادثة وفاة 6 أفراد من أسرة واحدة تحت أنقاض المبنى المنهار بحي الصحيفة بجدة، وما صاحب ذلك من تصريحات عن مشكلة أكبر تكمن في وجود 8 آلاف مبنى آيل للسقوط في أكثر من 55 حيا عشوائيا بجدة فقط، واستمرار المشكلة لعدم اعتماد تكلفة الإزالة البالغة 26 مليون ريال من وزارة المالية وبالتالي بقاء الخطر المتربص بحياة آلاف السكان. وفيما كنا نتابع هذه الأرقام في مدينة واحدة، قرأنا خبرا من نوع آخر وفي اتجاه آخر يقول إن مجلس أبو ظبي للتخطيط العمراني اعتمد خطة عشرينية تهدف إلى إضفاء أكبر مقدار ممكن من السلامة والراحة والمزايا الجمالية على كل الشوارع وتبدأ الخطة بتلبية متطلبات المشاة، ويضم عناصر البنية التحتية للنقل والمواصلات لدعم مقومات جودة العيش. وسيطبق هذا المنهج على مختلف المشاريع التطويرية من واجهات مائية ومرافق اجتماعية ورياضية وبيئة طبيعية وتراث ثقافي وانسيابية حركة الناس والمركبات والتنقل، من خلال تعدد الخيارات المتاحة، والمرونة في الوصول إلى الوجهة المقصودة، مع اختصار المدة الزمنية التي تستغرقها الحركة والتنقل داخل المدينة، ويجعلها أكثر ملاءمة للعيش. المخططون في أبو ظبي استهدفوا تقليل اعتماد الأفراد على المركبات الخاصة في التنقل، وذلك من خلال توفير شبكة من المواصلات العامة تشمل القطارات العالية السرعة والحافلات وخطوط المترو، إضافة إلى منظومة من الشوارع الجديدة والشوارع التي أعيد تصميمها لتلائم وسائل النقل والمواصلات كافة. وطبقا للمخطط ستأخذ الشوارع التصميم الملائم وفقاً للأجواء والأماكن المحيطة بها. مثلاً، تضم الشوارع المرتبطة بمحلات التسوق مسارات جانبية رحبة ومظللة في شكل أكبر، ومناطق عازلة من خطوط المرور، مع إمكان وجود مقاه جانبية وبعض الأشجار. أما الشوارع المقامة في المناطق السكنية المجاورة، فيتم تصميمها وفق سرعة المرور المنخفضة، من خلال مناطق عبور آمنة للمشاة لتشجيع السكان على المشي ، وتوفير بيئات جميلة هادئة للعائلات.والهدف الآخر أن تتحول الشوارع غير النشطة إلى أماكن عامة مفعمة بالحيوية والنشاط، وتحويل الشوارع المكتظة بالمركبات المركونة إلى شوارع بفضاءات عامة رحبة وعدد محدود من مواقف السيارات،ومثل هذا التخطيط والمشاريع عادة مايثير الانبهار . لكن ماذا عن أحلام مدننا؟ رغم ما بدأت به كلامي ورغم الواقع المثقل بتركة كبيرة من عشوائيات سابقة في التخطيط والحياة، والارتباك من ساعة مطر أو يزيد ، ورغم أثار فاجعة جدة وآلامها التي شخصت بدقة وشمولية وتعالج بحزم وعدالة..رغم كل ذلك فإن مدننا غنية بمقومات التطور وليست بعيدة عن الأحلام الجميلة ، بل مقبلة عليها بأفكار وخطط للمستقبل ما يجعلنا نتفاءل كثيرا. فاليوم ورغم مشكلات الواقع، تشهد كافة المدن والمناطق مشاريع كبرى في قطاعات البنية الأساسية ،بعضها كان ولايزال حاجة ضرورية ،ويعضها كان حلما واصبح ضرورة حتمية لتحديات الغد.. لذا نرى أحلاما جميلة تتحقق برؤية شاملة ،وفي هذا السياق يأتي المخطط الاستراتيجي لمنطقة مكةالمكرمة ومشاريع قطار الحرمين وقطار المشاعر والتخطيط لثقافة النقل العام. وقبل أيام رعى سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، ومؤسس مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة ، توقيع اتفاقيات تعاون بين المركز ، وعدد من الجهات الحكومية لتطبيق برنامج (الوصول الشامل) الذي ينفذه المركز بدعم من وزارة النقل. هذا البرنامج الطموح للرياض يهدف إلى تطبيق المعايير التصميمية للمنشآت العامة والمرافق والطرق ووسائل النقل المواصلات، ووضع الأسس لبيئة ملائمة خالية من العوائق إلى جانب تخطيط عمراني كامل وفقاً للمعايير الدولية، بالاستعانة بعدد من المنظمات الدولية وعدد من الاستشاريين في هذا المجال . ولا يستهدف البرنامج المعوقين فقط، بل يهدف إلى تطوير البيئة المحيطة بأفراد المجتمع ككل من جميع الفئات العمرية، وذلك من خلال الوصول إلى الأماكن العامة والخاصة كمراكز التسوق، والمنشآت التجارية، ومواقف السيارات والمدارس والمساجد والمنازل، إلى غير ذلك من المرافق. إن المدن كالبشر تنمو وتكبر وتتنفس ، بعضها يتطور بسرعة وأخرى تترهل أو تشيخ مبكرا ،لذلك تحتاج إلى ضخ مقومات الحياة المريحة في شرايينها ، وتقليل الفجوة الحضارية بين شرائحها ،وفي هذه الحالة فإن المدن تكون قادرة على منح جودة الحياة لكل سكانها وزائريها ،وفي هذا فلتتنافس مدننا.