اتصلت عليّ وهي تقول: “سأنهي حياتي بطريقة بشعة سوف يذكرها المجتمع ويتكلم عنها الناس لفترة من الزمن!!” وعندما سألتها لماذا؟ ذكرت أن “المجتمع يستحق أن أعاقبه على ما سببه لي من ألم.. فقد فقدت براءتي عندما تحرش بي والدي وأنا في الثانية عشرة من عمري.. وفقدت انتمائي لأسرتي عندما اتهمتني أمي بأنني منزوعة الحياء والأدب.. وفقدت اهتمامي بمن حولي عندما شنعت بي أمي أمام القاصي والداني بأنني سيئة الخلق.. وفقدت طموحي عندما فقدت صديقتي التي انتقلت من منطقتنا وعاشت في منطقة أخرى.. وفقدت حبي للحياة فتزوجت بمن لا يستحق حتى ألحق بها.. لكن حياتي أخذت منحى آخر فأحببتها حب الرجل للمرأة، ومارست معها ما يحلو لنا معًا، لكن سرعان ما خفتت مشاعرها نحوي، وبدأت تنسحب من حياتي.. لذا، أنا أود الانتقام من العالم كله.. فلا معنى ولا قيمة للحياة بعد أن خسرت حياتي مرة بعد مرة.. في طفولتي بسبب والدي، وفي مراهقتي بسبب والدتي، وأخيرا بسبب صديقتي.. فلماذا أحيا في هذه الدنيا التي لم تبتسم لي ولو للحظة!! فما حاجتي لمثل هذه الحياة!!” انتهت علاقتي مع هذه الفتاة بعد آخر اتصال بيننا أخبرتني به عن عزمها على الانتحار!! رغم مرور عدة سنوات على هذه الحادثة إلا أن خبرا قرأته عن نسب انتحار الأطفال أعاد الذكرى الكاملة لمثل هذه المشاكل التي تواجه أبناءنا وبناتنا؛ فتجعل الحل الأنسب من وجهة نظرهم هو القضاء على حياتهم بالكلية بدل معالجة مشاكلهم أولا بأول، أو باتخاذ قرارات جادة، أو استشارة أهل الخبرة في حل مشاكلهم، والأهم اللجوء إلى الله بالدعاء والصبر على مصابهم.. يقول الخبر: كشفت دراسة نفذتها الأكاديمية السعودية الدكتورة سلمى سيبيه أن 295 طفلا انتحروا في مختلف مناطق البلاد قبل نحو سبع سنوات خلت، وعزت الدراسة أسباب انتحار الأطفال إلى “التفكك الأسري” التي تعاني منه بعض الأسر السعودية، حيث يأتي التفكك عن طريق تراكم المشكلات التي لا يستطيع الزوجان حلها.. ويرجع بعض الخبراء النفسيين حالات انتحار الأطفال لعوامل عدة، أهمها عدم قدرة الأسرة على ضخ ثقافة تربوية صحيحة لدى الطفل، كما أن الأبوين يكونان عادة غير متفرغين لتربية أبنائهم الصغار. وتضيف الباحثة أن: “الطفولة تمثل مرحلة ضعف بالنسبة للإنسان يحتاج فيها وبشكل دائم إلى رعاية وعناية في جميع شؤونه سواء البدنية أو النفسية أو الاجتماعية فضلًا عن الطعام والشراب، كما أن التوجيه الذي يتلقاه الطفل في هذا العمر يترك أثرًا بالغًا عليه والطفل الذي يعيش أجواء مضطربة غالبا ما تؤثر في شخصيته عندما يبلغ إلى الجوانب اللا إرادية كطريقة الكلام والمشي ونغمة الصوت حيث يتأثر فيها الطفل بوالديه والمجتمع لحد كبير”. وبالعودة لقصة تلك الفتاة يتضح أنها عانت من نقص الاحتواء والاهتمام والعناية والحب منذ طفولتها الأولى، حيث افتقدت كلمات الحب وعبارات الثناء ونظرات الاعتزاز.. فمن يعيد لها براءة الطفولة ويأخذ بيدها بعد أن تخلى عنها أقرب الناس إليها (أمها وأبوها). [email protected]